Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 118-124)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما علم أن ما صنعوه إنما هم خيال ، وما صنعه موسى عليه السلام أثبت من الجبال ، سبب معقباً قوله : { فوقع الحق } أي الذي لا شيء أثبت منه ، فالواقع يطابقه لأن باطن الأمر مطابق لما ظهر منه من ابتلاعها لأمتعتهم فالإخبار عنه صدق ، وفيه تنبيه على أن فعلهم إنما هو خيال بالنسبة إلى ظاهر الأمر ، وأما في الباطن والواقع فلا حقيقة له ، فالإخبار عن تحرك ما ألقوه كذب . ولما أخبر عن ثبات الحق ، أتبعه زوال الباطل فقال : { وبطل } بحيث عدم أصلاً ورأساً { ما كانوا يعملون * } فدل بكان والمضارع على أنهم - مع بطلان ما عملوا - نسوا علمهم بحيث إنه أسند عليهم باب العمل بعد أن كان لهم به ملكة كملكة ما هو كالجبلة - والله أعلم ؛ ثم سبب عن هذا قوله : { فغلبوا هنالك } أي عند هذا الأمر العظيم العالي الرتبه { وانقلبوا } أي جزاء على قلبهم لتلك الحقائق عن وجوهها حال كونهم { صاغرين * } أي بعد أن كانوا - عند أنفسهم ومن يقول بقولهم وهوالأغلب - عالين ، ولا ذل ولا صغار أعظم في حق المبطل من ظهور بطلان قوله على وجه لا يكون فيه حيلة . ولما كان الأدب وذل النفس لا يأتي إلا بخير ، لأنه اللائق بالعبيد ، قاد كثيراً منهم إلى السعادة الأبدية ، فلذلك قال : { وألقي السحرة } أي ألقاهم ملقى الخوف من الله والشوق إلى الخضوع بين يديه والذل لديه حين عرفوا أن ما فعله موسى عليه السلام أمر سماوي ، صدق الله تعالى به موسى عليه السلام في أنه رسوله ، ولم يتأخروا بعد ذلك أصلاً حتى كأنهم خروا من غير اختيار { ساجدين * } شكراً لله تعالى وانسلاخاً عن الكفر ودليلاً على أقصى غايات الخضوع ، فعل الله ذلك بهم حتى تبهر به فرعون وملأه وتحير عقولهم . ولما كانوا بمعرض التشوف العظيم إلى معرفة قولهم بعد فعلهم ، أخبر عن ذلك سبحانه بقوله : { قالوا } أي حال إلقائهم للسجود { آمنّا } أي كلنا { برب العالمين * } أي الذي خلق فرعون ومن قبله وما يعيشون به ؛ ثم خصوا من هداهم الله على أيديهما تصريحاً بالمراد وتشريفاً لهما فقالوا : { رب موسى } ثم أزالوا الشبهة بحذافيرها - لأن فرعون ربما ادعى بتربية موسى عليه السلام أنه المراد - بقولهم : { وهارون * } وفي الآية دليل على أن ظهور الآية موجب للإيمان عند من ظهرت له ، ولو أن الرسول غير مرسل إليه . ولما صرحوا بالذي آمنوا به تصريحاً منع فرعون أن يدلس معه بما يخيل به على قومه ، شرع في تهديدهم على وجه يمكر فيه بقومه ويلبس عليهم إيقافاً لهم عن المبادرة إلى الإيمان - كما بادر السحرة - إلى وقت ما ، فاستأنف الخبر عنه سبحانه بقوله مصرحاً باسمه غير مضمر له كما في في غير هذه السورة لأن مقصود السورة الإنذار ، وهو أحسن الناس بالمناداة عليه في ذلك المقام ، وقصته مسوفة لبيان فسق الأكثر ، وهو أفسق أهل ذلك العصر : { قال فرعون } منكراً عليهم موبخاً لهم بقوله : { آمنتم } أي صدقتم { به } أي بموسى تصديقاً آمنه من رجوعكم عنه ، ومن أخبر أراد الاستفهام ، وأوهم فرعون من فهم عنهم من القبط إرادة الإيمان لأجل ما رأوا من دلائل صدق موسى عليه السلام واقتداء بالسحرة بقوله : { قبل أن آذن لكم } ليوقفهم من خطر المخالفة له بما رجاهم فيه من إذنه ، فلما ظن أنهم وقفوا خيلهم بما يذهب عنهم ذلك الخاطر أصلاً ورأساً بقوله مؤكداً نفياً لما على قوله من لواتح الكذب : { إن هذا لمكر } أي عظيم جداً ، وطول الكلام تبييناً لما أرادوا وتنسية لخاطر الإيمان فقال : { مكرتموه في المدينة } أي على ميعاد بينكم وبين موسى ، وحيلة احتلتموها قبل اجتماعكم ، وليس إيمانكم لأن صدقه ظهر لكم ؛ ثم علل بما يتعلق به فكرهم وتشوش قلوبهم فقال : { لتخرجوا } أي أنتم وموسى عليه السلام { منها أهلها } وتسكنوها أنتم وبنو إسرائيل . ولما استتب له ما أراد من دقيق المكر ، شرع في تهديدهم بما يمنع غيرهم وربما ردهم ، فقال مسبباً عن ذلك : { فسوف تعلمون * } أي بوعد لا خلف فيه ما أفعل بكم من عذاب لا يحتمل ، ثم فسر ما أجمل من هذا الوعيد بقوله : { لأقطعن أيديكم } أي اليمنى مثلاً { وأرجلكم } أي اليسرى ، ولذلك فسره بقوله : { من خلاف } أي يخالف الطرف - الذي تقطع منه اليد - الطرف الذي تقطع منه الرجل . ولما كان مقصود هذه السورة الإنذار ، فذكر فيها ما وقع لموسى عليه السلام والسحرة على وجه يهول ذكر ما كان من أمر فرعون على وجه يقرب من ذلك ، فعبر بحرف التراخي لأن فيه - مع الإطناب الذييكون شاغلاً لأصحابه عما أدهشهم مما رأوه - تعظيماً لأمر الصلب . فيكون أرهب للسحرة ولمن تزلزل بهم من قومه فقال : { ثم لأصلبنكم } أي أعلقنكم ممدودة أيديكم لتصيروا على هيئة الصليب ، أو حتى يتقاطر صليبكم وهو الدهن الذي فيكم { أجمعين * } أي لا أترك منكم أحداً لأجعلكم نكالاً لغيركم .