Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 151-151)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أبطل دينهم كله أصولاً وفروعاً في التحريم والإشراك ، وبين فساده بالدلائل النيرة ، ناسب أن يخبرهم بالدين الحق مما حرمه الملك الذي له الخلق والأمر ومن غيره ، فليس التحريم لأحد غيره فقال : { قل تعالوا } أي أقبلوا إليّ صاعدين من حضيض الجهل والتقليد وسوء المذهب إلى أوج العلم ومحاسن الأعمال ؛ قال صاحب الكشاف : هو من الخاص الذي صار عاماً ، يعني حتى صار يقوله الأسفل للأعلى { أتل } أي أقرأ ، من التلاوة وهي اتباع بعض الحروف بعضاً . ولما كان القصد عموم كل أحد بالتلاوة وإنما خص المخاطبين بالذكر لاعتقادهم خلاف ذلك ، وكان المحرم أهم ، قدمه فقال : { ما حرم ربكم } أي المحسن إليكم بالتحليل والتحريم { عليكم } فسخطه منكم ، وما وصاكم به إقداماً وإحطاماً فرضيه لكم من قبيلي الأصول والفروع ؛ ثم فسر فعل التلاوة ناهياً عن الشرك ، وما بعده من مضمون الأمر إنما عدي عنها ، فقال : { ألا تشركوا به شيئاً } الآيات مرتباً جملها أحسن ترتيب ، فبدأ بالتوحيد في صريح البراءة من الشرك إشارة إلى أن التخلي عن الرذائل قبل التحلي بالفضائل ، فإن التقية بالحمية قبل الدواء ، وقرن به البر لأنهما من باب شكر المنعم وتعظيماً لأمر العقوق ، ثم أولاه القتل الذي هو أكبر الكبائر بعد الشرك ، وبدأه بقتل الولد لأنه أفحشه وأفحش من مطلقه فعله خوف القلة ، فلما وصى بأول واجب للمنعم الأول الموجد من العدم ، أتبعه ما لأول منعم بعده بالتسبب في الوجود ، فقال ناهياً عن الإساءة في صورة الأمر بالإحسان على أوكد وجه لما للنفوس من التهاون في حقهما ، وكذا جميع المأمورات ساقها هذا السياق المفهم لأن أضدادها منهي عنها ليكون مأموراً بها منهياً عن أضدادها ، فيكون ذلك أوكد لها وأضخم : { وبالوالدين } أي افعلوا بهما { إحساناً } . ولما أوصى بالسبب في الوجود ، نهى عن التسبب في الإعدام وبدأ بأشده فقال : { ولا تقتلوا أولادكم } ولما كان النهي عاماً ، وكان ربما وجب على الولد قتل ، خص لبيان الجهة فقال : { من إملاق } أي من أجل فقر حاصل بكم ، ثم علل ذلك ، ولأجل أن الظاهر هو حصول الفقر قدم الآباء فقال : { نحن نرزقكم } بالخطاب ، أي أيها الفقراء ، ثم عطف عليه الأبناء فقال : { وإياهم } وظاهر قوله في الإسراء { خشية إملاق } [ الإسراء : 31 ] أن الآباء موسرون ولكنهم يخشون من إطعام الأبناء الفقر ، فبدأ بالأولاد فقال : " نحن نرزقهم " ثم عطف الآباء فقال " وإياكم " - نبه عليه أبو حيان . ولما كان قتلهم أفحش الفواحش بعد الشرك ، أتبعه النهي عن مطلق الفواحش ، وهي ما غلظت قباحته ، وعظم أمرها بالنهي عن القربان فضلاً عن الغشيان فقال : { ولا تقربوا الفواحش } ثم أبدل منها تأكيداً للتعميم قوله : { ما ظهر منها } أي الفواحش { وما بطن } ثم صرح منها بمطلق القتل تعظيماً له بالتخصيص بعد التعميم فقال : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله } أي الملك الأعلى عليكم قتلها { إلا بالحق } أي الكامل ، ولا يكون كاملاً إلا وهو كالشمس وضوحاً لا شبهة فيه ، فصار قتل الولد منهياً عنه ثلاث مرات ؛ ثم أكد المذكور بقوله : { ذلكم } أي الأمر العظيم في هذه المذكورات . ولما كانت هذه الأشياء شديدة على النفس ، ختمها بما لا يقوله إلا المحب الشفوق ليتقبلها القلب فقال : { وصّاكم به } أمراً ونهياً ؛ ولما كانت هذه الأشياء لعظيم خطرها وجلالة وقعها في النفوس لا تحتاج إلى مزيد فكر قال : { لعلكم تعقلون * } أي لتكونوا على رجاء من المشي على منهاج العقلاء ، فعلم من ذكر الوصية أن هذه المذكورات هي الموصى بها والمحرمات أضدادها ، فصار شأنها مؤكداً من وجهين : التصريح بالتوصية بها ، والنهي عن أضدادها .