Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 92-93)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أثبت سبحانه أنه الذي أنزل التوراة والإنجيل تكميلاً لإثبات الرسالة بدليل علم اليهود دون من لا كتاب لهم ، عطف على ذلك قوله تأكيداً لإثباتها وتقريراً : { وهذا } أي القرآن الذي هو حاضر الآن في جميع الأذهان { كتاب } أي جامع لخيري الدارين ، وكان السياق لأن يقال : أنزل الله ، ولكنه أتى بنون العظمة ، لأنها أدل على تعظيمه فقال : { أنزلناه } أي وليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم من نفسه ، وإنما هو بإنزالنا إياه إليه وإرسالنا له به { مبارك } أي كثير الخير ثابت الأمر ، لا يقدر أحد من الخلق على إنكاره لإعجازه ، لتعلم أهل الكتاب خصوصاً حقيقته بتصديقه لكتابهم لأنه { مصدق الذي بين يديه } أي كله من كتبهم وغيرها ، فيكون أجدر لإيمانهم به ، وتعلم جميع أهل الأرض عموماً ذلك بذلك وبإعجازه { ولتنذر } أي به { أم القرى } أي مكة لأنها أعظم المدن بما لها من الفضائل { ومن حولها } ممن لا يؤمن بالآخرة فهو لا يؤمن به من أهل الأرض كلها من جميع البلدان والقرى ، لأنها أم الكل ، وهم في ضلالتهم مفرطون { والذين يؤمنون بالآخرة } أي فيهم قابلية الإيمان بها على ما هي عليه ، من أهل أم القرى ومن حولها بكل خير ينشرون { يؤمنون به } أي بالكتاب بالفعل لأن الإيمان بها داع إلى كل خير بالخوف والرجاء ، والكفر بها حامل على كل بشر . ولما تكرر وصف المنافقين بالتكاسل عن الصلاة جعل المحافظة عليها علماً على الإيمان فقال : { وهم على صلاتهم يحافظون * } أي يحفظونها غاية الحفظ ، فالآية من عجيب فن الاحتباك : ذكر الإندار والأم أولاً دالاً على حذفهما ثانياً ، وإثبات الإيمان والصلاة ثانياً دليل على نفيهما أولاً . ولما كان في قولهم " ما أنزل الله على بشر من شيء " صريح الكذب وتضمن تكذيبه - وحاشاه صلى الله عليه وسلم ! أما من اليهود فبالفعل ، وأما من قريش فبالرضى ، وكان بعض الكفرة قد ادعى الإيحاء إلى نفسه إرادة للطعن في القرآن ؛ قال تعالى مهولاً لأمر الكذب لا سيما عليه لا سيما في أمر الوحي ، عاطفاً على مقول " قل من أنزل " مبطلاً للتنبؤ بعد تصحيح أمر الرسالة وإثباتها إثباتاً لا مرية فيه ، فكانت براهين إثباتها أدلة على إبطال التنبؤ وكذب مدعيه : { ومن أظلم ممن افترى } أي بالفعل كاليهود والرضى كقريش { على الله كذباً } أي أيّ كذب كان ، فضلاً عن إنكار الإنزال على البشر { أو قال أوحي إليّ ولم } أي والحال أنه لم { يوح إليه شيء } فهذا تهديد على سبيل الإجمال كعادة القرآن المجيد ، يدخل فيه كل من اتصف بشيء من ذلك كمسيلمة والأسود العنسي وغيرهما ، ثم رأيت في كتاب غاية المقصود في الرد على النصارى واليهود للسموأل بن يحيى المغربي الذي كان من أجل علمائهم في حدود سنة ستين وخمسمائة ، ثم هداه الله للإسلام ، وكانت له يد طولى في الحساب والهندسة والطب وغير ذلك من العلوم ، فأظهر بعد إسلامه فضائحَهم أن الربانيين منهم زعموا أن الله كان يوحي إلى جميعهم في كل يوم مرات ، ثم قال بعد أن قسمهم إلى قرّائين وربانيين : إن الربانيين أكثرهم عدداً ، وقال : وهم الذين يزعمون أن الله كان يخاطبهم في كل مسالة بالصواب ، قال : وهذه الطائفة أشد اليهود عداوة لغيرهم من الأمم { ومن قال سأنزل } أي بوعد لا خلف فيه { مثل ما أنزل الله } كالنضر بن الحارث ونحوه . ولما كان الجواب قطعاُ في كل منصف : لا أحد أظلم منه ، بل هم أظلم الظالمين ، كان كأنه قيل : فلو رأيتهم وقد حاق بهم جزاء هذا الظلم كرد وجوههم مسودة وهم يسحبون في السلاسل على وجوههم ، وجهنم تكاد تتميز عليهم غيظاً ، وهم قد هدّهم الندم والحسرة ، وقطع بهم الأسف والحيرة لرأيت أمراً يهول منظره ، فكيف يكون مذاقه ومخبره ! فعطف عليه ما هو أقرب منه ، فقال كالمفصل لإجمال ذلك التهديد مبرزاً بدل ضميرهم الوصف الذي أداهم إلى ذلك : { ولو ترى } أي يكون منك رؤية فيما هو دون ذلك { إذ الظالمون } أي لأجل مطلق الظلم فكيف بما ذكر منه ! واللام للجنس الداخل فيه هؤلاء دخولاً أولياً { في غمرات الموت } أي شدائده التي قد غمرتهم كما يغمر البحر الخضم من يغرق فيه ، فهو يرفعه ويخفضه ويبتلعه ويلفظه ، لا بد له منه { والملائكة } أي الذين طلبوا جهلاً منهم إنزال بعضهم على وجه الظهور لهم ، وأخبرناهم أنهم لا ينزلون إلا لفصل الأمور وإنجاز المقدور { باسطوا أيديهم } أي إليهم بالمكروه لنزع أرواحهم وسلّها وافية من أشباحهم كما يسل السفود المشعب من الحديد من الصوف المشتبك المبلول ، لا يعسر عليهم تمييزها من الجسد ، ولا يخفى عليهم شيء منها في شيء منه ، قائلين ترويعاً لهم وتصويراً للعنف والشدة في السياق والإلحاح والتشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال ، وأنهم يفعلون بهم فعل الغريم المسلط الملازم { أخرجوا أنفسكم } فكأنهم قالوا : لماذا يا رسل ربنا ؟ فقالوا : { اليوم } أي هذه الساعة ، وكأنهم عبروا به لتصوير طول العذاب { تجزون عذاب الهون } أي العذاب الجامع بين الإيلام العظيم والهوان الشديد والخزي المديد بالنزع وسكرات الموت وما بعده في البرزخ - إلى ما لا نهاية له { بما كنتم تقولون } أي تجددون القول دائماً { على الله } أي الذي له جميع العظمة { غير الحق } أي غير القول المتمكن غاية التمكن في درجات الثبات ، ولو قال بدله : باطلاً ، لم يؤد هذا المعنى ، ولو قال : الباطل ، لقصر عن المعنى أكثر ، وقد مضى في المائدة ما ينفع هنا ، وإذا نظرت إلى أن السياق لأصول الدين ازداد المراد وضوحاً { وكنتم } أي وبما كنتم { عن آياته تستكبرون * } أي تطلبون الكبر للمجاوزة عنها ، ومن استكبر عن آية واحدة كان مستكبراً عن الكل ، أي لو رأيت ذلك لرأيت أمراً فظيعاً وحالاً هائلاً شنيعاً ، وعبر بالمضارع تصويراً لحالهم .