Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 7-8)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان في هذه المأمورات والمنهيات خروج عن المألوفات ، وكانت الصلاة أوثق عرى الدين ، وكان قد عبر عنها بالإيمان الذي هو أصل الدين وأساس الأعمال ، عطف عليها قوله تذكيراً بما يوجب القبول والانقياد : { واذكروا } أي ذكر اتعاظ وتأمل واعتبار . ولما كان المقصود من الإنعام غايته قال : { نعمة الله } أي الملك الأعلى { عليكم } أي في هدايته لكم إلى الإسلام بعد أن كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ، وفي غير ذلك من جميع النعم ، وإنما لم تجمع لئلا يظن أن المقصود تعداد النعم ، لا الندب إلى الشكر بتأمل أن هذا الجنس لا يقدر عليه غيره سبحانه وعظَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يستحقه بجعل فعله سبحانه فعله صلى الله عليه وسلم فقال : { وميثاقه } أي عقده الوثيق { الذي واثقكم به } أي بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم حين بايعكم ليلة العقبة على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره { إذ } أي حين { قلتم سمعنا وأطعنا } وفي ذلك تحذير من مثل ما أراد بهم شاس بن قيس ، وتذكير بما أوجب له صلى الله عليه وسلم عليهم من الشكر بهدايته لهم إلى الإسلام المثمر لالتزام تلك العهود ليلة العقبة الموجبه للوفاء الموعود عليه الجنة ، والتفات إلى قوله أول السورة { أوفوا بالعقود } [ المائدة : 1 ] وحديث إسباغ الوضوء على المكاره مبيّن لحسن هذه التناسب . ولما كان أمر الوفاء بالعهد صعباً ، لا يقوم به إلا من صدقت عريقته وصلحت سريرته ، وإنما يحمل عليه مخافة الله قال : { واتقوا الله } أي اجعلوا بينكم وبين ما يغضب الملك الأعظم . الذي يفعل ما يشاء . من نقض العهد وقاية من حسن القيام ، لتكونوا في أعلى درجات وعيه ، ثم علل ذلك مرغباً مرهباً بقوله : { إن الله } أي الذي له صفات الكمال { عليم } أي بالغ العلم { بذات الصدور * } أي أحوالها من سرائرها وإن كان صاحبها لم يعلمها لكونها لم تبرز إلى الوجود ، وعلانيتها وإن صاحبها قد نسيها . ولما تقدم القيام إلى الصلاة ، وتقدم ذكر الأزواج المأمور فيهن بالعدل في أول النساء وأثنائها ، وكان في الأزواج المذكورات هنا الكافرات ، ناسب تعقيب ذلك بعد الأمر بالتقوى بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان , ولما كان العدل في غاية الصعوبة على الإنسان ، فكان لذلك يحتاج المتخلق به إلى تدريب كبير ليصير صفة راسخة ، عبر بالكون فقال تعالى : { كونوا قوّامين } أي مجتهدين في القيام على النساء اللاتي أخذتموهن بعهد الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، وعلى غيرهن في الصلاة وغيرها من جميع الطاعات التي عاهدتم على الوفاء بها . ولما كان مبنى السورة على الوفاء بالعهد الوثيق ، وكان الوفاء بذلك إنما يخف على النفوس ، ويصح النشاط فيه ، ويعظم العزم عليه بالتذكير بجلالة موثقة وعدم انتهاك حرمته ، لأن المعاهد إنما يكون باسمه ولحفظ وحده ورسمه ، قدم قوله : { لله } أي الذي له الإحاطة بكل شيء . بخلاف ما مضى في النساء . ولما كان من جملة المعاقد عليه ليلة العقبة " ليلة تواثقوا على الإسلام " أن يقولوا الحق حيث ما كانوا ، لا يخافون في الله لومة لائم ، قال : { شهداء } أي متيقظين محضرين أفهامكم غاية الإحضار بحيث لا يسد عنها شيء مما تريدون الشهادة به { بالقسط } أي العدل ، وقال الإمام أبو حيان في نهره : إن التي جاءت في سورة النساء جاءت في معرض الاعتراف على نفسه وعلى الوالدين والأقربين ، فبدأ فيها بالقسط الذي هو العدل والسواء من غير محاباة نفس ولا والد ولا قرابة ، وهنا جاءت في معرض ترك العداوات والاحن ، فبدىء فيها بالقيام لله إذ كان الأمر بالقيام لله أولاً أردع للمؤمنين ، ثم أردف بالشهادة بالعدل ، فالتي في معرض المحبة والمحاباة بدىء فيها بما هو آكد وهو القسط ، والتي في معرض العدواة والشنآن ، بدىء فيها بالقيام لله ، فناسب كل معرض ما جيء به إليه ، وأيضاً فتقدم هناك حديث النشوز والإعراض وقوله { ولن تستطيعوا أن تعدلوا } [ النساء : 129 ] وقوله { فلا جناح عليهما أن يصلحا } [ النساء : 128 ] فناسب ذكر تقديم القسط ، وهنا تأخر ذكر العداوة فناسب أن يجاورها ذكر القسط - انتهى . ولما كان أمر بهذا الخبر ، نهى مما يحجب عنه فقال : { ولا يجرمنكم } أي يحملنكم { شنئان قوم } أي شدة عداوة من لهم قوة على القيام في الأمور من المشركين ، بحيث يخشى من إهمالهم ازدياد قوتهم { على ألا تعدلوا } أي أن تتركوا قصد العدل ، وهو يمكن أن يدخل فيه بغض أهل الزوجة الكافرة أو ازدراؤها في شيء من حقوقها لأجل خسة دينها ، فأمروا بالعدل حتى بين هذه المرأة الكافرة وضرّاتها المسلمات ، وإذا كان هذا شأن الأمر به في الكافر فما الظن به في المسلم ؟ ثم استأنف قوله آمراً بعد النهي تأكيداً لأمر العدل : { اعدلوا } أي تحروا العدل واقصدوه في كل شيء حتى في هذه الزوجات وفيمن يجاوز فيكم الحدود ، فكلما عصوا الله فيكم أطيعوه فيهم ، فإن الذي منعكم من التجاوز وفيمن يجاوز فيكم الحدود ، فكلما عصوا الله فيكم أطيعوه فيهم ، فإن الذي منعكم من التجاوز خوفه يريكم من النصرة وصلاح الحال ما يسركم . ولما كان ترك قصد العدل قد يقع لصاحبه العدل اتفاقاً ، فيكون قريباً من التقوى ، قال مستأنفاً ومعللاً : { هو } أي قصد العدل { أقرب } أي من ترك قصده { للتقوى } والإحسان الذي يتضمنه الصلح أقرب من العدل إليها ، وتعدية { أقرب } بالام دون إلى المقتضية لنوع بعد زيادة في الترغيب - كما مر في البقرة ؛ ولما كان الشيء لا يكون إلا بمقدماته ، وكان قد علم من هذا أن العدل مقدمة التقوى ، قال عاطفاً على النهي أو على نحو : فاعدلوا : { واتقوا الله } أي اجعلوا بينكم وبين غضب الملك الأعظم وقاية بالإحسان فضلاً عن العدل ، ويؤيد كون الآية ناظرة إلى النكاح مع ما ذكر ختام آية الشقاق التي في أول النساء بقوله { إن الله كان عليماً خبيراً } [ النساء : 35 ] ، وختام قوله تعالى في أواخرها وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو اعراضاً بقوله { فإن الله كان بما تعملون خبيراً } وختام هذه بقوله معللاً لما قبله : { إن الله } أي المحيط بصفات الكمال { خبير بما تعملون * } لأن ما بين الزوجين ربما دق علمه عن إدراك غير العليم الخبير ؛ وقالو أبو حيان : لما كان الشنآن محله القلب ، وهو الحامل على ترك العدل ، أمر بالتقوى وأتى بصفة { خبير } ومعناها عليم ولكنها مما تختص بما لطف إدراكه انتهى . { وشهداء } يمكن أن يكون من الشهادة التي هي حضور القلب - كما تقدم من قوله { أو ألقى السمع وهو شهيد } [ ق : 37 ] وأن يكون من الشهادة المتعارفة ، ويوضح المناسبة فيها مع تأييد إرادتها كونها بعد قوله { إن الله عليم بذات الصدور } [ آل عمران : 119 ] ومع قوله تعالى : { ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } [ البقرة : 283 ] وختام آية النساء التي في الشهادة بقوله : { وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً } [ النساء : 135 ] كما ختمت هذه بمثل ذلك .