Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 26-26)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أتم سبحانه الحلال والحرام من هذه الحدود والأحكام ، وختمها بصفة الرحمة بين ما أراد بها من موجبات الرحمة تذكيراً بالنعمة لتشكر ، وتحذيراً من أن تنسى فتكفر فقال تعالى : { يريد الله } أي الملك الأعظم إنزال هذه الأحكام على هذا النظام { ليبين لكم } أي ليوقع لكم البيان الشافي فيما لكم وعليكم من شرائع الدين { ويهديكم } أي يعرفكم { سنن } أي طرق { الذين } ولما كان المراد بعض الماضين قال : { من قبلكم } أي من أهل الكتاب : الأنبياء وأتباعهم { ويتوب عليكم } أي يرجع بكم عن كل ما لا يرضيه ، لا سيما ما يجر إلى المقاطعة - مثل منع النساء والأطفال الإرث ، ومثل نكاح ما يحرم نكاحه وغير ذلك ، فأعلمهم بهذا أنهم لم يخصهم بهذه التكاليف ، بل يسلك بهم فيها صراط الذين أنعم عليهم ليكون ذلك أدعى لهم إلى القبول وأعون على الامتثال ، وليتحققوا أن إلقاء أهل الكتاب الشبه إليهم وتذكيرهم بالأضغان لإرادة إلقاء العداوة محض حسد لمشاركتهم لهم في مننهم إذ هدوا لسننهم ، وما أحسن ختم ذلك بقوله : { والله } أي المحيط بأوصاف الكمال { عليم حكيم * } فلا يشرع لكم شيئاً إلا وهو في غاية الإحكام . فاعملوا به يوصلكم إلى دار السلام . بيان ذلك أن ما في هذه السورة الأمر بالتقوى والحث عليها ، وبيان الفرائض وأمر الزناة ، وما يحل ويحرم من النساء ، والتحري في الأموال ، والإحسان إلى الناس ، لا سيما الأيتام والوالدين ، والإذعان للأحكام ، وتحريم القتل ، والأمر بالعدل في الشهادة وغيرها ، وكل ذلك مبين أصوله في التوراة كما هو مبثوث في هذا الديوان عن نصوصها في المواضع اللائقة به ، لكن القرآن أحسن بياناً وأبلغ تبياناً وأبدع شأناً وألطف عبارة وأدق إشارة ، وأعجب ذلك أن سبب إنزال فرائض الميراث في شريعتنا النساء ، ففي الصحيحين وغيرهما عن جابر رضي الله عنه قال : " مرضت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاني وقد أغمي عليّ " وفي رواية البخاري في التفسير : " عادني النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين ، فوجدني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل ، فدعا بماء فتوضأ فصب عليّ وضوءه فأفقت ، فقلت : يا رسول الله ! كيف أصنع في مالي ؟ " وفي رواية لمسلم : " إنما يرثني كلالة فلم يجبني بشيء " وفي رواية الترمذي : " وكانت لي تسع أخوات حتى نزلت آية الميراث " وفي رواية للبخاري : " فنزلت " وفي رواية للترمذي : " حتى نزلت ( يوصيكم الله في أولادكم ) " وفي رواية للترمذي : حتى نزلت آية الميراث { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } الآية ، وقال : حديث صحيح . ولأبي داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : " جاءت امرأة سعد بن ربيع بابنتيها من سعد رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! هاتان ابنتا سعد بن الربيع ، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيداً ، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالاً ، ولا تنكحان إلا ولهما مال ، قال : يقضي الله عز وجل في ذلك ، فنزلت آية الميراث " وفي رواية أبي داود : ونزلت الآية في سورة النساء ، { يوصيكم الله في أولادكم } وفي رواية الدارقطني : " فنزلت سورة النساء ، وفيها { يوصيكم الله في أولادكم } إلى آخر الآية - فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال : أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فهو لك " وفي رواية للدارقطني : " إن امرأة سعد بن الربيع قالت : يا رسول الله ! إن سعداً هلك وترك ابنتين وأخاه , فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد ، وإنما تنكح النساء على أموالهن ، فلم يجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه ذلك ، ثم جاءته فقالت : يا رسول الله ! ابنتا سعد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادعي لي أخاه ! فجاء فقال : ادفع إلى ابنتيه الثلثين ، وإلى امرأته الثمن ، ولك ما بقي " وقال شيخنا حافظ عصره أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر في الإصابة في أسماء الصحابة : روى أبو الشيخ في تفسيره من طريق عبد الله بن الأجلح الكندي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ولا الأولاد الصغار حتى يدركوا ، فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت ، وترك بنتين وابناً صغيراً ، فجاء ابنا عمه خالد وعرفطة فأخذا ميراثه ، فقالت امرأته للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، فأنزل الله تعالى { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } [ النساء : 7 ] فأرسل إلى خالد وعرفطة فقال : لا تحركا من الميراث شيئاً " ورواه أبو الشيخ من وجه آخر فقال : قتادة وعرفطة ورواه الثعلبي في تفسيره فقال : سويد وعرفطة ، ووقع عنده أنهما أخوا أوس : ورواه مقاتل في تفسيره لفقال : إن أوس بن مالك توفي يوم أحد وترك امرأته أم كجة وبنتين فذكر القصة " وذكر شيخنا في تخريج أحاديث الكشاف أن الثعلبي والبغوي ساقا بلا سند أن أوس بن الصامت الأنصاري ترك امرأته أم كجة وثلاث بنات ، فزوى ابنا عمه سويد وعرفطه أو قتادة وعرفجة ميراثة عنهن ، وكان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الأطفال ويقولون : لا يرث إلا من طاعن بالرماح ، وذاد عن الحوزة ، وحاز الغنيمة ، فجاءت أم كجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفضيخ ، فشكت إليه ، فقال : ارجعي حتى أنظر ما يحدث الله ، فنزلت { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } [ النساء : 7 ] فبعث إليهما : لا تفرقا من مال أوس شيئاً ، فإن الله قد جعل لهن نصيباً ، ولم يبين حتى نزلت { يوصيكم الله في أولادكم } الآية ، فأعطى أم كجة الثمن والبنات الثلثين والباقي لابني العم " ورواه الطبري من طريق ابن جريج عن عكرمة على غير هذا السياق ، ولفظه : " نزلت في أم كجة وابنة أم كجة وثعلبة وأوس بن سويد ، وهم من الأنصار ، كان أحدهما زوجها والآخر عم ولدها ، فقالت : يا رسول الله ! توفي زوجي وتركني وابنته فلم نورث ، فقال عم ولدها : إن ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلاًّ ولا ينكأ عدواً ، فنزلت { للرجال نصيب } [ النساء : 7 ] ، وروي من طريق السدي ، قال في قوله : { يوصيكم الله في أولادكم } [ النساء : 11 ] " كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان ، ولا يورثون إلا من أطاق القتال ، فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر وترك امرأة يقال لها أم كجة ، وترك خمس أخوات ، فجاءت الورثة فأخذوا ماله ، فشكت أم كجة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } [ النساء : 11 ] ثم قال في أم كجة { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد } [ النساء : 12 ] " . فجميع هذه الروايات - كما ترى - ناطقة بأن سبب نزول آيات الميراث النساء ، ويمكن أن يكون المجموع سبباً - والله أعلم ؛ وذلك كما أن سبب إنزال الفرائض في التوراة كان النساء أيضاً ، وذلك أنه جل أمره وعز اسمه وتعالى جده لما أمات من نكص عن أمره من بني إسرائيل ومن آلافهم في التيه وأخرج أبناءهم منه ؛ أمر موسى عليه الصلاة والسلام بقسمة أرض الكنعانيين بين بنيهم بعد معرفة عددهم على منهاج ذكره ، ولم يذكر البنات ، وكان فيهم بنات لا أب لهن فسألن ميراث أبيهن ، فأنزل الله حكمهن ؛ قال في السفر الرابع من التوراة ما نصه : ولما كان بعد الموت الفاشي قال الرب لموسى ولليعازر بن هارون الحبر : احفظا عدد جماعة بني إسرائيل من ابن عشرين سنة إلى فوق ، كل من خرج للمحاربة من بين بني إسرائيل فكلما الجماعة في عربات مؤاب التي عند أردن أريحا ، وأخبراهم بقول الرب ، ثم أحصياهم ، فكان عددهم ستمائة ألف وسبعمائة وثلاثين رجلاً غير اللاويين سبط موسى فإنهم كانوا لحفظ قبة الزمان وخدمتها ، وكانوا ثلاث قبائل : أحدهم فغث فولد له عمران ، وكان اسم امرأة عمران حنة ابنة لوى ، ولدت له بأرض مصر هارون وموسى ومريم ، وكان عددهم في هذا الوقت ثلاثة وعشرين ألفاً ، كل ذكر منهم ابن شهر فما فوق ، ولم يكن في هؤلاء ممن أحصاه موسى وهارون حيث عدا بني إسرائيل في برية سيناء ، لأن الرب قال لهم : يقتلون في هذه المفازة ، ولا يبقى منهم رجل ما خلا كلاب بن يوفنا ويوشع بن نون ، ودنا بنات صلفحد من قبيلة منشى بن يوسف وقلن : أبونا توفي في البرية ولم يخلف ابناً ، أعطنا ميراثنا ، فرفع موسى أمرهن إلى الرب فقال الرب لموسى : الحق قلن أعطهن ميراثاً مع أعمامهن ليتبين ميراث أبيهن , وقلن لبني إسرائيل : أي رجل مات ولم يخلف ابناً يعطى ميراثه ابنته , وإن لم يكن له ابنة يعطى ميراثه إخوته , ومن لم يكن له إخوة يعطى ميراثه أعمامه ومن لم يكن له أعمام يعطى ميراثه لمن كان قرابته من أهل عشيرته ، وتكون هذه سنة لبني إسرائيل في أحكامهم كما أمر الرب موسى ؛ وقال في السفر الثالث منها ما نصه سنة الخطايا التي إذا ارتكبها إنسان عوقب بالموت : وكلم الرب موسى وقال له : كلم بني إسرائيل ، وقل لهم : أنا الله ربكم ! لا تعملوا مثل أعمالكم أهل مصر التي سكنتموها ، ولا تعملوا مثل أعمال أهل كنعان التي أدخلكم إليها ولا تسيروا سنتهم ولكن اعملوا بأحكامي ، واحفظوا وصاياي ، وسيروا بها ، أنا الله ربكم ! احفظوا شرائعي وأحكامي . لأن الذي يعمل بها يعيش ، أنا الرب وليس إله غيري ! ولا يجسرن الرجل منكم أنيكشف عورة قرابته ، أنا الرب وليس إله غيري ! ولا تكشفن عورة أبيك ولا عورة أمك ، لأنها أمك ، ولا تفضح امرأة ابنك ولا تكشف عورتها ، لان عورتها عورة ابنك ، ولا تفضح أختك من أبيك ومن أمك التي ولدت من أبيك ، أو أختك من أمك لا من أبيك ، لا تكشف عورتها ، لأن فضيحتها فضيحتك ، ولا تكشف عورة بنت امرأة أبيك التي ولدت من أبيك ، لأنها أختك ، ولا تكشف عورة عمتك , لإنها أخت أبيك , ولا تكشف عورة خالتك , لأنها أخت أمك , ولا تكشف عورة امرأة عمك ولا تدن من امرأته ، لأنها امرأة عمك ، ولا تكشف عورة كنتك ، لأنها امرأة ابنك ، ولا تكشف عورة امرأة أخيك ، لأن فضيحتها فضيحة أخيك ، ولا تكشف عورة امرأة وبنتها ، أي لا تتزوج بهما ، ولا تكشف عورة بنت الابن ولا بنت البنت ، لأن فضيحتهما فضيحتك ، ولا تكشف عورتهما ، هن قرابتك وارتكابهن إثم ، ولا تتزوج أخت امرأتك في حياتها فتحزنها ، ولا تكشف عورتهما جميعاً في حياة امرأتك ، والمرأة إذا حاضت وطمثت لا تدن لتكشف عورتها ، ولا تسفح بامرأة صاحبك ولا تنجس ، ولا تنجس اسم إلهك ، أنا الله ربكم ! لا تضاجعن الذكر ، ولا ترتكب من الذكر ما ترتكب من المرأة ، لأنه فعل نجس ، ولا بهيمة ، ولا تلق زرعك فيها فتنجس بها ، والمرأة أيضاً لا تقوم بين يدي بهيمة تطأها ، لأنه فعل نجس ، لا تنجسوا منها بشيء ، فبهذه كلها تنجست الشعوب التي أهلكتها من بين أيديكم , وتنجست أرضهم بفعلهم , وعاقبتها بإثمها , وتعطلت الأرض من سكانها لحال خطاياهم ؛ احفظوا عهودي وأحكامي , ولا ترتكبوا شيئاً من هذه الخطايا لأن أهل البلاد التي ترثونها فعلوا هذه الأفاعيل كلها وتنجست الأرض بهم ، ولا تنجسوا الأرض لئلا تعطل منكم كما تعطلت من الشعوب التي كانوا يها قبلكم ، لأن كل من يفعل هذه الخطايا يهلك ؛ احفظوا شرائعي ولا ترتكبوا شيئاً من سير الخطايا التي فعلها من كان قبلكم ، ولا تنجسوا بها ، أنا الله ربكم ! . ثم كلم الرب موسى وقال له : كلم جميع بني إسرائيل وقل لهم : تقدسوا ، لأني قدوس ، أنا الله ربكم ! يهاب كل امرىء منكم والديه ويكرمهما ، واحفظوا وصاياي ، لأني أنا الله ربكم ! لا تقبلوا إلى الشيطان ولا تتخذوا آلهة مسبوكة ، أنا الله ربكم , وقال في السفر الثاني : ولا تصدقن الخبر الكاذب ، لا توالِ الخبيث لتكون له شاهد زور ، ولا تتبعن هوى الكبير فتنسى ، ولا تشايعن الكبراء الذين يحيفون في القضاء فتحيف معهم ، ولا تعن المسكين على الظلم ، لا تحيفن في فضاء المسكين وتباعد عن القول الكاذب . وقال في السفر الخامس : ودعا موسى بجميع بني إسرائيل وقال لهم : اسمعوا يا بني إسرائيل السنن والأحكام التي أتلوا عليكم لتعلموها وتحفظوها وتعملوا بها ، وتعلمون أن الله ربنا عاهدنا عهداً بأرض حوريب ، ولم يعاهد الله آباءنا بهذا العهد ، بل إنما عاهدنا ، نحن الذين ها هنا أحياناً سالمين ، وجهاً قبل وجه كلمنا الرب في النار عن الجبل ، فأنا كنت قائماً بين يدي الرب وبينكم لأظهر لكم ذلك الزمان أقول الله ربكم ، حيث فرقتم من النار ولم تصعدوا إلى الجبل ، وقال الرب : أنا الله ربكم الذي أخرجتكم من أرض مصر وخلصتكم من العبودية ! لا يكون لكم إله غيري ، ولا تتخذوا أصناماً ولا أشباهاً ، ولا تقسم باسم ربك كذباً ، لأن الربّ لا يزكي من يحلف باسمه كذباً ، احفظوا يوم السبت وطهروه - إلى أن قال ؛ لا تعملوا فيه عملاً ليستريح عبيدكم وإماؤكم معكم ، واذكروا أنكم كنتم عبيداً بأرض مصر فأخرجكم الله ربكم من هناك بيد منيعة وذراع عظيمة ، لذلك أمركم ربكم أن تحفظوا يوم السبت ، فيكرم كل امرىء منكم والديه كما أمركم الله ربكم لتطول أعماركم ، وينعم عليكم في الأرض التي يعطيكم ، لا تقتلوا ، لا تزنوا ، لا تسرقوا ، لا يشتهين الرجل منكم امرأة صاحبه - إلى أن قال : ولا شيئاً مما لصاحبك - هذه الآيات التي أمر بها الرب بني إسرائيل ، وكلمهم بها في الجبل من النار بالسحاب والضباب بصوت عظيم لا يوصف ولا يحد ، وهي التي كتبها على لوحي الحجارة ودفعها إلى موسى النبي - فما سمعتم صوتاً من الظلمة ورأيتم ناراً تشتعل في الجبل تقدم إليّ رؤساؤكم ، وقالوا : قد أرانا الله ربنا مجده وكرامته وعظمته ، اليوم رأينا أن كلم الله الناس وعاشوا ، إن عدنا نسمع صوت الله ربنا متنا ، تقدم أنت واسمع ما يقول الله ربنا وقص علينا فسمع الرب صوت كلامكم حين كلمتموني وقال لي الرب : قد سمعت صوت الشعب وما قالوا لك ، نعم ما تكلموا به ويا ليت تكون لهم قلوب هكذا ، فتكون تسمع وتطيع وتتقوى ، ويفزعون من قولي ، ويحفظون جميع وصاياي ، كلها احفظوا ، واعملوا بما أمركم الله ربكم ولا تحيدوا يمنة ولا يسرة ، بل سيروا في كل الطريق الذي أمركم ربكم لتعيشوا ، وينعم عليكم ، وتطول مدتكم في الأرض التي ترثون - هذه السنن والوصايا والأحكام التي أمرني الله ربكم أن أعلمكم لتعلموا وتتقوا الله ربكم أنتم وبنوكم كل أيام حياتكم فتطول أعماركم ، اسمعوا يا بني إسرائيل ! الله ربنا واحد ، أحبوا الله ربكم في كل قلوبكم ، ولتكن هذه الآيات التي أمركم في قلوبكم أبداً ، وعلموها بنيكم ، وتكلموا بها إذا حضرتم في منازلكم ، وإذا سافرتم ، وإذا رقدتم ، وإذا قمتم ، وشدوها علامة على أيديكم ، ويكون ميسماً بين أعينكم ، واكتبوها على قوائم بيوتكم وعلى أبوابكم ، ولا تنسوا الله ربكم ، وإياه فاعبدوا وباسمه فأقسموا ، ولا تتبعوا الآلهة الأخرى التي تعبدها الشعوب التي حولكم ، لأن الله ربكم الحالّ فيكم هو إله غيور فاتقوه ، لا يشتد غضبه عليكم ، ويهلككم عن حديد الأرض ، ولا تجربوا الله ربكم كما جربتموه بالبلايا ، ولكن احفظوا وصية الله ربكم وشهادته وسنته التي أمركم بها ، فاعملوا الحسنات ، وأنصفوا واعدلوا لينعم عليكم ، وتدخلوا وترثوا الأرض المخصبة التي أقسم الله لآبائكم ، ويكسر جميع أعدائكم ويهزمهم قدامكم كما قال الرب ، فإذا سألكم بنوكم غداً وقالوا : ما الشهادة والسنة والحكومة التي أمركم الله بها ؟ قولوا لبنيكم : إنا كنا عبيداً لفرعون بأرض مصر ، وأخرجنا الرب من أرض مصر بيد منيعة ، وأنزل بأهل مصر بلاء شديداً ، وفعل ذلك بفرعون وجميع أهل بيته تجاهنا ، وأخرجنا الرب من هناك ليدخلنا ويعطينا الأرض التي أقسم لآبائنا ، وأمرنا الرب أن نعمل هذه السنن كلها ، وأن نتقي الله ربنا لينعم كل أيامنا ، ويحيينا بالخير والنعم ، ويكون ربنا بنا براً إذا حفظنا هذه الوصية كلها ، وعلمناها أمام الله ربنا كما أمرنا . وقال في السفر الخامس : ولا تكف يدك عن العطاء والصدقة على أخيك المسكين ، ولكن يصدق بعضكم على بعض ، ويعطي بعضكم بعضاً ، ولا يضيق قلبك ، ولا تحزن إذا صدقت على أخيك ، لأنك إذا فعلت هذا القول وأوسعت على أخيك يبارك الله لك في جميع أعمالك ، وفي كل ما تمد يدك إليه ، من أجل أن الأرض لا تعدم المساكين ، فلذلك آمرك - والعزم إليك - أن تمد يدك إلى أخيك المسكين ، وتصدق على الفقير في الأرض . وقال فيه : أنصفوا بين إخوتكم وأحكموا بالحق ولا تحيفوا في القضاء ، واسمعوا من الصغير كما تسمعون من الكبير ، ولا تهابوا الرجل ولو عظم شأنه وكثرت أمواله ، لأن القضاء لله . وقال فيه : صيروا لكم قضاة وكتاباً في جميع قراكم ، وتقضون للشعب قضاء العدل والبر ، ولا تحيفن في القضاء ، ولا تحابوا ولا ترتشوا ، لأن الرشوة تعمي أعين الحكام في القضاء ، ولكن أقضي بالحق لتعيشوا وتبقوا وترثوا الأرض التي يعطيكم الله ربكم - فقد علم من هذا أصول غالب ما ذكره تعالى في هذه السورة مع ما تقدم من أشكاله في البقرة عند قوله تعالى : { وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله } [ البقرة : 83 ] وغيرها من الآيات ، وفي آل عمران أيضاً ، وأما حد الزاني وأمر القتل والجراح فسيذكر إن شاء الله تعالى في المائدة .