Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 160-163)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما مدحهم ، شرع يذكرهم شيئاً مما أسبغ عليهم من النعم لأجل هؤلاء المهتدين من التكثير بعد القلة والإعزاز بعد الذلة بجعلهم ممن يؤم استعطافاً لغيرهم ، ويذكر بعض عقوباتهم ترهيباً فقال : { وقطعناهم } أي فرقنا بينهم بالأشخاص بعد أن كانوا ماء واحداً من شخص واحد ، وهو إسرائيل عليه السلام ؛ وصرح بالكثرة بعد أن لوح بها بالتقطيع بقوله : { اثنتي عشرة } وميزه - موضع المفرد الذي هو مميز العشرة - بالجمع للإشارة إلى أن كل سبط يشتمل لكثرته على عدة قبائل بقوله : { أسباطاً } والسبط - بالكسر : ولد الولد ، والقبيلة من اليهود ، وهذه المادة تدور على الكثرة والبسط ؛ وبين عظمتهم وكثرة انتشارهم وتشعبهم بقوله : { أمماً } أي هم أهل لأن يقصدهم الناس لما لهم من الكثرة والقوة والدين ، أو أن كل أمة منهم تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى من غيرهم ديناً . ولما وصفهم بهذه الكثرة ، وكان ذلك مجرى لذكر الإنعام عليهم بالكفاية في الأكل والشرب ، ذكر نعمة خارقة للعادة في الماء ، وبدأ به لأنه الأصل في الحياة ، وهي من نوع تقسيمهم من نفس واحدة مشيرة إلى ظلمهم وإسراعهم في المروق فقال : { وأوحينا إلى موسى إذ } أي حين { استسقاه قومه } أي طلبوا منه برية لا ماء بها أن يسقيهم ، وذلك في التيه ، والتعبير بالقوم إشارة إلى تبكيتهم بكونهم أهل قوة ولم يتأسوا بموسى عليه السلام في الصبر إلى أن يأتي الله الذي أمرهم بهذا المسير بالفرج ، بل طلبوا منه ذلك على الوجه المذكور في البقرة من إظهار القلق والدمدمة { أن اضرب بعصاك } أي التي جعلناها لك آية وضربت بها البحر فانفلق { الحجر } أي أيّ حجر أردته من هذا الجنس ؛ وبين سبحانه سرعة امتثال موسى عليه السلام وسرعة التأثير عن ضربه بحذف : فضربه ، وقوله مشيراً إليه : { فانبجست } أي فانشقت وظهرت ونبعت ، وذلك كاف في تعنيفهم وذمهم على كفرهم بعد المن به ، وهذا السياق الذي هو لبيان إسراعهم في المروق هو لا ينافي أن يكون على وجه الانفجار ، ويكون التعنيف حينئذ أشد { منه اثنتا عشرة عيناً } على عدد الأسباط ، وأشار إلى شدة تمايزها بقوله ؛ { قد علم كل أناس } أي من الأسباط { مشربهم } ولما لم يتقدم للأكل ذكر ولا كان هذا سياق الامتنان ، لم يذكر ما أتم هذه الاية به في البقرة . ولما ذكر تبريد الأكباد بالماء ، أتبعه تبريدها بالظل فقال : { وظللنا } أي في التيه { عليهم الغمام } أي لئلا يتأذوا بالشمس ؛ ولما أتم تبريد الأكباد ، أتبعه غذاء الأجساد فقال : { وأنزلنا عليهم المن } أي خبراً { والسلوى } أي إداماً ؛ وقال السمؤال بن يحيى : وهو طائر صغير يشبه السماني ، وخاصيته أن أكل لحمه يلين القلوب القاسية ، يموت إذا سمع صوت الرعد كما أن الخطاف يقتله البرد ، فيلهمه الله عز وجل أن يسكن جزائر البحر التي لا يكون بها مطر ولا رعد إلى انفصال أوان المطر والرعد ، فيخرج من الجزائر وينتشر في الأرض . ولما ذكر عظمته في ذلك ، ذكر نتيجته فقال : { كلوا من طيبات ما رزقناكم } أي بصفة العظمة القاهرة لما نريد مما لم تعالجوه نوع معالجة ، ودل على أنهم قابلوا هذا الإحسان بالطغيان والظلم والعدوان بقوله عطفاً على ما تقديره : فعدلوا عن الطبيات المأذون فيها ، وأكلوا الخبائث التي حرمناها عليهم بالاصطياد يوم السبت - كما يأتي - وفعلوا غير ذلك من المحرمات ، فظلملوا أنفسهم بذلك : { وما ظلمونا } أي بشيء مما قابلوا فيه الإحسان بالكفران { ولكن كانوا } أي دائماً جبلة وطبعاً { أنفسهم } أي خاصة { يظلمون * } وهو - مع كونه من أدلة { سأصرف عن آياتي } الآية - دليل على صحة وصف هذا الرسول بالنبي ، فإن من علم هذه الدقائق من أخبارهم مع كونه أمياً ولم يخالط أحداً من أحبارهم ، كان صادقاً عن علام الغيوب من غير مؤيد وكذا ما بعده . ولما ذكر ما حباهم في القفار ، أتبعه إنعامه عليهم عند الوصول إلى الدار فقال : { وإذ } أي اذكر لهم هذا ليصدقوك أو يصيروا في غاية الظلم كأصحاب السبت فيتوقعوا مثل عذابهم ، واذكر لهم ما لم تكن حاضره ولا أخذته عنهم ، وهو وقت إذ ، وعدل عن الإكرام بالخطاب ونو العظمة ، لأن السياق للأسراع في الكفر فقال : { قيل لهم اسكنوا } أي ادخلوا مطمئنين على وجه الإقامة ، ولا يسمى ساكناً إلا بعد التوطن بخلاف الدخول ، فإنه يكون بمجرد الولوج في الشيء على أيّ وجه كان { هذه القرية } . فهو دليل آخر على الأمرين : الصرف والصدق ؛ وعبر هنا بالمجهول في { قيل } إعراضاً عن تلذيذهم بالخطاب إيذاناً بأن هذا السياق للغضب عليهم بتساقطهم في الكفر وإعراضهم عن الشكر ، من أيّ قائل كان وبأيّ صيغة ورد القول وعلى أيّ حالة كان ، وإظهاراً للعظمة حيث كانت ، أدنى إشارة منه كافية في سكناهم في البلاد واستقرارهم فيها قاهرين لأهلها الذين ملؤوا قلوبهم هيبة حتى قالوا { إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها } [ المائدة : 24 ] . ولما خلت نعمة الأكل في هذا السياق عما دعا إليه سياق البقرة من التعقيب وهو الاستعطاف ، ذكرت بالواو الدالة على مطلق الجمع ، وهي لا تنافي تلك ، فقال : { وكلوا منها } أي القرية { حيث شئتم } وأسقط الرغد لذلك ، وقدم { وقولوا حطة } ليكون أول قارع للسمع مما أمروا به من العبادة مشعراً بعظيم ما تحملوه من الآثام ، إيذاناً بما سيقت له هذه القصص في هذه السورة المقام . ولما أمروا بالحطة قولاً ، أمروا أن يشفعوها بفعل ، لتحط عنهم ذنوبهم ، ولا ينافي التقديم هنا التأخير في البقرة ، لأن الواو لا ترتب ، فقال : { وادخلوا الباب } أي باب بيت المقدس حال كونكم { سجداً نغفر لكم } ولما كان السياق هنا لبيان إسراعهم في الكفر ، ناسب ذلك جمع الكثرة في قوله : { خطاياكم } في قراءة أبي عمرو ، وأما قراءة ابن عامر { خطيتكم } بالإفراد وقراءة غيرهما { خطياتكم } جمع قلة فللإشارة إلى أنها قليل في جنب عفوة تعالى ، وكذا بناء { نغفر } للمجهول تأنيثاً وتذكيراً ، كل ذلك ترجيه لهم واستعطافاً إلى التوبة ، ولذلك ساق سبحانه ما بعده مساق السؤال لمن كأنه قال : هذا الرجاء قد حصل ، فهل مع مع المغفرة من كرامة ؟ فقال : { سنزيد } أي بوعد لا خلف فيه عن قريب ، وهو لا ينافي إثبات الواو في البقرة { المحسنين * } أي العريقين في هذا الوصف ، وللسياق الذي وصفت قيد قوله : { فبدل الذين ظلموا } بقوله : { منهم } لئلا يتوهم أنهم من الدخلاء فيهم { قولاً غير الذي } . ولما كان من المعلوم أن القائل من له إلزامهم ، بناه للمجهول فقال : { قيل لهم } وقال : { فأرسلنا } أي بما لنا من العظمة { عليهم } بالإضمار تهويلاً لاحتمال العموم بالعذاب { رجزاً من السماء } ولفظُ الظلم - في قوله : { بما كانوا يظلمون * } بما يقتضيه من أنهم لا ينفكون عن الكون في الظلام إما مطلقاً وإما مع تجديد فعل فعل من هو فيه - أهول من لفظ الفسق المقتضي لتجديد الخروج مما ينبغي الاستقرار فيه ، كما أن لفظ الإرسال المعدي بـ { على } كذلك بالنسبة إلى لفظ الإنزال . ولما فرغ من هتك أستارهم فيما عملوه أيام موسى عليه السلام وما يليها ، أتبعه خزياً آخر أشد مما قبله ، كان بعد ذلك بمدة لا يعلمه أحد إلا من جهتهم أو من الله ، وإذا انتفى الأول ثبت الثاني ، فقال : { وسئلهم } أي بني إسرائيل مبكتاً لهم ومقرراً { عن القرية } أي البلد الجامع { التي كانت حاضرة البحر } أي على شاطئه وهي أيلة ، ولعله عبر بالسؤال ، ولم يقل : وإذ تعدو القرية التي - إلى آخره ، ونحو ذلك ، لأن كراهتهم للإطلاع على هذه الفضيحة أشد مما مضى ، وهي دليل على الصرف والصدق . ولما كان السؤال عن خبر أهل القرية قال مبدلاً بدل اشتمال من القرية { إذ } أي حين { يعدون } أي يجوزون الحد الذي أمرهم الله به { في السبت إذ } أي العدو حين { تأتيهم } وزاد في التبكيت بالإشارة إلى المسارعة في الكفر بالإضافة في قوله : { حيتانهم } إيماء إلى أنها مخلوقة لهم ، فلو صبروا نالوها وهم مطيعون ، كما في حديث جابر رضي الله عنه رفعه " بين العبد وبين رزقه حجاب ، فإن صبر خرج إليه ، وإلا هتك الحجاب ولم ينل إلا ما قدر له " { يوم سبتهم } أي الذي يعظمونه بترك الاشتغال فيه بشيء غير العبادة { شرعاً } أي قريبة مشرفة لهم ظاهرة على وجه الماء بكثرة ، جمع شارعة وشارع أي دان { ويوم لا يسبتون } أي لا يكون سبت ، ولعله عبربهذا إشارة إلى أنهم لو عظموا الأحد على أنه سبت جاءتهم فيه ، وهو من : سبتت اليهود - إذا عظمت سبتها { لا تأتيهم } أي ابتلاء من الله لهم ، ولو أنهم صبروا أزال الله هذه العادة فأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم . ولما كان هذا بلاء عظيماً ، قال مجيباً لسؤال من كأنه قال لشدة ما بهره من هذا الأمر : هل وقع مثل هذا ؟ مشيراً إلى أنه وقع ، ولم يكتف به ، بل وقع لهم أمثاله لإظهار ما في عالم الغيب منهم إلى عالم الشهادة : { كذلك } أي مثل هذا البلاء العظيم { نبلوهم } أي نجدد اختبارهم كل قليل { بما } أي سبب ما { كانوا } أي جبلة وطبعاً { يفسقون * } أي يجددون في علمنا من الفسق ، وهو الخروج مما هو أهل للتوطن من الطاعات .