Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 125-128)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان حالاً يشوق النفوس إلى جوابهم ، استأنفه بقوله : { قالوا } أي أجمعون ، لم يرتع منهم إنسان ولا تزلزل عما منحه الله به من رتبة الإيمان { إنا إلى ربنا } أي الذي ما زال يحسن إلينا بنعمه الظاهرة والباطنة حتى جعل آخر ذلك أعظم النعم ، لا إلى غيره { منقلبون * } أي بالموت انقلاباً ثابتاً لا انفكاك لنا عنه إن صلبتنا أو تركتنا ، لا طمع لنا في البقاء في الدنيا ، فنحن لا نبالي - بعد علمنا بأنا على حالة السعداء - بالموت على أيّ حالة كان ، أو المراد أنا ننقلب إذا قتلتنا إلى من يحسن إلينا بما منه الانتقام منك ، ولذلك اتبعوه بقولهم : { وما تنقم } أي تنكر { منا } أي فعلك ذلك بنا وتعيب علينا { إلا أن آمنا } أي إلا ما هو أصل المفاخر كلها وهو الإيمان { بآيات ربنا } أي التي عظمت بكونها صادرة عنه ولم يزل محسناً إلينا فوجب علينا شكره { لما } أي حين { جاءتنا } لم نتأخر عن معرفة الصدق المصدَّق ، وهذا يوجب الإكرام لا الانتقام ؛ ثم آذنوه بأنهم مقدمون على كل ما عساه أن يفعل به فقالوا : { ربنا } أي أيها المحسن إلينا القادر على خلاصنا { أفرغ } أي صب صباً غامراً { علينا } أي فيما تهددنا به هذا الذي قويته علينا { صبراً } أي كثيراً تغمرنا به كما يغمر الماء من يفرغ عليه حتى لا يروعنا ما يخوفنا به { وتوفنا } أي اقبض أرواحنا وافية حال كوننا { مسلمين * } أي عريقين في الانقياد بالظاهر والباطن بدلائل الحق ، والظاهر أن الله تعالى أجابهم فيما سألوه تلويحاً بذكر الرب فلم يقدره عليهم لقوله تعالى { أنتما ومن اتبعكما الغالبون } [ القصص : 35 ] ولم يات في خبر يعتمد أنه قتلهم ، وسيأتي في آخر الحديد ، عن تاريخ ابن عبد الحكم ما هو صريح في خلاصهم . ولما قنع فرعون في ذلك الوقت الذي بهرت قومه تلك المعجزة الظاهرة بالانفصال على هذا الوجه الذي لم يدع فيه حيلة إلا خيل بها ، وخلص موسى عليه السلام بقومه متمكناً منهم بعض التمكن ، وكان السياق لبيان أن أكثر الخلق فاسق ، أخبر تعالى بما قال قوم فرعون بعدما رأوا من المعجز القاهر دليلاً على ذلك ، فقال عاطفاً على { وألقي السحرة ساجدين } وما بعده ، أو على قول فرعون : { وقال الملأ } أي الأشراف { من قوم فرعون } أي ظانين أن فرعون متمكن مما يريد بموسى عليه السلام من الأذى منكرين لما وصل إليه الحال من أمر موسى عليه السلام حين فعل ما فعل وآمن به السحرة ، وما عمل فرعون شيئاً ، لا قتله ولا حبسه ، لأنه كان لا يقدرعلى ذلك ولا يعترف به لقومه { أتذر موسى وقومه } . ولما كان ما كان في أول مجلس من إيمان السحرة جديراً بأن يجر إليه أمثاله ، سموه فساداً وجعلوه مقصوداً لفرعون إحماء له واستغضاباً فقالوا : { ليفسدوا } أي يوقعوا الفساد وهو تغيير الدين { في الأرض } أي التي هي الأرض كلها ، وهي أرضنا هذه ، أو الأرض كلها ، لكون مثل هذا الفعل جديراً برد أهل الأرض كلهم عن عقائدهم { ويذرك وآلهتك } قيل : كان أمر قومه أن يعبدوا الأصنام تقرباً إليه ، وقال الإمام : الأقرب أنه كان دهرياً منكراً لوجود الصانع ، وكان يقول : مدبر هذا العالم السفلي هو الكواكب ، وأنه المخدوم في العالم للخلق أو لتلك الطائفة والمربي لهم ؛ ثم قال : وإذا كان مذهبه ذلك لم يبعد أن يقال : إنه كان قد اتخذ أصناماً على صور الكواكب ويعبدها على ما هو دين عبدة الكواكب انتهى . ولذلك قال : { أنا ربكم الأعلى } [ النازعات : 24 ] ، - هكذا قيل ، وهو ظاهر عبارة التوارة الآتية في آية القمل ، ولكن إرادته غير ملائمة لهذه المعادلة ، بل الظاهر أنه كان سمى أمراءة آلهة ، وسمى لكل أمير قوماً يتألهونه أي يطيعونه ، فإنه نقل عنهم أنهم كانوا يسمون الحاكم بل والكبير إلهاً كما سيأتي عن عبارة التوارة ، فحيث وقعت الموازنة بين موسى عليه السلام وقومه وبين فرعون وقومه ، عبر بالآلهة تعظيماً لجانبه بالإشارة إلى أنه إله أي حاكم معبود ، ليس وراءه منتهى وملؤه كلهم آلهة أي حكام دونه ، وموسى عليه السلام ليس بإله ولا في قومه إله بل هم محكوم عليهم فهم ضعفاء فكيف يتركون ! وحيث نفي الإلهية عن غيره فبالنظر إلى خطابه للملأ { ما علمت لكم من إله غيري } [ القصص : 38 ] وحيث حشر الرعية ناداهم بقوله { أنا ربكم الأعلى } [ النازعات : 24 ] وكأن ذلك كان يطلق على الحاكم مجازاً ، فجعلوه حقيقة وصاروا يفعلون ما يختص به الآلهة من التحليل والتحريم كما قال تعالى { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } [ التوبة : 31 ] فكفروا بادعاء الربوبية بمعنى العبودية ، ونفي المعبود الحق بدليل آية { ما عملت } ، والحاصل أنهم عيروه بالرضى بأن يكون رئيساً على القبط وموسى عليه السلام رئيساً على بني إسرائيل فيكونوا بهذه المتاركة أكفاء للقبط . ولما أعجزه الله سبحانه أن يفعل أكثر مما كان يعمل قبل مجيء موسى عليه السلام لما يراد به من الاستدراج إلى الهلاك ، أخبر عنه سبحانه بما يفهم ذلك فقال مستأنفاً : { قال } أي فرعون { سنقتل } أي تقتيلاً كثيراً { أبناءهم } أي كما كنا نفعل { ونستحيي نساءهم } أي نبقيهم أحياء إذلالاً لهم وأمناً من غائلتهم في المستقبل { وإنا فوقهم } أي الآن { قاهرون * } ولا أثر لغلبة موسى لنا في هذه المناظر لئلا تتوهم العامة أنه المولود الذي تحدث المنجمون والكهنة بذهاب ملكهم على يده فيثبطهم ذلك عن الطاعة ، موهماً بهذا أن تركه لأذى موسى عليه السلام لعدم التفاته ؟ إليه ، لايعجزه شيء عنه . ولما كان هذا أمراً يزيد من قلق بني إسرائيل لما شموا من رائحة الفرج ، استأنف سبحانه الخبر عما ثبتهم به موسى عليه السلام قائلاً : { قال موسى لقومه } أي بني إسرائيل الذين فيهم قوة وقيام فيما يريدون من الأمور لو اجتمعت قلوبهم { استعينوا } أي ألصقوا طلب العون { بالله } الذي لا أعظم منه بما يرضيه من العبادة { واصبروا } ثم علل ذلك بأنه فعال لما يريد ، ولا اعتراض عليه ولا مفر من حكمه فقال : { إن الأرض } أي كلها مصر وغيرها { لله } أي الذي لا أمر لأحد معه ، كرره تذكيراً بالعظمة وتصريحاً وتبركاً ؛ ثم استأنف قوله : { يورثها من يشاء من عباده } . ولما أخبر أن نسبة الكل إليه واحدة ، أخبر بما يرفع بعضهم على بعض فقال : { والعاقبة } أي والحال أن آخر الأمر وإن حصل بلاء { للمتقين * } أي الذين يقون أنفسهم سخط الله بعمل ما يرضيه فلا عبرة بما ترون في العاجل فإنه قد يكون استدراجاً .