Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 168-169)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر شيء مما هددوا به التوارة على العصيان والبغي والعدوان غير ما تقدم في المائدة عند { من لعنه الله وغضب عليه } [ المائدة : 60 ] وغيرها من الايات - قال في السفر الخامس : وإن لم تحفظ وتعمل بجميع الوصايا والسنن التي كتبت في هذا الكتاب وتتق الله ربك وتهب اسمه المحمود المرهوب ، يخصك الرب بضربات موجعة ويبتليك بها ، ويبتلي نسلك من بعدك وتدوم عليك ، ويبقى من نسلك عدد قليل من بعد كثرتهم التي كانت قد صارت مثل نجوم السماء ، وتجلون عن الأرض التي تدخلونها لترثوها ، ويفرقكم الرب بين الشعوب ، وتعبدون هنالك الآلهة الأخرى التي عملت من الحجارة والخشب ، ولا تسكنون أيضاً بين تلك الشعوب ، ولكن يصير الله قلوبكم هناك فزعة مرتجفة بالغداة تقولون : متى نمسي ؟ وبالعشيّ تقولون : متى نصبح ؟ وذلك من فزع قلوبكم وخوفكم وقلة حيلتكم ، ويردكم الله إلى ارض مصر في الوف في الطريق الذي قال الرب : لا تعودوا أن تروه ، وتباعون هناك عبيداً وإماء ، ولا يكون من يشتريكم - هذه أقوال العهد التي أمر الله بها موسى أن يعاهد بني إسرائيل في أرض مؤاب سوى العهد الذي عاهدهم بحوريب ؛ ثم دعا موسى جميع بني إسرائيل وقال لهم : قد رأيتم ما صنع الله بأرض مصر بفرعون وجميع عبيده وكل شعبه والبلايا العظيمه التي رأت أعينكم والآيات والأعاجيب التي شهدتموها ، ولم يعطكم الرب قلوباً تفهم وتعلم ، ولا أعيناً تبصر ولا آذاناً تسمع إلى يومنا هذا ، ودبركم في البرية أربعين سنة ، لم تبل ثيابكم عليكم ولم تخلق خفافكم أيضاً ولم تأكلوا خبزاً ، لتعلموا أني أنا الله ربكم ، وأنا الذي أتيت بكم إلى هذه البلاد ، فاحفظوا وصايا هذه التوارة واعملوا بها وأتموا جميع الأعمال في طاعة الله وأكملوها ، لأنكم قد عرفتم جميعاً أن كنا سكاناً بأرض مصر وجزنا بين الشعوب ، ورأيتم نجاستهم وأصنامهم ، لعل فيكم اليوم رجلاً أو امرأة أو قبيلة أو سبطاً يميل قلبه عن عبادة الله ربنا ويطلب عبادة آلهة تلك الشعوب ، فيسمع هذا العهد فيقول : يكون لي السلام فاتبع مسرة قلبي ، هذا لا يريد الرب أن يغفر له ، ولكن هناك يشتد غضب الرب وزجره عليه وينزل به كل اللعن الذي في هذا الكتاب ، ويستأصل الرب اسمه من تحت السماء ويفرزه الرب من جميع أسباط بني إسرائيل للشر والبلايا ويقول الحقب الآخر بنوكم الذين يقومون من بعدكم والغرباء ، وينظرون إلى ضربات تلك الأرض والأوجاع أنزل الله بها ويقول الشعب : لماذا صنع الرب هكذا ؟ ولماذا اشتد غصبة على هذا الشعب العظيم ؟ ويقولون : لأنهم تركوا عهد الله إله آبائهم ، فاشتد غضب الرب على هذه الأمة وأمر أن ينزل بها كل اللعن الذي كتب في هذا الكتاب ، ويجليهم الرب عن بلادهم بغضب وزجر شديد ويبعدهم إلى أرض غريبة كما ترى اليوم ، فأما الخفايا والسرائر فهي لله ربنا ، والأمور الظاهرة المكشوفة هي لنا . ولما أخبر سبحانه بالتأذن ، كان كأنه قيل : فأسرعنا في عقابهم بذنوبهم وبعثنا عليهم من سامهم سوء العذاب بالقتل والسبي ، فعطف عليه قوله : { وقطعناهم } أي بسبب ما حصل لهم من السبي المترتب على العذاب بما لنا من العظمة تقطيعاً كثيراً بأن أكثرناًُ تفريقهم { في الأرض } حال كونهم { أمماً } يتبع بعضهم بعضاً ، فصار في كل بلدة قليل منهم ليست لهم شوكة ولا يدفعون عن أنفسهم ظلماً . ولما كان كأنه قيل : فهل أطبقوا بعد هذا العذاب على الخير ؟ قيل : لا ، بل فرقتهم الأديان نحو فرقة الأبدان { منهم الصالحون } أي الذين ثبتوا على دينهم إلى أن جاء الناسخ له فتبعوه امتثالاً لدعوة كتابهم { ومنهم دون ذلك } أي بالفسق تارة وبالكفر أخرى { وبلوناهم } أي عاملناهم معاملة المبتلى ليظهر للناس ما نحن به منهم عالمون { بالحسنات } أي النعم { والسيئات } أي النقم { لعلهم يرجعون * } أي ليكون حالهم حال من يرجى رجوعه عن غيه رغبة أو رهبة . ولما كان العذاب الذي وقع التأذن بسببه ممتداً إلى يوم القيامه ، تسبب عنه قوله : { فخلف } أي نشأ ، ولما كانوا غير مستغرقين لزمان البعد ، أتى بالجار فقال : { من بعدهم خلف } أي قوم هم أسوأ حالاً منهم { ورثوا الكتاب } أي الذي هو نعمة ، وهو التوراة ، فكان لهم نقمة لشهادته عليهم بقبح أفعالهم ، لأنه بقي في أيديهم بعد أسلافهم يقرؤونه ولا يعملون بما فيه ؛ قال ابن فارس : والخلف ما جاء من بعد ، أي سواء كان محركاً أو ساكناً ، وقال أبو عبيد الهروي في الغريبين : ويقال : ؛ خلف سوء - أي بالسكون - وخلَف صدق ، وقال الزبيدي في مختصر العين : والخلف : خلف السوء بعد أبيه ، والخلَف : الصالح ، وقال ابن القطاع في الأفعال : وخَلَفَ خَلَفُ سوء : صاروا بعد قوم صالحين ، وخَلَف سوء ، قال الأخفش : هما سواء ، أي بالسكون ، منهم من يسكن ومنهم من يحرك فيهما جميعاً ، ومنهم من يقول : خلف صدق - أي بالتحريك - وخلف سوء - أي بالسكون - يريد بذلك الفرق بينهما ، وكل إذا أضاف ، يعني فإذا لم يضف كان السكون - للفساد ، والتحريك للصلاح ؛ وقال في القاموس : خلف نقيض قدام ، والقرن بعد القرن ، ومنه : هؤلاء خلف سوء ، والرديء من القول ، وبالتحريك الولد الصالح ، فإذا كان فاسداً أسكنت اللام ، وربما استعمل كل منهما مكان الآخر ، يقال : هو خلف صدق من أبيه - إذا قام مقامه ، أو الخلف بالسكون وبالتحريك سواء ، الليث : خلف للاشرار خاصة ، وبالتحريك ضده . والمادة ترجع إلى الخلف الذي هو نقيض قدام ، كما بنيت ذلك في فن المضطرب من حاشيتي على شرح ألفية العراقي . ولما كان المظنون بمن يرث الكتاب الخير ، فكان كأنه قيل : ما فعلوه من الخير فيما ورثوه ؟ قال مستأنفاً : { يأخذون } أو يجددون الأخذ دائماً ، وحقر ما أخذوه بالإعلام بأنه مما يعرض ولا يثبت بل هو زائل فقال : { عرض } وزاده حقارة بإشارة الحاضر فقال { هذا } وصرح بالمراد بقوله : { الأدنى } أي من الوجودين ، وهو الدنيا { ويقولون } أي دائماً من غير توبة . ولما كان النافع الغفران من غير نظر إلى معين ، بنوا للمفعول قولهم : { سيغفر لنا } أي من غير شك ، فأقدموا على السوء وقطعوا بوقوع ما يبعد وقوعه في المستقبل حكماً على من يحكم ولا يحكم عليه ، وصرح بما افهمه ذلك من إصرارهم معجباً منهم في جزمهم بالمغفرة مع ذلك بقوله : { وإن } أي والحال أنه إن { يأتهم عرض مثله } أي في الدناءة والخسة - والحرمة كالرشى { يأخذوه } . ولما كان هذا عظيماً ، أنكر عليهم مشدداً - للنكير بقوله مستأنفاً : { ألم يؤخذ عليهم } بناه للمفعول إشارة إلى أن العهد يجب الوفاء به على كل حال ، ثم عظمه بقوله : { ميثاق الكتاب } أي الميثاق المؤكد في التوارة { أن لا يقولوا } أي قولاً من الأقوال وإن قل { على الله } أي الذي له الكمال العظمة { إلا الحق } أي المعلوم ثباته ، وليس من المعلوم ثباته إثبات المغفرة على القطع بغير توبة ، بل ذلك خروج عن ميثاق الكتاب . ولما كان ربما وقع في الوهم أنه أخذ على أسلافهم ولم يعلم هؤلاء به ، نفى ذلك بقوله : { ودرسوا ما فيه } أي ما في ذلك الميثاق بتكرير القراءة للحفظ { والدار الأخرة } أي فعلوا ما تقدم من مجانبة التقوى والحال أن الآخرة { خير } أي مما يأخذون { للذين يتقون } أي وهم يعلمون ذلك بإخبار كتابهم ، ولذلك أنكر عليهم بقولة : { أفلا تعقلون * } أي حين أخذوا ما يشقيهم ويفنى بدلاً مما يسعدهم ويبقى ، وعلى قراءة نافع وابن عامر وحفص بالخطاب يكون المراد الإعلام بتناهي الغضب .