Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 71-72)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما تقرر أن غير الله لا يمنع من الله بنوع ، لا آلهتهم التي زعموا أنها شفعاؤهم ولا غيرها ، ثبت أنهم على غاية البينة من أن كل ما سواء لا ينفع شيئاً ولا يضر ، فكان في غاية التبكيت لهم قوله : { قل } أي بعد ما أقمت من الأدلة على أنه ليس لأحد مع الله أمر ، منكراً عليهم موبخاً لهم { أندعوا } أي دعاء عبادة ، وبين حقارة معبوداتهم فقال : { من دون الله } أي المنفرد بجميع الأمر . ولما كان السياق لتعداد النعم { الذي خلق السماوات والأرض } [ الأنعام : 73 ] { خلقكم من طين } [ الأنعام : 2 ] { يطعم ولا يطعم } [ الأنعام : 14 ] { ويرسل عليكم حفظة } [ الأنعام : 61 ] { من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } [ الأنعام : 63 ] { الله ينجيكم منها ومن كل كرب } [ الأنعام : 64 ] قدم النفع في قوله : { ما لا ينفعنا ولا يضرنا } أي لا يقدر على شيء من ذلك ، ليكونوا على غاية اليأس من اتباع حزب الله لهم ، وهذا كالتعليل لقوله { إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله } [ الأنعام : 56 ] . ولما ذكر عدم المنفعة في دعائهم ، أشار إلى وجود الخسارة في رجائهم فقال : { ونرد } أي برجوعنا إلى الشرك ، وبناه للمفعول لأن المنكر الرد نفسه من أيّ راد كان { على أعقابنا } أي فنأخذ في الوجه المخالف لقصدنا فنصير كل وقت في خسارة بالبعد عن المقصود { بعد إذ هدانا الله } أي الذي لا خير إلا وهو عنده ولا ضر إلا وهو قادر عليه ، إلى التوجه نحو المقصد ، ووفقنا له وأنقذنا من الشرك . ولما صور حالهم ، مثَّلَه فقال : { كالذي } أي نرد من علو القرب إلى المقصود إلى سفول البعد عنه رداً كرد الذي { استهوته } أي طلبت مزوله عن درجته { الشياطين } فأنزلته عن أفق مقصده إلى حضيض معطبه ، شبه حاله بحال من سقط من عال في مهواة مظلمة فهو في حال هويه في غاية الاضطراب وتحقق التلف والعمى عن الخلاص { في الأرض } حال كونه { حيران } تائهاً ضالاً , لا يهتدي لوجهه ولا يدري كيف يسلك , ثم استأنف قوله : { له } أي هذا الذي هوى { أصحاب } أي عدة ، ولكنه لتمكن الحيرة منه لا يقبل { يدعونه إلى الهدى } وبين دعاءهم بقوله : { ائتنا } وهو قد اعتسف المهمة تابعاً للشياطين ، لا يجيبهم ولا يأتيهم لأنه قد غلب على نفسه ، وحيل بينه وبين العبر والنزوان . ولما كان هذا مما يعرفونه وشاهدوه مراراً ، وكانوا عالمين بأن دعاء أصحابه له في غاية النصيحة والخير ، وأنه إن تبعهم نجا ، وإلا هلك هلاكاً لا تدارك له ، فكان جوابهم : إن دعاء أصحابه به لهدى ، بين أنه مضمحل تافه جداً بحيث إنه يجوز أن يقال : ليس هدى بالنسبة إلى هذا الذي يدعوهم إليه ، بقوله : { قل إن هدى الله } أي المستجمع لصفات الكمال { هو } أي خاصة { الهدى } أي لا غيره كدعاء أصحاب المستهوي ، بل ذاك الهدى مع إنقاذه من الهلاك إلى جنب هذا الهدى كلا شيء ، لأن الشيء هو الموصل إلى سعادة الأبد . ولما كان التقدير : فقد أمرنا أن نلزمه ونترك كل ما عداه ، عطف عليه أمراً عاماً فقال : { وأمرنا لنسلم } أي ورد علينا الأمر ممن لا أمر لغيره بكل ما يرضيه لأن نسلم بأن نوقع الإسلام وهو الانقياد التام فنتخلى عن كل هوى ، وأن نقيم الصلاة بأن نوقعها بجميع حدودها الظاهرة والباطنة فنتحلى بفعلها أشرف حلى { لرب العالمين * } أي لإحسانه إلى كل أحد بكل شيء خلقه ؛ ثم فسر المأمور به ، فكأنه قال : أن أسلموا { وأن أقيموا الصلاة } لوجهه { واتقوه } مع ذلك ، أي افعلوها لا على وجه الهزء واللعب ، بل على وجه التقوى والمراقبة ليدل ما ظهر منها على ما بطن من الإسلام للمحسن . ولما كان التقدير : فهو الذي ابتدأ خلقكم من طين فإذا أنتم بشر مصورون ، وجعلكم أحياء فبقدرته على مدى الأيام تنتشرون ، عطف عليه قوله : { وهو الذي إليه } أي لا إلى غيره بعد بعثكم من الموت { تحشرون * } فأتى بالبعث الذي هم له منكرون لكثرة ما أقام من الأدلة على تمام القدرة في سياق دال على أنه مما لا مجال للخلاف فيه ، وأن النظر إنما هو فيما وراء ذلك ، وهو أن عملهم للباطل سوَّغ تنزيلهم منزلة من يعتقد أنه يحشر إلى غيره سبحانه ممن لا قدرة له على جزائهم ، فأخبرهم أن الحشر إليه لا إلى غيره ، لأنه لا كلام هناك لسواه ، فلا علق بين المحشورين ولا تناصر كما في الدنيا ، والجملة مع ذلك كالتعليل للأمر بالتقوى ، وقد بان أن الآية من الاحتباك ، فإنه حذف الصلاة أولاً لدلالة ذكرها ثانياً ، والإسلام ثانياً لدلالة ذكره أولاً .