Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 78-81)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما زهدهم في دار المتاعب والأكدار على تقدير طول البقاء ، وكانوا كأنهم يرجون بترك القتال الخلود ، أو تأخير موت يسببه القتال ؛ نبههم على ما يتحققون من أن المنية منهل لا بد من وروده في الوقت الذي قدر له وإن امتنع الإنسان منه في الحصون ، أو رمى نفسه في المتألف , فقال تعالى - مبكتاً من قال ذلك ، مؤكداً بما النافية لنقيض ما تضمنه الكلام لأن حالهم حال من ينكر الموت بغير القتال ، مجيباً بحاق الجواب بعد ما أورد الجواب الأول على سبيل التنزل - : { أينما تكونوا } أيها الناس كلكم مطيعكم وعاصيكم { يدرككم الموت } أي فإنه طالب ، لا يفوته هارب { ولو كنتم في بروج } أي حصون برج داخل برج ، أو كل واحد منكم في برج . ولما كان ذلك جمعاً ناسب التشديد المراد به الكثرة في { مشيّدة } أي مطولة ، كل واحد منها شاهق في الهواء منيع ، وهو مع ذلك مطلي بالشيد أي بالجص ، فلا خلل فيه أصلاً ، ويجوز أن يراد بالتشيد مجرد الإتقان ، يعني أنها مبالغ في تحصينها - لأن السياق أيضاً يقتضيه ، فإذا كان لا بد من الموت فلأن يكون في الجهاد الذي يستعقب السعادة الأبدية أولى من أن يكون في غيره . ثم عطف ما بقي من أقوالهم على ما سلف منها في قوله : { ربنا لم كتبت } [ النساء : 77 ] إلى آخره وإن كان هذا الناس منهم غير الأولين ، ويجوز أن يقال : إنه لما أخبر أن الحذر لا يغني من القدر أتبع ذلك حالاً لهم مبكتاً به لمن توانى في أمره ، مؤذناً بالالتفات إلى الغيبة إعراضاً عن خطابهم ببعض غضب ، لأنهم جمعوا إلى الإخلال بتعظيمهم لله تعالى الإخلال بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أرسله ليطاع بإذن الله فقال : { وإن } أي قالوا ذلك والحال أنه إن { تصبهم } أي بعض المدعوّين من الأمة ، وهم من كان في قلبه مرض { حسنة } أي شيء يعجبهم ، ويحسن وقعه عندهم من أي شيء كان { يقولوا هذه من عند الله } أي الذي له الأمر كله ، لا دخل لك فيها { وإن تصبهم سيئة } أي حالة تسوءهم من أي جهة كانت { يقولوا هذه من عندك } أي من جهة حلولك في هذا البلد تطيراً بك . ولما كان هذا أمراً فادحاً ، وللفؤاد محرقاً وقادحاً ، سهل عليه بقوله : { قل كل } أي من السيئة والحسنة في الحقيقة دنيوية كانت أو أخروية { من عند الله } أي الذي له كل شيء ، ولا شيء لغيره ، وذلك كما قالوا لما مات أبو أمامة أسعد بن زرارة نقيب بني النجار رضي الله تعالى عنه عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في السيرة - : " بئس الميت أبو أمامة ليهود ومنافقي العرب ! يقولون : لو كان نبياً لم يمت صاحبه ، ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئاً " . ولما تسبب عن هذا معرفة أنهم أخطؤوا في ذلك ، فاستحقوا الإنكار قال منكراً عليهم : { فما } وحقرهم بقوله : { لهؤلاء } وكأنه قال : { القوم } الذي هو دال على القيام والكفاية ، إما تهكماً بهم ، وإما نسبة لهم إلى قوة الأبدان وضعف المكان { لا يكادون يفقهون } لا يقربون من أن يفهموا { حديثاً * } أي يلقي إليهم أصلاً فهما جيداً . ولما أجابهم بما هو الحق إيجاداً علمهم ما هو الأدب لماحظة السبب فقال مستأنفاً : { ما أصابك من حسنة } اي نعمة دنيوية أو أخروية { فمن الله } أي إيجاداً وفضلاً ، والإيمان أحسن الحسنات ، قال الإمام : إنهم يقولون : إنهم اتفقوا على أن قوله { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله } [ فصلت : 33 ] المراد به كلمة الشهادة { وما أصابك } وأنت خير الخلق { من سيئة } أي بلاء { فمن نفسك } أي بسببها فغيرك بطريق الأولى . ولما اقتضى قولهم إنكار رسالته صلى الله عليه وسلم إلا أن فعل كل خارق ، وأخبر سبحانه وتعالى بأنه مستو مع الخلق في القدرة قال سبحانه وتعالى مخبراً بما اختصه به عنهم : { وأرسلناك } أي مختصين لك بعظمتنا { للناس } أي كافة { رسولاً } أي تفعل ما على الرسل من البلاغ ونحوه ، وقد اجتهدت في البلاغ والنصيحة ، ولم نجعلك إلهاً تأتي بما يطلب منك من خير وشر ، فإن أنكروا رسالتك فالله يشهد بنصب المعجزات والآيات البينات { وكفى بالله } المحيط علماً وقدرة { شهيداً * } لك بالرسالة والبلاغ . ولما نفى عللهم في التخلف عن طاعته إلى أن ختم بالشهادة برسالته ؛ قال مرغباً مرهباً على وجه عام يسكن قلبه ، ويخفف من دوام عصيانهم له ، دالاً على عصمته في جميع حركاته وسكناته : { من يطع الرسول } أي كما هو مقتضى حاله { فقد أطاع الله } الملك الأعظم الذي لا كفوء له ، لأنه داع إليه ، وهو لا ينطق عن الهوى ، إنما يخبر بما يوحيه إليه { ومن تولى } أي عن طاعته . ولما كان التقدير : فإنما عصى الله . والله سبحانه وتعالى عالم به وقادر عليه ، فلو راد لرده ولو شاء لأهلكه بطغيانه ، فاتركه وذاك ! عبر عن ذلك كله بقوله : { فما أرسلناك } أي بعظمتنا { عليهم حفيظاً } إنما أرسلناك داعياً . ولما كان من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحفظ من أطاعه ومن عصاه ليبلغ ذلك من أرسله ، وكان سبحانه وتعالى قد أشار له إلى الإعراض عن ذلك ، لكونه لا يحيط بذلك علماً وإن اجتهد ؛ شرع يخبره ببعض ما يخفونه فقال حاكياً لبعض أقوالهم مبيناً لنفاقهم فيه وخداعهم { ويقولون } أي إذا أمرتهم بشيء من أمرنا وهم بحضرتك { طاعة } أي كل طاعة منا لك دائماً ، نحن ثابتون على ذلك ، والتنكير للتعظيم بالتعميم { فإذا برزوا } أي خرجوا { من عندك بيَّت طائفة } هم في غاية التمرد { منهم } أي قدرت وزورت على غاية من التقدير والتحرير مع الاستدارة والتقابل كفعل من يدبر الأمور ويحكمها ويتقنها ليلاً { غير الذي تقول } أي تجدد قوله لك في كل حين من الطاعة التي أظهروها أو غير قولك الذي بلغته لهم ، وأدغم أبو عمرو وحمزة التاء بعد تسكينها استثقالاً لتوالي الحركات في الطاء لقرب المخرجين ، والطاء تزيد بالإطباق ، فحسن إدغام الأنقص في الأزيد ؛ وأظهر الباقون ، والإدغام أوفق لحالهم ، والإظهار أوفق لما فصح من محالهم . ولما كان الإنسان من عادته إثبات الأمور التي يريد تخليدها بالكتابة أجرى الأمر على ذلك فقال : { والله } أي والحال أن الملك المستجمع لصفات الكمال { يكتب ما يبيتون } أي يجددون تبييته كلما فعلوه ، وهو غني عنه ولكن ذلك ليقربهم إياه يوم يقوم الأشهاد ، ويقيم به الحجة عليهم على ما جرت به عاداتهم ، أو يوحى به إليك فيفضحهم بكتابته وتلاوته مدى الدهر ، فلا يظنوا أن تبييتهم يغنيهم شيئاً . ولما تسبب عن ذلك كفايته صلى الله عليه وسلم هذا المهم قال : { فأعرض عنهم } أي فإنهم بذلك لا يضرون إلا أنفسهم { وتوكل } أي في شأنهم وغيره { على الله } أي الذي لا يخرج شيء عن مراده { وكفى بالله } أي المحيط علماً وقدرة { وكيلاً * } فستنظر كيف تكون العاقبة في أمرك وأمرهم .