Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 146-148)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان قوله { طاعم } نكرة في سياق النفي ، يعم كل طاعم من أهل شرعنا وغيرهم ، وكان سبحانه قد حرم على اليهود أشياء غير ما تقدم ، اقتضت إحاطة العلم أن قال مبيناً لإحاطة علمه وتكذيباً لليهود في قولهم : لم يحرم الله علينا شيئاً ، إنما حرمنا على أنفسنا ما حرم إسرائيل على نفسه : { وعلى الذين هادوا } أي اليهود { حرمنا } بما لنا من العظمة التي لا تدافع { كل ذي ظفر } أي على ما هو كالإصبع للآدمي من الإبل والسباع والطيور التي تتقوى بأظفارها { ومن البقر والغنم } أي التي هي ذوات الأظلاف { حرمنا } أي بما لنا من العظمة { عليهم شحومهما } أي الصنفين ؛ ثم استثنى فقال : { إلا ما حملت ظهورهما } أي من الشحوم مما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما { أو الحوايا } وهي الأمعاء التي هي متعاطفة متلوية ، جمع حوية فوزنها فعائل كسفينة وسفائن ، وقيل : جمع حاوية أو حاوياء كقاصعاء { أو ما اختلط } أي من الشحوم { بعظم } مثل شحم الألية فإن ذلك لا يحرم ، وهذا السياق بتقدم الجار وبناء الكلام عليه يدل على أن ما عدا المذكور من الصنفين حلال لهم . ولما كان كأنه قيل : لم حرم عليهم هذه الطيبات ؟ قيل : { ذلك } أي التحريم العظيم والجزاء الكبير وهو تحريم الطيبات { جزيناهم } أي بما لنا من العظمة { ببغيهم } أي في أمورهم التي تجاوزوا فيها الحدود ، وفي إيلاء هذه الآية - التي فيها ما حرم على اليهود - لما قبلها مع الوفاء بالمقصود من حصر محرمات المطاعم على هذه الأمة وغيرها أمران جليلان : أحدهما بيان اطلاعه صلى الله عليه وسلم على تفصيل ما أوحي إلي من تقدمه ولما يشامم أحداً من أتباعهم ولا دارس عالماً ولا درس علماً قط ، فلا دليل على صدقه على الله أعظم من ذلك ، والثاني تفضيله هذه الأمة بأنه أحل لها الخبائث عند الضرورة رحمة لهم ، وأزال عنها في تلك الحالة ضرها ولم يفعل بها كما فعل باليهود في أنه حرم عليهم طائفة من الطيبات ولم يحلها لهم في حال من الأحوال عقوبة لهم ، وفي ذلك أتم تحذير لهذه الأمة من أن يبغوا فيعاقبوا كما عوقب من قبلهم على ما نبه عليه في قوله { غير محلي الصيد وأنتم حرم } [ المائدة : 1 ] فبان الصدق وحصحص الحق ولم يبقى لمتعنت كلام ، فحسن جداً ختم ذلك بقوله { وإنا لصادقون * } أي ثابت صدقنا أزلاً وأبداً كما اقتضاه ما لنا من العظمة ، وتعقيبه بقوله : { فإن } أي وتسبب عن هذا الإيحاء الجامع الوجيز الدال على الصدق الذي لا شبهة فيه أنا نقول ذلك : { كذبوك فقل } والتعبير بأداة الشك مشير إلى أن الحال يقتضي أن يستبعد أن يقع منهم تكذيب بعد هذا { ربكم } أي المحسن إليكم بالبيان والإمهال مع كل امتنان { ذو رحمة واسعة } أي فهو مع اقتداره قضى أنه يحلم عنكم بالإمهال إلى أجل يعلمه . ولما أخبر عن رحمته ، نوه بعظيم سطوته فقال : { ولا يرد بأسه } أي إذا أراد الانتقام { عن القوم المجرمين * } أي القاطعين لما ينبغي وصله ، فلا يغتر أحد بإمهاله في سوء أعماله وتحقيق ضلاله ، وفي هذه الآية من شديد التهديد ما لطيف الاستعطاف ما هو مسبوك على الحد الأقصى من البلاغة . ولما تم ذلك فعلم أن إقدامهم على الأحكام الدينية بغير حجة أصلاً ، اقتضى الحال أن يقال : قد بطل بالعقل والنقل جميع ما قالوه في التحريم على وجه أبطل شركهم ، فهل بقي لهم مقال ؟ فأخبر سبحانه بشبهة يقولونها اعتذاراً عن جهلهم على وجه هو وحده كاف في الدلالة على حقية ما يقوله من الرسالة ، فوقع طبق ما قال عن أهل الضلال ، فقال مخبراً بما سيقولونه قبل وقوعه دلالة على صدق رسله وكذب المشركين فيما يخالفونهم فيه : { سيقول } أي في المستقبل ، وأظهر موضع الإضمار تنصيصاً عليهم وتبكيتاً لهم فقال : { الذين أشركوا } تكذيباً منهم { لو شاء الله } أي الذي له جميع الكمال عدم إشراكنا وتحريمنا { ما أشركنا } أي بصنم ولا غيره { ولا أباؤنا } أي ما وقع من إشراك { ولا حرمنا من شيء } أي ما تقدم من البحائر والسوائب والزروع وغيرها أي ولكنه لم يشأ الترك وشاء الفعل ففعلنا طوع مشيئته ، وهو لا يشاء إلا الحق والحكمة لأنه قادر ، فلو لم يكن حقاً يرضاه لمنعنا منه ، وهو لم يمنعنا منه فهو حق . ولما كان هذا عناداً منهم ظاهراً بعد وضوح الأمر بما أقام على صدق رسله من البينات ، كان كأنه قيل تعجباً منهم : هل فعل أحد غيرهم مثل فعلهم هذا أو قال مثل ما قالوا ؟ فقيل : نعم { كذلك } أي مثل ذلك التكذيب البعيد عن الصواب { كذب الذين } ولما لم يكن التكذيب عاماً أدخل الجار فقال : { من قبلهم } من الأمم الخالية بما أوقعوا من نحو هذه المجادلة في قولهم إذا كان الكل بمشيئة الله كان التكليف عبثاً ، فكانت دعوى الأنبياء باطلة ، وهذا القول من المشركين عناد بعد ثبوت الرسالات بالمعجزات وإخبار الرسل بأنه يشاء الشيء ويعاقب عليه لأن ملكه تام ومِلكه عام ، فهو لا يسأل عما يفعل ، وتمادى بهم غرور التكذيب { حتى ذاقوا بأسنا } أي عذابنا لما لنا من العظمة ، فإن من له الأمر كله لا يسأل عما يفعل ، فلم ينفعهم عنادهم عند ذوق البأس ، بل انحلت عزائم همهم فخضعوا لنا وآمنوا برسلنا ، فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ، فالآية من الاحتباك : أثبت أولاً الإشراك دليلاً على حذفه ثانياً ، وثانياً التكذيب دليلاً على حذفه أولاً ، وسيأتي توجيه أنه لا بد من تضليل إحدى الطائفتين المتعاندتين وإن كان الكل بمشيئة الله ، لأنه لا مانع من إتيان الأمر على خلاف الإرادة . ولما كان ما قالوه شبهة بعيدة عن العلم ، أعلى درجاتها أن يكون من أنواع الخطابة فتفيد الظن في أعظم مسائل علم الأصول الذي لا يحل الاعتماد فيه إلا على القواطع ، أمره أن يقول لهم ما ينبههم على ذلك فقال : { قل } أي لهؤلاء الذين تلقوا ما يلقيه الشيطان إليهم - كما أشير إليه في سورة الحج - تهكماً بهم في بعدهم عن العلم وجدالهم بعد نهوض الحجج { هل عندكم } أيها الجهلة ، وأغرق في السؤال فقال : { من علم } أي يصح الاحتجاج به في مثل هذا المقام الضنك { فتخرجوه لنا } أي لي ولأتباعي وإن كان مما يجب أن يكون مكنوناً مضنوناً به على غير أهله مخزوناً ، فهو تهكم بهم . ولما كان جوابهم عن هذا السكوت لأنه لا علم عندهم ، قال دالاً على ذلك : { إن } أي ما { تتبعون } أي في قولكم هذا وغالب أموركم { إلا الظن } أي في أصول دينكم وهي لا يحل فيها قول إلا بقاطع { وإن } ي وما { أنتم إلا تخرصون * } أي تقولون تارة بالحزر والتخمين وتارة بالكذب المحض اليقين .