Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 40-41)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان معنى ذلك أنه لا اعتراض عليه سبحانه في شيء من ذلك ولا مانع ، لأن قدرته تامة ، ليس هو كمن يشاهد من الملوك الذين ربما يعجزون من اعتراض أتباعهم ورعاياهم عن تقريب بعض ما لم يباشر إساءة ، وإبعاد بعض من لم يباشر إحساناً ، فكيف بغير ذلك ! قال تعالى مقرراً لذلك بتفرده في الملك : { ألم تعلم أن الله } أي الذي له جميع العز { له ملك السماوات } أي على علوها وارتفاع سمكها وانقطاع أسباب ما دونها منها { والأرض } أي أن الملك خالص له عن جميع الشوائب . ولما كان إيقاع النقمة أدل على القدرة ، وكان السياق لها لما تقدم من خيانة أهل الكتاب وكفرهم وقصة ابنيّ آدم والسرقة والمحاربة وغير ذلك ، قدم قوله معللاً لفعل ما يشاء بتمام الملك لا بغيره من رعاية لمصالح أو غيرها : { يعذب من يشاء } أي من بني إسرائيل الذين ادعوا النبوة والمحبة وغيرهم وإن كان مطيعاً , أي له فعل ذلك , لآنه لا يقبح منه شيء { ويغفر لمن يشاء } أي وإن كان عمله موبقاً ، لأنه لا يتصور منه ظلم ولا يسوغ عليه اعتراض . ولما كان التقدير : لأنه قادر على ذلك ، عطف عليه قوله : { والله } أي الذي له الإحاطة بكل كمال { على كل شيء } أي شيء { قدير * } أي ليس هو كغيره من الملوك الذين قد يعجز أحدهم عن تقريب ابنه وتبعيد أعدى عدوه ، وهذه القضية الضرورية ختم بها ما دعت المناسبة إلى ذكره من الأحكام ، وكرَّ بها على أتم انتظام إلى أوائل نقوض دعواهم في قوله { بل أنتم بشر ممن خلق } [ المائدة : 18 ] - . ولما تقرر ذلك ، كان من غير شك علةً لعدم الحزن على شيء من أمرهم ولا من أمر غيرهم ممن عصى شيئاً من هذه الأحكام ، كما قال تعالى : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } [ الحديد : 22 ] إلى أن قال : { لكيلا تأسوا على ما فاتكم } [ الحديد : 23 ] ، فقوله : { يا أيها الرسول } أي المبلغ لما أرسل به - معلول لما قبله . وأدل دليل على ذلك قوله تعالى { ومن يرد اله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً } { ولا يحزنك } أي لا يوقع عندك شيئاً من الحزن صنعُ { الذين يسارعون في الكفر } أي يفعلون في إسراعهم يف الوقوع فيه غاية الإسراع فعلَ من يسابق غيره ، وفي تبيينهم بالمنافقين وأهل الكتاب بشارة بإتمام النعمة على العرب بدوام إسلامهم ونصرهم عليهم ، وقدم أسوأ القسمين فقال : { من الذين قالوا آمنا } . ولما كان الكلام هو النفسي ، أخرجه بتقييده بقوله : { بأفواههم } معبراً لكونهم منافقين بما منه ما هو أبعد عن القلب من اللسان ، فهم إلى الحيوان أقرب منهم إلى الإنسان ، وزاد ذلك بياناً بقوله : { ولم تؤمن قلوبهم } . ولما بين المسارعين بالمنافقين ، عطف عليهم قسماً آخر هم أشد الناس مؤاخاة لهم فقال : { ومن الذين هادوا } أي الذين عرفت قلوبهم وكفرت ألسنتهم تبعاً لمخالفة قلوبهم لما تعرف عناداً وطغياناً ، ثم أخبر عنهم بقوله : { سمّاعون } أي متقبلون غاية التقبل بغاية الرغبة { للكذب } أي من قوم من المنافقين يأتونك فينقلون عنك الكذب { سمّاعون لقوم آخرين } أي الصدق ، ثم وصفهم بقوله : { لم يأتوك } أي لعلة ، وذكر الضمير لإرادة الكلام ، لأن المقصود البغض على نفاقهم { يحرفون الكلم } أي الذي يسمعونه عنك على وجهة فيبالغون في تغييره وإمالته بعد أن يقيسوا المعنيين : المغير والمغير إليه ، واللفظين فلا يبعدوا به ، بل يأخذون بالكلم عن حده وطرفه إلى حد آخر قريب منه جداً ، ولذلك ، أثبت الجار فقال : { من بعد } أي يثبتون الإمالة من مكان قريب من { مواضعه } أي النازلة عن رتبته بأن يتأولوه على غير تأويله ، أو يثبتوا ألفاظاً غير ألفاظه قريبة منها , فلا يبعد منها المعنى جداً وهذا أدق مكراً مما في النساء , وهو من الحرف وهو الحد والطرف ، وانحرف عن الشيء : مال عنه ، قال الصغاني : وتحريف الكلام عن مواضعه : تغييره ، وقال أبو عبد الله القزاز : والتحريف التفعيل ، من : انحرف عن الشيء - إذا مال ، فمعنى حرفت الكلام : أزلته عن حقيقة ما كان عليه في المعنى ، وأبقيت له شبه اللفظ ، ومنه قوله تعالى { يحرفون الكلم } ، وذلك أن اليهود كانت تغير معاني التوراة بالأشباه ، وفي الحديث " يسلط عليهم طاعون يحرف القلوب " أي يغيرها عن التوكل ويدعوهم إلى الانتقال عن تلك البلاد ، وحكي : حرفته عن جهته - أي بالتخفيف - مثل : حرّفته ، والمحارفة : المقايسة ، من المحراف وهو الميل الذي يقاس به الجراح - انتهى . فالآية من الاحتباك : حذف منها أولاً الإتيان وأثبت عدمه ثانياً للدلالة عليه ، وحذف منها ثانياً الصدق ودل عليه بإثبات ضده - الكذب - في الأولى . ولما كان كأنه قيل : ما غرضهم بإثبات الكذب وتحريف الصدق ؟ قال : { يقولون } أي لمن يوافقهم { إن أوتيتم } أي من أيّ مؤت كان { هذا } أي المكذوب والمحرف { فخذوه } أي اعملوا به { وإن لم تؤتوه } أي بأن أوتيتم غيره أو سكت عنكم { فاحذروا } أي بأن تؤتوا غيره فتقبلوه . ولما كان التقدير : فأولئك الذين أراد الله فتنتهم ، عطف عليه قوله : { ومن يرد الله } أي الذي له الأمر كله { فتنته } أي أن يحل به ما يميله عن وجه سعادته بالكفر حقيقة أو مجازاً { فلن تملك له من الله } أي الملك الأعلى الذي لا كفوء له { شيئاً } أي من الإسعاد ، وإذا لم تملك ذلك أنت وأنت أقرب الخلق إلى الله فمن يمكله . ولما كان هذا ، أنتج لا محالة قوله : { أولئك } أي البعداء من الهدى { الذين لم يرد الله } أي وهو الذي لا راد لما يريده ، ولا فاعل لما يرده ، فهذه أشد الآيات على المعتزلة { أن يطهر قلوبهم } أي بالإيمان ، والجملة كالعلة لقوله { فلن تملك له من الله شيئاً } ، ولما ثبت أن قلوبهم نجسة ، أنتج ذلك قوله : { لهم في الدنيا خزي } أي بالذل والهوان ، أما المنافقون فبإظهار الأسرار والفضائح الكبار وخوفهم من الدمار ، وأما اليهود فببيان أنهم حرفوا وبدلوا وضرب الجزية عليهم وغير ذلك من الصغار { ولهم في الآخرة } التي من خسرها فلا ربح له بوجه ما { عذاب عظيم * } أي لعظيم ما ارتكبوه من هذه المعاصي المتضاعفة .