Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 16-19)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما دلت هذه الجملة على سوء أعمالهم ومداومتهم عليها ، أكد ذلك بقوله : { اتخذوا } أي كلفوا فطرهم الأولى المستقيمة لما لهم من العراقة في اعوجاج الطبع والمحبة للأذى { أيمانهم } الكاذبة التي لا تهون على من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان { جنة } أي وقاية وسترة من كل ما يفضحهم من النفاق كائناً ما كان ، أو يوجب قتلهم بما يقع منهم من الكفران . ولما كان علمهم بأنه يرضى منهم بالظاهر ويصدق أيمانهم هو الذي جرأهم على العظائم ، فكانوا يرغبون الناس في النفاق بعاجل الشهوات ويثبطونهم عن الدين بما فيه من عاجل الكلف وآجل الثواب ، سبب عن قبول إيمانهم قوله مظهراً بزيادة التوبيخ لهم : { فصدوا } أي كان قبول ذلك منهم وتأخير عقابهم سبباً لإيقاعهم الصد { عن سبيل الله } أي شرع الملك الأعلى الذي هو الطريق إلى رضوانه الذي هو سبب الفوز الأعظم ، فإنهم كانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ويوهون أمره ويحقرونه ، ومن رآهم قد خلصوا من المكاره بأيمانهم الحانثة وردت عليهم الأرزاق استدراجاً وحصلت لهم الرفعة عند الناس بما يرضونهم من أقوالهم المؤكدة بالأيمان غره ذلك فاتبع سنتهم في أقوالهم وأفعالهم ، ونسج على منوالهم ، غروراً بظاهر أمرهم ، معرضاً عما توعدهم الله سبحانه عليه من جزاء خداعهم ومكرهم ، وأجرى الأمر على أسلوب التهكم باللام التي تكون في المحبوب فقال : { فلهم } أي فتسبب عن صدهم أنهم كان لهم { عذاب مهين * } جزاء بما طلبوا بذلك الصد إعزاز أنفسهم وإهانة أهل الإسلام . ولما كان لهم أموال وأولاد يتعززون بها ، قال مستأنفاً دالاًّ على أن من استتر بجنة دون طاعته لتسلم دنياه وراءه تكشف لسهام التقدير من حيث لا يشعر ، ثم لا دينه يبقى ولا دنياه تسلم : { لن تغني } أي بوجه من الوجوه { عنهم } أي في الدنيا ولا في الآخرة بالافتداء ولا بغيره { أموالهم } وأكد النفي بإعادة النافي للتنصيص على كل منهما فقال : { ولا أولادهم } أي بالنصرة والمدافعة { من الله } إي إغناء مبتدئاً من الملك الأعلى الذي لا كفوء له { شيئاً } أي من إغناء ولو قل جدّاً ، فمهما أراد بهم سبحانه كان ونفد ومضى ، لا يدفعه شيء تكذيباً لمن قال منهم : لئن كان يوم القيامة لتكونن أسعد فيه منكم كما نحن الآن ولننصرن بأنفسنا وأموالنا وأولادنا . ولما انتفى الإغناء المبتدئ من الله فانتفى بانتفائه كل إغنائه سواه ، أنتج ذلك قوله : { أولئك } أي البعداء من كل خير { أصحاب النار } ولما أفهمت الصحبة الملازمة ، أكدها بقوله : { هم } أي خاصة لاضمحلال عذاب غيرهم - لكونهم في الهاوية - في جنب عذابهم { فيها } أي خاصة دون شيء يقصر عنها { خالدون * } أي مقيمون باقون دائمون لازمون إلى غير نهاية . ولما كان إفسادهم لذات البين سراً ، وحلفهم على نفي ذلك جهراً مع الإلزام بقبول ما ظهر من ذلك منهم مع علمه سبحانه وتعالى بأنه كذب غائظاً موجعاً ، وكان ربما توهم متوهم أنه تعالى كما ألزم بقبولنا لما ظهر منهم في دار العمل يأمر بقبولهم في دار الجزاء ، قال نافياً لذلك معزياً للمؤمنين بأنهم يفعلون ذلك معه سبحانه بعد كشف الغطاء وتحقيق الأمور ، لأن الإنسان يبعث على ما مات عليه ، لأن ذلك جبلته التي لا ينفك عنها ، ولا ينفعهم ذلك ، ذاكراً ظرف الخلود وإظهار التعذيب : { يوم يبعثهم الله } أي الملك الذي له جميع صفات الكمال بإحيائهم عما كانوا فيه من الموت وردهم إلى ما كانوا قبله { جميعاً } لا يترك أحداً منهم ولا من غيرهم إلا أعاده إلى ما كان عليه قبل موته { فيحلفون } أي فيتسبب عن ظهور القدرة التامة لهم ومعاينة ما كانوا يكبون به من البعث والنار أنهم يحلفون { له } أي الله في الآخرة أنهم مسلمون فيقولون : والله ربنا ما كنا مشركين ، ونحوه من الأكذوبات التي تزيدهم ضرراً ، ولا تغني عنهم شيئاً بوجه من الوجوه ، جرياً على ما طبعوا عليه من إيثار الهوى والقصور على النظر في المحسوسات التي ألفوها { كما يحلفون } في الدنيا { لكم } لكونكم لا تعلمون الغيب مع توقعهم أن الله يفضحهم كما فعل لهم ذلك مراراً ، وحلفهم ناشئ عن اعتقاد بعدهم من القبول فإنه لا يحلف لك إلا من يظن أنك تكذبه : قال القشيري : عقوبتهم الكبرى ظنهم الأجنبية ، وغاية الجهد كبهم على مناخرهم في وهدة ندمهم . ولما كان الذي يحملهم على الإقدام على ذلك ضعف عقولهم وتوغلهم في النفاق ومرودهم عليه حتى بعثوا على مثل ذلك مع علمهم بأن ذلك لا ينجيهم لإحاطة علمه سبحانه ، عبر بالحسبان ، فقال دالاًّ على أنهم في الغاية من الجهل وقلة العقل : { ويحسبون } أي في القيامة بأيمانهم الكاذبة { أنهم على شيء } أي يحصل لهم به نفع لتخيلهم أن أيمانهم تروج على الله فتنجيهم كما كانت في الدنيا تنجيهم . ولما أفهم ذلك أن أمورهم لا حقائق لها لا في إخباراتهم ولا في أيمانهم ولا في حسبانهم ، قال منادياً عليهم مؤكداً لتكذيب حسبانهم : { ألا إنهم } أي خاصة { هم الكاذبون * } أي المحكوم بكذبهم في حسبانهم وفي أخبارهم في الدارين لعراقتهم في وصف الكذب حيث لا يستحيون من الكذب عند الله . ولما كان هذا الانهماك فيما لا يغني مما يحصل لسامعه غاية العجب من وقوع عاقل فيه مرة من الدهر ، فضلاً عن ملازمته ، أخبر عن الحامل لهم عليه ، فقال مستأنفاً : { استحوذ } أي طلب أن يغلب ويسوق ويسرع ويضرب الحوطة ويحث ويقهر ويستولي { عليهم الشيطان } مع أنه طريد ومحترق ، ووجد منه جميع ذلك ، ووصل منهم إلى ما يريده ، وملكهم ملكاً لم يبق لهم معه اختيار فصاروا رعيته وأقطاعه ، وصار هو محيطاً بهم من كل جهة ، غالباً عليهم ظاهراً وباطناً ، من قولهم : حذت الإبل أي استوليت عليها ، وحاذ الحمار العانة - إذا جمعها وساقها غالباً لها ، والحوذ : السوق السريع ، ومنه الأحوذي : الخفيف في المشي لحدقه ، وجاء على الأصل على حكم الصحيح لأنه لم يبن على حاذ كافتقر فإنه لا مجرد له ، لم يقولوا : فقر : { فأنساهم } أي فتسبب عن استحواذه عليهم أنه أنساهم { ذكر الله } أي الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى بعد أن كان ذكره مركوزاً في فطرهم الأولى ، فصاروا لا يذكرونه أصلاً بقلب ، ولا لسان . ولما كان ذلك ، أنتج ولا بد قوله : { أولئك } أي الذين أحلوا أنفسهم أبعد منزل { حزب الشيطان } أي أتباعه وجنده وجماعته وطائفته وأصحابه والمحدقون به والمتحيزون إليه لدفع ما حزبه أي نابه واشتد عليه ، المبعدون المحترقون لأنهم تبعوه ولم يخافوا في مجازيته وإنفاذ ما يريد لومة لائم مع أنه كله نقائص ومعايب ، وهم مطبوعون على بغضه ، وتركوا من له الكمال كله ، وكر وحبه مركوز في فطرهم ، فلذلك كانت ترجمة هذا ونتيجته قوله : { ألا } وأكد لظنهم الريح بما لهم في الدنيا من الكثرة وظهرو التعاضد والاستدراج بالبسط والسعة فقال : { إن حزب الشيطان } أي الطريد المحترق { هم } أي خاصة { الخاسرون * } أي العريقون في هذا الوصف لأنهم لم يظفروا بغير الطرد والاحتراق .