Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 42-43)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكر التحريف ، ذكر أثره وهو الحكم به فقال مكرراً لوصفهم زيادة في توبيخهم وتقبيح شأنهم : { سمّاعون } أي هم في غاية الشهوة والانهماك في سماعهم ذلك { للكذب أكّالون } أي على وجه المبالغة { للسحت } أي الحرام الذي يسحت البركة أي يستأصلها ، وهو كل ما لا يحل كسبه ، وذلك أخذهم الرشى ليحكموا بالباطل على نحو ما حرفوه وغيره من كلام الله ، قال الشيخ أبو العباس المرسي : ومن آثر من الفقراء السماع لهواه ، وأكل ما حرمه مولاه ، فقد استهوته نزعة يهودية ، فإن القوال يذكر العشق والمحبة والوجد وما عنده منها شيء . ولما كانوا قد يأخذون الرشوة ولا يقدرون على إبرام الحكم بما أرادوه ، فيطمعون في أن يفعلوا ذلك بواسطة ترافعهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيترافعون إليه ، فإن حكم بينهم بما أرادوا قبلوه واحتجوا به على من لعله يخالفهم ، وإن حكم بما لم يريدوه قالوا : ليس هذا في ديننا - طمعاً في أن يخليهم فلا يلزمهم بما حكم ، أعلمه الله تعالى بما يفعل في أمرهم ، وحذره غوائل مكرهم ، فقال مفوضاً الخيرة إليه في أمر المعاهدين إلى مدة - وأما أهل الجزية فيجب الحكم بينهم إذا ترافعوا إلى حاكمنا - مسبباً عن أكلهم الحرام وسماعهم الكذب : { فإن جاءوك } أي طمعاً في أن تؤتيهم ما حرفوا إليه الكلم { فاحكم بينهم } أي إن شئت بما أنزل الله عليك من الحق { أو أرض عنهم } أي كذلك . ولما كان قوله : { وإن } دالاً بعطفه على غير معطوف عليه أن التقدير : فإن حكمت بينهم لم ينفعوك شيئاً لإقبالك عليهم ، قال : وإن { تعرض عنهم } أي الكفرة كلهم من المصارحين والمنافقين { فلن يضروك شيئاً } أي إعراضك عنهم واستهانتك بهم . ولما كان التخيير غير مراد الظاهر في جواز الحكم بينهم عند الترافع إلينا وعدمه ، بل معناه عدم المبالاة بهم ، أعرض عنهم أولاً ، فحقيقته بيان العاقبة على تقديري الفعل والترك ، علَّمه كيف يحكم بينهم ، فقال عاطفاً على ما قدرته : { وإن حكمت } أي فيهم { فاحكم } أي أوقع الحكم { بينهم بالقسط } أي العدل الذي أراكه الله - على أن الآية ليست في أهل الذمة ، والحكم في ترافع الكفار إلينا أنه كان منهم أو من أحدهم التزام لأحكامنا أم منا التزام للذب عنهم وجب ، لقوله تعالى { فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم } وإلا لم يجب ، ثم علل ذلك بقوله : { إن الله } أي الذي له صفات الكمال { يحب المقسطين } أي الفاعلين للعدل السوي من غير حيف أصلاً . ولما كان التقدير : فكيف يحكمونك وهم يكذبونك ويدعون أنك مبطل ، عطف عليه قوله معجباً منهم موبخاً لهم : { وكيف يحكمونك } أي في شيء من الأشياء { وعندهم } أي والحال أنه عندهم { التوراة } ثم استأنف قوله : { فيها حكم الله } أي الذي لا يداني عظمته عظمة وهو الذي كان مقرراً في شرعهم أنه لا يسوغ خلافه ، فإن كانوا يعتقدون ذلك إلى الآن لم يجز لهم العدول إليك على زعمهم ، وإن كانوا لا يعتقدونه ويعتقدون أن حكمك هو الحق ولم يؤمنوا بك كانوا قد آمنوا ببعض وكفروا ببعض . ولما كان الإعراض عن حكمه سبحانه عظيماً ، وكان وقوعه ممن يدعي أنه مؤمن به بعيداً عظيماً شديداً ، قال : { ثم يتولون } أي يكلفون أنفسهم الإعراض عنه سواء تأيد بحكمك به أو لا لأجل الأعراض الدنيوية ، ولما كان المراد بالحكم الجنس ، وكانوا يفعلون بعض أحكامها فلم يستغرق زمان توليهم زمان البعد ، أدخل الجار لذلك فقال : { من بعد ذلك } أي الأمر العالي وهو الحكم الذي يعلمون أنه حكم الله ، فلم يبق تحكيمهم لك من غير إيمان بك إلا تلاعباً . ولما كان التقدير : فما أولئك بالمريدين للحق في ترافعهم إليك ، عطف عليه قوله : { وما أولئك } أي البعداء من الله { بالمؤمنين * } أي العريقين في صفة الإيمان بكتابهم ولا بغيره مما يستحق الإيمان به ، لأنهم لو كانوا عريقين في ذلك آمنوا بك لأن كتابهم دعا إليك .