Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 72-74)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان هذا ينبغي أن يكون سبباً للتصديق الذي هو سبب الرحمة ، بين أنه إنما سبب لهم العذاب ، وله ولمن تبعه النجاة ، فبدأ بالمؤمنين اهتماماً بشأنهم بقوله : { فأنجيناه } أي بما لنا من العظمة إنجاء وحيّاً سريعاً سللناهم به من ذلك العذاب كسل الشعرة من العجين { والذين معه } أي في الطاعة ، وأشار إلى أنه لا يجب على الله شيء بقوله : { برحمة } أي بإكرام وحياطة { منا } أي لا بعمل ولا غيره . ولما قدم الإنجاء اهتماماً به ، أتبعه حالهم فقال معلماً بأن أخذه على غير أخذ الملوك الذين يعجزون عن الاستقصاء في الطلب ، فتفوتهم أواخر العساكر وشذاب الجنود والأتباع { وقطعنا } دابرهم أي آخرهم ، هكذا كان الأصل ، ولكنه أظهر تصريحاً بالمقصود وبياناً لعلة أخذهم فقال : { دابر } أي آخر ، أي استأصلنا وجعلنا ذلك الاستئصال معجزة لهود عليه السلام { الذين كذبوا بآياتنا } أي ولم يراقبوا عظمتها بالنسبة إلينا وقوله : { وما كانوا } أي خلقاً وجبلة { مؤمنين * } عطف على صلة { الذين } وهي { كذبوا بآياتنا } وهي جارية مجرى التعليل لأخذهم مؤذنة بأنه لا يحصل منهم صلاح كما ختم قصة نوح بقول { إنهم كانوا قوماً عمين } [ الأعراف : 64 ] تعليلاً لإغراقهم ، أي أنا قطعنا دابرهم وهم مستحقون لذلك ، لأنهم غير قابلين للايمان لما فيهم من شدة العناد ولزوم الإلحاد ، فالمعنى : وما كان الإيمان من صفتهم ، أي ما آمنوا في الماضي ولا يؤمنون في الآتي ، فيخرج منه من آمن وكان قد كذب قبل إيمانه ومن لم يؤمن في حال دعائه لهم وفي علم الله أنه سيؤمن ، ويزيده حسناً أنهم لما افتتحوا كلامهم بأن نسبوه إلى السفاهة كاذبين ؛ ناسب ختم القصة بأن يقلب الأمر عليهم فيوصفوا بمثل ذلك صدقاً بكلام يبين أن اتصافهم به هو الموجب لما فعل بهم ، لأن الإيمان لا يصدر إلا عن كمال الثبات والرزانة وترك الهوى وقمع رعونات النفس والانقياد لواضح الأدلة وظاهر البراهين ، فمن تركه مع ذلك فهو في غاية الطيش والخفة وعدم العقل ، وأيضاً فوصفهم بالتكذيب بالفعل الماضي لا يفهم دوامهم على تكذيبهم ، فقال سبحانه ذلك لنفي احتمال أنهم آمنوا بعد التكذيب وأن أخذهم إنما كان لمطلق صدور التكذيب منهم ، وأنهم لم يبادروا إلى الإيمان قبل التكذيب ، ويحتمل أن تكون الجملة حالاً ، والمعنى على كل تقدير : قطعنا دابرهم في حال تكذيبهم وعدم إيمانهم . ولما أتم سبحانه ما أراد من قصة عاد ، أتبعهم ثمود فقال { وإلى ثمود } أي خاصة ، منع من الصرف لأن المراد به القبيلة ، وهو مشتق من الثمد وهو الماء القليل ، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى ، أرسلنا { أخاهم صالحاً } ثم استأنف الإخبار عن قوله - كما مضى في هود عليه السلام فقال : { قال يا قوم } مستعطفاً لهم بالتذكير بالقرابة وعاطف النسابة { اعبدوا الله } أي الذي لا كمال إلا له { ما لكم } وأكد النفي بقوله : { من إله غيره } . ولما دل على صدقه في ذلك أنهم دعوا أوثانهم فلم تجبهم ، ودعا هو صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه فأخرج لهم الناقة ، علل صحة ما دعا إليه بقوله : { قد جاءتكم بينة } أي آية ظاهرة جداً على صدقي في ادعاء رسالتي وصحة ما أمرتكم به ، وزادهم رغبة بقوله : { من ربكم } أي الذي لم يزل محسناً إليكم ؛ ثم استأنف بيانها بقوله : { هذه } مشيراً إليها بعد تكوينها تحقيقاً لها وتعظيماً لشأنها وشأنه في عظيم خلقها وسرعة تكوينها لأجله . ولما أشار إليها ، سماها فقال : { ناقة الله } شرفها بالإضافة إلى الاسم الأعظم ، ودل على تخصيصها بهم بقوله : { لكم } حال كونها { آية } أي لمن شاهدها ولمن سمع بها وصح عنده أمرها ؛ ثم سبب عن ذلك قوله : { فذروها } أي اتركوها ولو على أدنى وجوه الترك { تأكل } أي من النبات و { في أرض الله } أي مما أنبت الله الذي له كل شيء وهي ناقته كما أن الأرض كلها مطلقاً أرضه والنبات رزقه ، ولذلك أظهر لئلا يختص أكلها بأرض دون أخرى . ولما أمرهم بتركها لذلك ، أكد المر بنهيهم عن أذاها فقال : { ولا تمسوها بسوء } فضلاً عما بعد المس { فيأخذكم } أي أخذ قهر بسبب ذلك المس وعقبه { عذاب أليم * } أي مؤلم . ولما أمرهم ونهاهم ، ذكر لهم ترغيباً مشيراً إلى ترهيب فقال : { واذكروا } أي نعمة الله عليكم { إذ جعلكم خلفاء } أي فيما أنتم فيه { من بعد عاد } أي إهلاكهم { وبوأكم في الأرض } أي جعل لكم في جنسها مساكن تبوءون أي ترجعون إليها وقت راحتكم ، سهل عليكم من عملها في أي أرض أردتم ما لم يسهله على غيركم ، ولهذا فسر المراد بقوله : { تتخذون } أي بما لكم من الصنائع { من سهولها قصوراً } أي أبنية بالطين واللبن والآجر واسعة عالية حسنة يقصر أمل الآمل ونظر الناظر عليها مما فيها من المرافق والمحاسن { وتنحتون الجبال } أي أيّ جبل أرتم تقدرونها { بيوتاً } . ولما ذكرهم بهذه النعم مرغباً مرهباً ، كرر ذلك إشارة وعبارة فقال مسبباً عما ذكرهم به : { فاذكروا } أي ذكر إذعان ورغبة ورهبة { آلاء } أي نعم { الله } أي الذي له صفات الكمال فلا حاجة به إلى أحد ، فإحسانه هو الإحسان في الحقيقة { ولا تعثوا في الأرض } من العثي وهو الفساد ، وهو مقلوب عن العيث - قاله ابن القطاع ، وحينئذ يكون قوله : { مفسدين * } بمعنى معتمدين للفساد .