Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 38-41)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان الذي بعد حدود الله هو الدنيا ، صرح به فقال : { وآثر } أي أكرم وقدم واختار { الحياة الدنيا * } بأن جعل أثر العاجلة الدنية لحضورها عنده أعظم من أثر الآخرة العليا لغيابها ، فكان كالبهائم لا إدراك له لغير الجزئيات الحاضرة ، فانهمك في جميع أعمالها وأعرض عن الاستعداد للآخرة بالعبادة وتهذيب النفس فلم ينه نفسه عن الهوى . ولما كان الإنسان مؤاخذاً بما اكتسب ، سبب عن أعماله هذه قوله مؤكداً لتكذيبهم ذلك : { فإن الجحيم } أي النار الشديدة التوقد العظيمة الجموع على من يدخلها { هي } أي لا غيرها { المأوى * } أي المسكن له - هذا مذهب البصريين أن الضمير محذوف ، وعند الكوفيين أن " أل " نائب عن الضمير - قاله أبو حيان . ولما ذكر الطاغي ، أتبعه المتقي فقال : { وأما من خاف } ولما كان ذلك الخوف مما يتعلق بالشيء لأجل ذلك الشيء أعظم من ذكر الخوف من ذلك الشيء نفسه فقال : { مقام ربه } أي قيامه بين يدي المحسن إليه عند تذكر إحسانه فلم يطغ فكيف عند تذكر جلاله وانتقامه ، أو المكان الذي يقوم فيه بين يديه والزمان ، وإذا خاف ذلك المقام فما ظنك بالخوف من صاحبه ، وهذا لا يفعله إلا من تحقق المعاد . ولما ذكر الخوف ذكر ما يتأثر عنه ولم يجعله مسبباً عنه ليفهم أن كلاًّ منهما فاصل على حياله وإن انفصل عن الآخر فقال : { ونهى النفس } أي التي لها المنافسة { عن الهوى } أي كل ما تهواه فإنه لا يجر إلى خير لأن النار حفت بالشهوات ، والشرع كله مبني على ما يخالف الطبع وما تهوى الأنفس ، وذلك هو المحارم التي حفت بها النار فإنها بالشهوات ، قال الرازي : والهوى هو الشهوة المذمومة المخالفة لأوامر الشرع . قال الجنيد : إذا خالفت النفس هواها صار داؤها دواءها ، أي فأفاد ذلك أنه لم يؤثر الحياة الدنيا ، فالآية من الاحتباك : أتى بطغى دليلاً على ضده ثانياً ، وبالنهي عن الهوى ثانياً دلالة على إيثار الدنيا أولاً . ولما كان مقام ترغيب ، ربط الجزاء بالعمل كما صنع في الترهيب فقال وأكد لأجل تكذيب الكفار : { فإن الجنة } أي البستان الجامع لكل ما يشتهي { هي } أي خاصة { المأوى * } أي له ، لا يأوي إلى غيرها ، وهذا حال المراقبين .