Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 69-71)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان يعرف ما يعتقدونه من أمانته وعقله ، وظن أنه ما حملهم على هذا إلا العجب من أن يطلع على ما لم يطلعوا عليه ، أنكر عليهم ذلك ذاكراً لما ظنه حاملاً لهم ملوحاً بالعطف إلى التكذيب فقال : { أو عجبتم } أي أكذبتم وعجبتم { أن جاءكم ذكر } أي شرف وتذكير { من ربكم } أي الذي لم يقطع إحسانه عنكم قط ، منزلاً { على رجل منكم } أي عزه عزكم وشرفه شرفكم فما فاتكم شيء { لينذركم } أي يحذركم ما لمن كان على ما أنتم عليه من وخامة العاقبة . ولما كان التقدير : فاحذروا ، عطف عليه تذكيرهم بالنعمة مشيراً به إلى التحذير من عظيم النقمة في قوله : { واذكروا إذ } أي حين { جعلكم خلفاء } أي فيما أنتم فيه من الأرض ، ولما كان زمنهم متراخياً بعدهم ، أتى بالجار فقال : { من بعد قوم نوح } أو يكون المحذوف ما اقتضاه الاستفهام في قوله { أو عجبتم } من طلب الجواب ، أي أجيبوا واذكروا ، أي ولا تبادروا بالجواب حتى تذكروا ما أنعم به عليكم ، وفيه الإشارة إلى التحذير مما وقع لقوم نوح ، أو يكون العطف على معنى الاستفهام الإنكاري في { أفلا تتقون } ، { أو عجبتم } أي اتقوا ولا تعجبوا واذكروا ، أو يكون العطف - وهو أحسن على { اعبدوا الله } وقوله { خلفاء } قيل : إنه يقتضي أن يكونوا قاموا مقامهم ، ومن المعلوم أن قوم نوح كانوا ملء الأرض ، وأن عاداً إنما كانوا في قطعة منها يسيرة وهي الشجرة من ناحية اليمن ، فقيل : إن ذلك لكون شداد بن عاد ملك جميع الأرض ، فكأنه قيل : جعل جدكم خليفة في جميع الأرض ، فلو حصل الشكر لتمت النعمة ، فأطيعوا يزدكم من فضله ، وقيل : إن قصة ثمود مثل ذلك ، ولم يكن فيهم من ملك الأرض ولا أرض عاد ، فأجيب بما طرد ، وهو أن عاداً لما كانوا أقوى أهل الأرض أبداناً وأعظمهم أجساداً وأشدهم خلقاً أشهرهم قبيلة وذكراً ، كان سائر الناس لهم تبعاً ، وكذا ثمود فيما فيما أعطوه من القدرة على نحت الجبال ونحوها بيوتاً ، وعندي أن السؤال من أصله لا يريد فإن بين قولنا : فلان خليفة فلان ، وفلان خليفة من بعد فلان - من الفرق ما لا يخفي ، فالمخلوف في الثاني لم يذكر ، فكأنه قيل : جعلكم خلفاء لمن كان قبلكم في هذه الأرض التي أنتم بها ، وخص قوم نوح وعاد بالذكر تذكيراً بما حل بهم من العذاب ، ولهذا بعينه خص الله هذه الأمم التي وردت في القرآن بالذكر ، وإلا فقد كانت الأمم كثيرة العد زائدة على الحد عظيمة الانتشار في جميع الأقطار ، ومعلوم أن الله تعالى لم يترك واحدة منها بغير رسول { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } [ الإسراء : 15 ] وفي قصة هود في سورة الأحقاف { وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه } [ الأحقاف : 21 ] ؛ وله سر آخر وهو أن هذه الأمم كان عند العرب كثير من أخبارهم ففصلت لهم أحوالهم ، وطوي عنهم من لم يكن عندهم شعور بهم فلم يذكروا إلا إجمالاً لئلا يسارعوا إلى التكذيب بما ينزل فيهم من غير دليل شهودي يقام عليهم . ولما ذكرهم بمطلق الإبقاء بعد ذلك الإغراق العام ، أتبعه التذكير بالزيادة فقال : { وزادكم } أي على من قبلكم أو على من هو موجود في الأرض في زمانكم { في الخلق } أي الخاص بكم { بسطة } أي في الحس بطول الأبدان والمعنى بقوة الأركان ، قيل : كان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعاً ، وقيل : أكثر . ولما عظمت النعمة ، كرر عليهم التذكير فقال مسبباً عن ذلك { فاذكروا آلاء الله } أي نعم الذي استجمع صفات العظمة التي أنعم عليكم بها من الاستخلاف والقوة وغيرهما ، واذكروا أنه لا نعمة عندكم لغيره أصلاً ، فصار مستحقاً لأن تخصوه بالعبادة { لعلكم تفلحون * } أي ليكون حالكم حال من يرجي فلاحه وهو ظفره بجميع مراده ، لأن الذكر موجب للشكر الموجب للزيادة . ولما كان هذا منه موجباً ولا بد لكل سامع منصف من المبادرة إلى الإذعان لهذه الحجة القطعية ، وهي استحقاقه للافراد بالعبادة للتفرد بالإنعام ، ازداد تشوف المخاطب إلى جوابهم ، فأجيب بقوله : { قالوا } منكرين عليه معتمدين على محض التقليد { أجئتنا } أي من عند من ادعيت أنك رسوله { لنعبد الله } أي الملك الأعظم { وحده } ولما كان هذا منهم في غاية العجب المستحق للإنكار ، أتبعوه ماهو كالعلة لإنكارهم عليه ما دعاهم إليه فقالوا : { ونذر } أي نترك على غير صفة حسنة { ما كان يعبد آباؤنا } أي مواظبين على عبادته بما دلوا عليه بـ " كان " وصيغة المضارع - مع الإشارة بها إلى تصوير آبائهم في حالهم ذلك - ليحسن في زعمهم إنكار مخالفتهم لهم . ولما كان معنى هذا الإنكار أنا لا نعطيك ، وكان قد لوح لهم بالتذكر بقوم نوح وقوله { أفلا تتقون } إلى الأخذ إن أصروا ، سببوا عن ذلك قولهم : { فأتنا } أي عاجلاً { بما تعدنا } أي من العذاب بما لوح إليه إيماؤهم إلى التكذيب بقولهم : { إن كنت من الصادقين * } وتسميتهم للانذار بالعذاب وعداً من باب الاستهزاء . ولما كانوا قد بالغوا في السفه في هذا القول ، وكان قد علم من محاورته صلى الله عليه وسلم لهم الحلم عنهم ، اشتد التطلع إلى ما يكون من جوابه لهذا والتوقع له ، فشفى غليل هذا التشوف بقوله : { قال قد وقع } أي حق ووجب وقرب أن يقع { عليكم من ربكم } أي الذي غربكم به تواتر إحسانه عليكم وطول إملائه لكم { رجس } أي عذاب شديد الاضطراب في تتبع أقصاكم وأدناكم موجب لشدة اضطرابكم { وغضب } أي شدة في ذلك العذاب لا تفلتون منها . ولما أخبرهم بذلك ، بين لهم أن سببه كلامهم هذا في سياق الإنكار فقال : { أتجادلونني } ولما كانت آلهتهم تلك التي يجادلون فيها لا تزيد على السماء لكونها خالية من كل معنى ، قال : { في أسماء } ثم بين أنه لم يسمها آلهة من يعبد به فقال : { سميتموها انتم وآباؤكم } ولما كان لله تعالى أن يفعل ما يشاء وأن يأمر بالخضوع لمن يشاء ، قال نافياً التنزيل فإنه يلزم من نفي الإنزال : { ما نزل الله } أي الذي ليس الأمر إلا له { بها } أي بتعبدكم لها أو بتسميتكم إياها ، وأغرق في النفي فقال : { من سلطان } ولعله أتى بصيغة التنزيل لأن التفعيل يأتي بمعنى الفعل المجدد وبمعنى الفعل بالتدريج فقصد - لأنه في سياق المجادلة وفي سورة مقصودها إنذار من أعرض عما دعا إليه هذا الكتاب النازل بالتدريج - النفي بكل اعتبار ، سواء كان تجديداً أو تدريجاً وإشارة إلى أنه لو نزل عليهم في الأمر بعبادتها شيء واحد لتوقفوا فيه لعدم فهمهم لمعناه حتى يكرر عليهم الأمر فيه مرة بعد أخرى ، فيعلموا أن ذلك أمر حتم لا بد منه كما فعله بنو إسرائيل في الأمر بذبح البقرة لأجل القتيل لأجل أنهم لم يعقلوا معناه ، دل ذلك قطعاً على أن الأمر لهم بعبادتها إنما هو ظلام الهوى لأنه عمى محض من شأن الإنسان ركوبه بلا دليل أصلاً . ولما أخبرهم بوقوع العذاب وسببه ، بين لهم أن الوقوع ليس على ظاهرة في الإنجاز ، وإنما معناه الوجوب الذي لا بد من فقال : { فانتظروا } ثم استأنف الإخبار عن حاله بقوله : { إني } وأشار بقوله : { معكم } إلى أنه لا يفارقهم لخشيته منهم ولا غيرها { من المنتظرين * } .