Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 149-150)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما انتفى أن يكون لهم حجة ، وثبت أن الأمر إنما هو لله ، ثبت أنه المختص بالحجة الواضحة ، فقال مسبباً عن ذلك : { قل فلله } أي الإله الأعظم وحده { الحجة البالغة } أي التي بلغت أعلى درجات الحق قوة ومتانة وبياناً ووضوحاً ورصانة بسبب أنه شامل العلم كامل القدرة كما أقررتم بذلك حين قلتم " ولو شاء الله ما أشركنا " وإن كنتم قلتموه على سبيل الإلزام والعناد لا لأجل التدين والاعتقاد { فلو شاء } أي الله { لهداكم } أي أنتم ومخالفيكم { أجمعين * } ولكنه لم يشأ ذلك ، بل شاء هداية بعض وضلال آخرين ، فوقع ذلك على الوجه الذي شاءه ، فلزم على قولكم أن يكون الفريقان محقين ، فيكون الشيء الواحد حقاً غير حق في حال واحد ، وهذا لا يقوله عاقل ، ويلزمكم على ذلك أيضاً أن توالوا أخصامكم ولا تعادوهم وإن فعلوا ما فعلوا ، لأنه حق رضى الله لأنه بمشيئته وأنتم لا تقولون ذلك ، فبطل قولكم فثبت أنه قد يشاء الباطل لأنه لا يسأل عما يفعل ويرسل الرسل إليكم لإزالته ليقيم بهم الحجة على من يريد عقابه على ما يتعارفه الناس بينهم ، وورود الأمر على خلاف الإرادة غير ممتنع . ولما صدق الحق ، وانكسر جند الباطل واندق ببطلان جميع شبههم ، ونطقت الدلائل وأفحم المجادل ، فبان أنه لا شاهد لهم بحق لأنه لا حق لهم ، كان كأنه قيل : قل لهم : ها أنا قد شهد لي بما قلته مَن لا ترد شهادته وزكاتي الذي لا يقبل إلا تزكيته بهذا الكتاب الذي كان عجزكم عن الإتيان بشيء من مثله شاهداً بأنه قوله ، فهل لكم أنتم من شاهد يقبل ! ولما لم يكن لهم شاهد غير متخرصيهم ، فإن المبطل يظهر باطله عند المحاققة سنة من الله مستمرة ، فيظهر للمشهود لهم بما يلوح من بهتهم أنهم ليسوا على شيء ، أمره سبحانه أن يأمرهم بدعائهم ليظهر خزيهم وتشتهر فضيحتهم فقال : { قل هلم } أي احضروا ، وهي كلمة دعوة يستوي فيها المذكر والمؤنث والواحد والجمع عند الحجازيين { شهداءكم } . ولما كان كأنه قيل : أيّ شهداء ؟ قال : { الذين يشهدون } أي يوقعون الشهادة على { أن الله } أي الذي لا حكم لغيره { حرم هذا } أي الذي ذكرتموه من قبل ، وإضافة الشهداء إليهم ووصفهم بـ " الذين " دليل على أنهم معروفون موسومون بنصرة مذهبهم بالباطل ، ولو قال : شهداء - من غير إضافة لأفهم أن المطلوب من يشهد بالحق وليس كذلك ، لأنه أقيم الدليل العقلي على أنه لا حجة لهم وأن الحجة لله على خلاف ما ادعوه ، فبطل قطعاً أن يكون أحد يشهد على ذلك بحق . ولما كان كأنه قيل : فإنهم إذا أحضروا لا يقدرون - إن كان لهم عقل أو فيهم حياء - على النطق إذا سمعوا هذا الحق ، بني عليه قوله : { فإن } اجترؤوا بوقاحة { شهدوا } أي كذباً وزوراً بذلك الذي أبطلناه بالأدلة القطعية { فلا تشهد معهم } أي فاتركهم ولا تسلم لهم ، فإنهم على ضلال وليست شهادتهم مستندة إلا إلى الهوى { ولا تتبع أهواء } وأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف دلالة على أن القائد إلى التكذيب وكل ردى إنما هو الهوى ، وأن من خالف ظاهر الآيات إنما هو صاحب هوى ، فقال : { الذين كذبوا } أي أوقعوا التكذيب { بآياتنا } أي على ما لها من الظهور بما لها من العظمة بإضافتها إلينا . ولما وصفهم بالتكذيب ، أتبعه الوصف بعدم الإيمان ، ودل بالنسق بالواو على العراقة في كل من الوصفين فقال : { والذين لا يؤمنون بالآخرة } أي التي هي دار الجزاء ، فإنهم لو جوزوها ما اجترؤوا على الفجور { وهم بربهم } أي الذين لا نعمة عليهم ولا خير عندهم إلا وهو منه وحده { يعدلون } أي يجعلون غيره عديلاً له ، وسيعلمون حين يقولون لشركائهم وهم في جهنم يختصمون { تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين } [ الشعراء : 97 ، 98 ] .