Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 154-155)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما بيَّن هذا من عظمته أتبعه أمراً آخر أعظم منه فقال : { ورفعنا } أي بعظمتنا ؛ ولما كان قد ملأ جهة الفوق بأن وارى جميع أبدانهم ولم يسلم أحد منهم من ذلك ؛ نزع الجار فقال : { فوقهم الطور } أي الجبل العظيم ، ثم ذكر سبب رفعه فقال : { بميثاقهم } أي حتى التزموه وأذعنوا له وقبلوه . ولما ذكر الميثاق على هذا الوجه العجيب أتبعه ما نقضوا فيه على سهولته دليلاً على سوء طباعهم فقال : { وقلنا لهم } أي بما تكرر لهم من رؤية عظمتنا { ادخلوا الباب } أي الذي لبيت المقدس { سجداً } أي فنقضوا ذلك العهد الوثيق وبدلوا { وقلنا لهم } أي على لسان موسى عليه الصلاة والسلام في كثير من التوراة { لا تعدوا } أي لا تتجاوزوا ما حددناه لكم { في السبت } أي لا تعملوا فيه عملاً من الأعمال - تسمية للشيء باسم سببه سمي عدواً لأن العالم للشيء يكون لشدة إقباله عليه كأنه يعدو { وأخذنا منهم } أي في جميع ذلك { ميثاقاً غليظاً * } وإنما جزمت بأن المراد بهذا - والله تعالى أعلم - على لسان موسى عليه الصلاة والسلام ، لأنه تعالى كرر التأكيد عليهم في التوراة في حفظ السبت ، وأوصاهم به ، وعهد إليهم فيه ما قل أن عهده في شيء من الفروع غيره ، قال بعض المترجمين للتوراة في السفر الثاني في العشر الآيات التي أولها " أنا إلهك الذي أصعدتك من أرض مصر من العبودية والرق ، لا يكون لك إله غيري " ما نصه : اذكر حفظ يوم السبت وطهره ستة أيام ، كد فيها واصنع جميع ما ينبغي لك أن تصنعه ، واليوم السابع سبت الله ربك ، لا تعملن فيه شيئاً من الأعمال أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك ودوابك والساكن في قراك ، لأن الرب خلق السماوات والأرض في ستة أيام والبحور وجميع ما فيها ، واستراح في اليوم السابع ، ولذلك بارك الله اليوم السابع وقدسه ، أكرم أباك - إلى آخر ما مر في سورة البقرة ؛ ثم عاد العشر الآيات في أوائل السفر الخامس وقال في السبت : احفظوا يوم السبت وظهوره كما أمركم الله ربكم ، واعملوا الأعمال في ستة أيام كما أمركم الله ربكم ، واعملوا الأعمال في ستة أيام ، فاصنعوا ما أردتم أن تصنعوا فيها ، فأما يوم السبت فأسبوع ربكم ، لا تعملوا فيه عملاً أنتم وبنوكم وعبيدكم وإماؤكم وثيرانكم وحميركم وكل بهائمكم والساكن الذي في قراكم ليستريح عبيدكم - إلى آخر ما في أوائل هذه السورة عند { ويهديكم سنن الذين من قبلكم } وقال في الثاني بعد ذلك : وقال الرب لموسى : وأنت فأمر بني إسرائيل أن تحفظوا السبوت ، لأنها أمارة العهد وعلامة فيما بيني وبينكم لأحقابكم ، فتعلموا أني أنا الرب إلهكم مقدسكم ، احفظوا يوم السبت فإنه مطهر مخصوص لكم ، ومن نقصه وأخذ العمل فيه فليقتل ، ومن عمل عملاً فليهلك ذلك الإنسان من شعبه ، اعملوا أعمالكم ستة أيام ، واليوم السابع فهو يوم سبت قدس للرب ، لأن الرب خلق السماوات والأرض في ستة أيام والبحور وما فيها ، وهذا في اليوم السابع ودفع إلى موسى عليه الصلاة والسلام لما فرغ كلامه له في طور سيناء لوحي الشهادة ، وأبلغ في تأكيد حفظه عليهم في غير ذلك من المواضع ، حتى أنه شرع لهم أسباب الأرض ونحوها ، فقال في السفر الثاني أيضاً : ازرع أرضك ست سنين , واحمل أثقالها , وفي السنة السابعة ابذرها ودعها فيأكل مسكين شعبك ، وما يبقى بعد ذلك يأكله حيوان البر , وكذلك فافعل بكرومك وزيتونك ، اعمل عملك في ستة أيام وفي اليوم السابع تستريح لكي يستريح ثورك وحمارك ، وتستريح أمتك وابن أمتك والساكن في قراك ، ثم ذكر الأعياد في السفر الثالث ، وحرم العمل فيها ؛ وقال في بعضها : وكل نفس يعمل عملاً في هذا اليوم تهلك تلك النفس من شعبها ، فلا تعملوا فيه عملاً ، لأنه سنة جارية لكم إلى الأبد في جميع مساكنكم ، فليكن هذا اليوم سبت السبوت ؛ ثم أمرهم بعيد المظال سبعة أيام وقال : ليعلم أحقابكم أنني أجلست بني إسرائيل في المظال حيث أخرجتهم من أرض مصر ، ثم ذكر بعض القرابين وقال : ويصف هارون الخبز صفين في اليوم السادس وهو يوم الجمعة ، ويكون ذلك من عيد بني إسرائيل ؛ وكلم الرب موسى وقال له في طور سيناء كلم بني إسرائيل وقل لهم : إذا دخلتم الأرض التي أعطيكم ميراثاً تسبت الأرض سبتاً للرب ، ازرعوا مزارعكم ست سنين واكسحوا كرومكم ست سنين ، واستغلوا غلاتكم ست سنين ، فأما السنة السابعة فلتكن سبت الراحة للأرض ، لا تزرعوا مزارعكم ، ولا تكسحوا كرومكم ، ول تحصدوا ما ينبت في أرضكم في تلك السنة من غير أن يزرع ، ولا تقطعوا عنب كرومكم ، بل يكون سبت الراحة للأرض لكم ولبنيكم ولإمائكم ولإخوانكم وللسكان الذين يسكنون معكم ، وأحصوا سبع مرات سبعاً سبعاً : تسعاً وأربعين سنة ، وقدسوا سنة خمسين ، وليكن رد الأشياء إلى أربابها ، ولا تزرعوا أرضكم في تلك السنة ، ولا تحصدوا ما نبت فيها ، ولا تقطعوا عشبها لأنها سنة الرد ، واتقوا الله لأني أنا الله ربكم ، احفظوا وصاياي واعملوا بها ، واحفظوا أحكامي واعملوا بها ، واسكنوا أرضكم بالسكون والطمأنينة لتغل لكم الأرض غلاتها ، وتأكلوا وتشبعوا وتسكنوها مطمئنين ، وإن قلتم : من أين نأكل في السنة السابعة التي لا نزرع فيها فلا تهتموا ! أنا منزل لكم بركاتي في السادسة ، وتغل لكم أرضكم في تلك السنة غلة ثلاث سنين ، حتى إذا زرعتم في السنة الثامنة لم تحتاجوا إلى غلتها ، لأنكم تأكلون من السنة السادسة إلى التاسعة ، وأما الأرض فلا تباع بيعاً صحيحاً أبداً ، لن الأرض لي ، وفيه مما لا يجوز إطلاقه في شرعنا نسبة الاستراحة إليه سبحانه , هذا مع أنه أكد سبحانه العهود عليهم في التوحيد وحفظ الأحكام في جميع التوراة على نحو ما تراه فيما أنقله منها في هذا الكتاب . فلما بين سبحانه أنه أكد عليهم الميثاق ، وأكثر من التقدم في حفظ العهد ؛ بين أنهم نقضوا ، فأقبهم بسبب ذلك ما هددوا به في التوراة من الخزي وضرب الذلة مع ما ادخر لهم في الآخرة فقال : { فبما } مؤكداً بإدخال " ما " { نقضهم ميثاقهم } أي فعلنا بهم بسبب ذلك جميع ما ذكرنا في التوراة من الخزي ، وقد تقدم كثير منه في القرآن ، ولا يبعد عندي تعليقه بقوله الآتي " حرمنا عليهم طيبات - واعتدنا " ويكون من الطيبات العز ورغد العيش ، وذلك جامع لنكد الدارين وعطف على هذا الأمر العام ما اشتدت به العناية من إفراده عطف الخاص على العام فقال : { وكفرهم بآيات الله } مما جاءهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم واقتضت حكمته سبحانه أن يكون عظمتها مناسبة لعظمة اسمه الأعظم الذي هو مسمى جميع الأسماء ، فاستلزم كفرهم به كفرهم بما أنزل على موسى عليه الصلاة والسلام لأنه أعظم ما نقضوا فيه وأخص من مطلق النقض { وقتلهم الأنبياء } وهو أعظم من مطلق كفرهم ، لأن ذلك سد لباب الإيمان عنهم وعن غيرهم ، لأن الأنبياء سبب الإيمان وفي محو السبب محو المسبب . ولما كان الأنيباء معصومين من كل نقيصة ، ومبرئين من كل دنية ، لا يتوجه عليهم حق لا يؤدونه ؛ قال : { بغير حق } أي كبير ولا صغير أصلاً . وهذا الحرف - لكونه في سياق طعنهم في القرآن الذي هو أعظم الآيات - وقع التعبير فيه أبلغ مما في آل عمران الذي هو أبلغ مما سبق عليه ، لأن هذا مع جمع الكثرة وتنكير الحق عبر فيه بالمصدر المفهم لأن الاجتراء على القتل صار لهم خلقاً وصفة راسخة ، بخلاف ما مضى ، فإنه بالمضارع الذي ربما دل على العروض ؛ ثم ذكر أعظم من ذلك كله وهو إسنادهم عظائمهم إلى الله تعالى فقال : { وقولهم قلوبنا غلف } أي لا ذنب لنا لأن قلوبنا خلقت من أصل الفهم بعيدةً عن فهم مثل ما يقول الأنبياء ، لكونها في أغشية ، فهي شديدة الصلابة ، وذلك سبب قتلهم ورد قولهم ، وهذا بعد أن كانوا يقرون بهذا النبي الكريم ، ويشهدون له بالرسالة وبأنه خاتم الأنبياء ، ويصفون بأشهر صفاته ، ويترقبون إتبانه ، لا جرم رد الله عليهم بقوله عطفاً على ما تقديره : وقد كذبوا لأنهم ولدوا على الفطرة كسائر الولدان ، فلم تكن قلوبهم في الأصل غلفاً : { بل طبع الله } أي الذي له معاقد العز ومجامع العظمة { عليها } طبعاً عارضاً { بكفرهم } بل إنه خلقها أولاً على الفطرة متمكنة من اختيار الخير والشر ، فلما أعرضوا بما هيأ قلوبهم له من قبول النقض - عن الخير ، واختاروا الشر باتباع شهواتهم الناشئة من نفوسهم ، وترك ما تدعو إليه عقولهم ، طبع سبحانه وتعالى عليها . فجعلها قاسية محجوبة عن رحمته ، ولذا سبب عنه قوله : { فلا يؤمنون } أي يجددون الإيمان في وقت من الأوقات الآتية ، ويجوز أن يتعلق بما تقديره تتمة لكلامهم : طبع الله عليها فهي لا تعي ، وتكون " بل " استدراكاً للطبع بالكفر وحده ، لأنه ربما انضم إليه ، وأن يكون أضرب عن قولهم : إنها في غلف ، لكون ما في الغلاف قد يكون مهيئاً لإخراجه من الغلاف إلى الطبع الذي من شأنه الدوام { إلا قليلاً * } من الإيمان بأن يؤمنوا وقتاً يسيراً كوجه النهار ويكفروا في غيره ، ويؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض ، أو إلا إناساً قليلاً منهم - كما كان أسلافهم يؤمنون بما يأتي به موسى عليه الصلاة والسلام من الآيات ، ثم لم يكن بأسرع من كفرهم وتعنتهم بطلب آية أخرى كما هو مذكور في توراتهم التي بين أظهرهم ، ونقلت كثيراً منه في هذا الكتاب ، فقامت الحجة عليهم بأنهم يفرقون بين قدرتهم على الإيمان وقدرتهم على الطيران .