Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 1-11)
Tafsir: ad-Durr al-manṯūr fī at-tafsīr bi-l-maʾṯūr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أخرج ابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما أنزل عليه الوحي ، كان يقوم على صدور قدميه إذا صلى ، فأنزل الله : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } . وأخرج ابن مردويه وابن جرير ، عن ابن عباس قال : قالوا لقد شقي هذا الرجل بربه ، فأنزل الله : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } . وأخرج ابن عساكر ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا قام من الليل يربط نفسه بحبل ؛ كي لا ينام فأنزل الله عليه { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } . وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يربط نفسه ، ويضع إحدى رجليه على الأخرى ، فنزلت : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } . وأخرج ابن مردويه ، عن علي رضي الله عنه قال : لما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً } [ المزمل : 1 ] قام الليل كله حتى تورمت قدماه ، فجعل يرفع رجلاً ، ويضع رجلاً ، فهبط عليه جبريل ، فقال : { طه } يعني : الأرض بقدميك يا محمد { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } وأنزل { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } . وأخرج البزار بسند حسن ، عن علي قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يراوح بين قدميه ، يقوم على كل رجل ، حتى نزلت { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن الربيع بن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله { طه } يعني طأ الأرض يا محمد ، { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } . وأخرج ابن مردويه ، عن بان عباس في قوله : { طه } قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربما قرأ القرآن إذا صلى ، قام على رجل واحدة ، فأنزل الله { طه } برجليك { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك قال : لما أنزل الله القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - قام به وأصحابه ، فقال له كفار قريش : ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى به . فأنزل الله { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } . وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { طه } قال : يا رجل . وأخرج الحارث بن أبي أسامة وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { طه } بالنبطية أي { طا } يا رَجُل . وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { طه } بالنبطِيَّةِ أي { طا } يا رجل . وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { طه } قال : هو كقولك يا رجل . وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عكرمة قال : { طه } يا رجل بالنبطية . وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال : { طه } بالنبطية يا رجل . وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك قال : { طه } يا رجل بالنبطية . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال : { طه } يا رجل . بالسريانية . وأخرج الحاكم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { طه } قال : هو كقولك يا محمد بلسان الحبش . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله : { طه } قال : هو كقولك يا رجل : بلسان الحبشة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي صالح في قوله : { طه } قال : كلمة عربت . وأخرج عن مجاهد ، قال : { طه } فواتح السور . وأخرج عن محمد بن كعب { طه } قال : الطاء من ذي الطول . وأخرج ابن مردويه ، " عن أبي الطفيل قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لي عشرة أسماء عند ربي قال أبو الطفيل : حفظت منها ثمانية : محمد وأحمد وأبو القاسم والفاتح والخاتم والماحي والعاقب والحاشر " ، وزعم سيف أن أبا جعفر قال : الاسمان الباقيان { طه } ويس . وأخرج ابن مردويه والحاكم وصححه ، عن زر قال : قرأ رجل على ابن مسعود { طه } مفتوحة فأخذها عليه عبدالله { طه } مكسورة فقال له الرجل : إنها بمعنى ضع رجلك . فقال عبد الله : هكذا قرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهكذا أنزلها جبريل . وأخرج ابن عساكر ، " عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : أول سورة تعلمتها من القرآن { طه } وكنت إذا قرأت { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا شقيت يا عائش " " . وأخرج البيهقي في الدلائل ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } وكان يقوم الليل على رجليه فهي لغة لعك إن قلت لعكي يا رجل ، لم يلتفت وإذا قلت { طه } التفت إليك . وأخرج عبد بن حميد ، عن عروة بن خالد - رضي الله عنه - قال : سمعت الضحاك ، وقال رجل من بني مازن بن مالك : ما يخفى علي شيء من القرآن ، وكان قارئاً للقرآن شاعراً . فقال له الضحاك : أنت تقول ذلك ؟ أخبرني ما { طه } ؟ قال : هي من أسماء الله الحسنى . نحو : طسم ، وحم ، فقال الضحاك : إنما هي بالنبطية يا رجل . وأخرج ابن المنذر وابن مسعود ، عن ابن عباس قال : { طه } قسم أقسمه الله ، وهو من أسماء الله . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } يقول : في الصلاة هي مثل قوله : { فاقرؤوا ما تيسر منه } [ المزمل : 20 ] قال : وكانوا يعلقون الحبال بصدروهم في الصلاة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } يا رجل { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } لا والله ، ما جعله الله شقياً ، ولكن جعله الله رحمة ونوراً ودليلاً إلى الجنة { إلا تذكرة لمن يخشى } قال : إن الله أنزل كتابه وبعث رسله رحمة رحم بها العباد لِيذْكُر ذاكر وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله ، وهو ذكر أنزله الله ، فيه حلاله وحرامه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب { وما تحت الثرى } ما تحت سبع أرضين . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : { الثرى } كل شيء مبتل . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي : { وما تحت الثرى } قال : هي الصخرة التي تحت الأرض السابعة ، وهي صخرة خضراء ، وهو سجين الذي فيه كتاب الكفار . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك قال : الثرى ما حفر من التراب مبتلاً . وأخرج أبو يعلى عن جابر بن عبدالله : " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ، ما تحت هذه الأرض ؟ قال : الماء . قيل : فما تحت الماء ؟ قال : ظلمة . قيل : فما تحت الظلمة ؟ قال : الهواء . قيل : فما تحت الهواء ؟ قال : الثرى . قيل : فما تحت الثرى ؟ قال : انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق " وأخرج ابن مردويه ، " عن جابر بن عبدالله قال : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، إذ عارضنا رجل مترجب - يعني طويلاً - فدنا من النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بخطام راحلته فقال : أنت محمد ؟ قال : نعم . قال : إني أريد أن أسألك عن خصال لا يعلمها أحد من أهل الأرض ، إلا رجل أو رجلان ؟ فقال : سل عما شئت . قال : يا محمد ، ما تحت هذه ؟ - يعني الأرض - قال : خلق . قال : فما تحتهم ؟ قال : أرض . قال : فما تحتها ؟ قال : خلق ؟ قال : فما تحتهم ؟ قال : أرض ، حتى انتهى إلى السابعة . قال : فما تحت السابعة ؟ قال : صخرة . قال : فما تحت الصخرة ؟ قال : الحوت . قال : فما تحت الحوت ؟ قال : الماء . قال : فما تحت الماء ؟ قال : الظلمة . قال : فما تحت الظلمة ؟ قال : الهواء . قال : فما تحت الهواء ؟ قال : الثرى . قال : فما تحت الثرى ؟ ففاضت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبكاء ؟ فقال : انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق أيها السائل ، ما المسؤول بأعلم من السائل . قال : صدقت ، أشهد أنك رسول الله يا محمد ، أما إنك لو ادعيت تحت الثرى شيئاً ، لعلمت أنك ساحر كذاب ، أشهد أنك رسول الله ، ثم ولى الرجل . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيها الناس ، هل تدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا جبريل " . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { يعلم السر وأخفى } قال : السر ما أسره ابن آدم في نفسه { وأخفى } ما خفي ابن آدم مما هو فاعلة ، قبل أن يعلمه ، فإنه يعلم ذلك كله ، فعلمه فيما مضى من ذلك ، وما بقي علم واحد وجميع الخلائق عنده في ذلك ، كنفس واحدة وهو كقوله : { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } [ لقمان : 28 ] . وأخرج الحاكم وصححه ، عن ابن عباس في قوله : { يعلم السر وأخفى } قال : السر ما علمته أنت ، وأخفى ما قذف الله في قلبك مما لم تعلمه . وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وأبو الشيخ في العظمة ، والبيهقي بلفظ : يعلم ما تسر في نفسك ، ويعلم ما تعمل غداً . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن قتادة في قوله : { يعلم السر وأخفى } قال : أخفى من السر ما حدثت به نفسك ، وما لم تحدث به نفسك أيضاً مما هو كائن . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { يعلم السر وأخفى } قال : الوسوسة ، والسر العمل الذي تسرون من الناس . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن الحسن قال : السر ما أسر الرجل إلى غيره ، وأخفى من ذلك ما أسر في نفسه . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير في الآية . قال : السر ما تسر في نفسك ، وأخفى من السر ، ما لم يكن بعد وهو كائن . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن عكرمة في الآية . قال : السر ما حدث به الرجل أهله ، وأخفى ما تكلمت به في نفسك . وأخرج عبد بن حميد ، عن الضحاك في قوله : { يعلم السر وأخفى } قال : السر ما أسررت في نفسك { وأخفى } ما لم تحدث به نفسك . وأخرج أبو الشيخ في العظمة ، عن زيد بن أسلم في قوله : { يعلم السر وأخفى } قال : يعلم أسرار العباد { وأخفى } سره فلا نعلمه والله أعلم . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { إني آنست ناراً } أي أحسست ناراً . { أو أجد على النار هدى } قال : من يهديني . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله : { أو أجد على النار هدى } قال : من يهديني إلى الطريق ، وكانوا شاتين فضلوا الطريق . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : { أو أجد على النار هدى } يقول : من يدل على الطريق . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { أو أجد على النار هدى } قال : يهديه الطريق . وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة في قوله : { أو أجد على النار هدى } قال : هادٍ يهديني إلى الماء . وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن وهب بن منبه قال : لما رأى موسى النار ، انطلق يسير ، حتى وقف منها قريباً ، فإذا هو بنار عظيمة : تفور من ورق شجرة خضراء شديدة الخضرة ، يقال لها العليق ، لا تزداد النار فيما يرى إلا عظماً وتضرماً ، ولا تزداد الشجرة على شدة الحريق ، إلا خضرة وحسناً ! فوقف ينظر لا يدري ما يصنع ، إلا أنه قد ظن أنها شجرة تحترق ، وأوقد إليها موقد ، فنالها فاحترقت ، وإنه إنما يمنع النار ، شدة خضرتها ، وكثرة مائها ، وكثافة ورقها ، وعظم جذعها ، فوضع أمرها على هذا ، فوقف وهو يطمع أن يسقط منها شيء فيقتبسه ، فلما طال عليه ذلك ، أهوى إليها بضغث في يده وهو يريد أن يقتبس من لهبها ، فلما فعل ذلك موسى مالت نحوه كأنها تريده ، فاستأخر عنها وهاب ، ثم عاد فطاف بها ، ولم تزل تطمعه ويطمع بها ، ثم لم يكن شيء بأوشك من خمودها ، فاشتد عند ذلك عجبه وفكر موسى في أمرها ، فقال : هي نار ممتنعة لا يقتبس منها ، ولكنها تتضرم في جوف شجرة فلا تحرقها ، ثم خمودها على قدر عظمها في أوشك من طرفة عين . فلما رأى ذلك موسى قال : إن لهذه شأناً . ثم وضع أمرها على أنها مأمورة أو مصنوعة ، لا يدري من أمرها ولا بما أمرت ولا من صنعها ولا لم صنعت ، فوقف متحيراً لا يدري أيرجع أم يقيم ؟ فبينا هو على ذلك ، إذ رمى بطرفه نحو فرعها فإذا هو أشد مما كان خضرة ساطعة في السماء ، ينظر إليها يغشى الظلام ، ثم لم تزل الخضرة تنوّر وتصفر وتبيض حتى صارت نوراً ساطعاً عموداً بين السماء والأرض ، عليه مثل شعاع الشمس ، تكل دونه الأبصار ، كلما نظر إليه يكاد يخطف بصره ، فعند ذلك اشتد خوفه وحزنه ، فرد يده على عينيه ، ولصق بالأرض وسمع الحنين والوجس . إلا أنه سمع حينئذ شيئا لم يسمع السامعون بمثله عظماً ! فلما بلغ موسى الكرب واشتد عليه الهول نودي من الشجرة ، فقيل : يا موسى ، فأجاب سريعاً ، وما يدري من دعاه ؟ وما كان سرعة إجابته إلا استئناساً بالإنس ، فقال لبيك مراراً إني لأسمع صوتك ، وأحس حسك ، ولا أرى مكانك ، فأين أنت ؟ قال : أنا فوقك ومعك وخلفك وأقرب إليك من نفسك . فلما سمع هذا موسى علم أنه لا ينبغي هذا إلا لربه ، فأيقن به ، فقال : كذلك أنت يا إلهي ، فكلامك اسمع أم رسولك ؟ قال : بل أنا الذي أكلمك فادن مني ، فجمع موسى يديه في العصا ، ثم تحامل حتى استقل قائماً ، فرعدت فرائصه حتى اختلفت ، واضطربت رجلاه ، وانقطع لسانه وانكسر قلبه ، ولم يبق منه عظم يحمل آخر ، فهو بمنزلة الميت ، إلا أن روح الحياة تجري فيه ، ثم زحف على ذلك وهو مرعوب ، حتى وقف قريباً من الشجرة التي نودي منها فقال له الرب تبارك وتعالى : { ما تلك بيمينك يا موسى } قال : هي عصاي . قال : ما تصنع بها ؟ - ولا أحد أعلم منه بذلك - قال موسى : { أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى } قد علمتها ، وكان لموسى في العصا مآرب ، كان لها شعبتان ومحجن تحت الشعبتين ، فإذا طال الغصن حناه بالمحجن ، وإذا أراد كسره لواه بالشعبتين ، وكان يتوكأ عليها ويهش بها ، وكان إذا شاء ألقاها على عاتقه ، فعلق بها قوسه وكنانته ومرجامه ومخلاته وثوبه ، وزاداً إن كان معه ، وكان إذا ارتع في البرية حيث لا ظل له ركزها ، ثم عرض بالوتد بين شعبتيها ، وألقى فوقها كساءه فاستظل بها ما كان مرتعاً ، وكان إذا ورد ماء يقصر عنه رشاؤه وصل بها ، وكان يقاتل بها السباع عن غنمه . قال له الرب { ألقها يا موسى } فظن موسى أنه يقول : ارفضها . فألقاها على وجه الرفض ، ثم حانت منه نظرة ، فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون يرى ! يلتمس كأنه يبتغي شيئاً يريد أخذه ، يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلتقمها ، ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها ، عينان توقدان ناراً ، وقد عاد المحجن عرقاً فيه شعر مثل النيازك ، وعاد الشعبتان فهما مثل القليب الواسع فيه أضراس وأنياب لها صريف ، فلما عاين ذلك موسى { ولى مدبراً ولم يعقب } [ النمل : 10 ] فذهب حتى أمعن ورأى أنه قد أعجز الحية ، ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم { نودي يا موسى } أن ارجع حيث كنت ، فرجع وهو شديد الخوف فقال : خذها بيمينك ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى . قال : وكان على موسى حينئذ مدرعة فجعلها في يده ، فقال له ملك : أرأيت يا موسى لو أذن الله بما تحاذر ؟ أكانت المدرعة تغني عنك شيئاً قال : لا . ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت . فكشف عن يده ثم وضعها على فم الحية ، ثم سمع حس الأضراس والأنياب ، ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها ، وإذا يده في موضعها الذي كان يضعها إذا تؤكأ بين الشعبتين . قال له ربه : " ادن " . فلم يزل يدنيه - حتى شد ظهره بجذع الشجرة . فاستقر وذهبت عنه الرعدة ، وجمع يديه في العصا ، وخضع برأسه وعنقه ثم قال له : إني قد أقمتك اليوم في مقام لا ينبغي لبشر بعدك أن يقوم مقامك … إذ أدنيتك وقربتك حتى سمعت كلامي ، وكنت بأقرب الأمكنة مني ، فانطلق برسالتي ، فإنك بعيني وسمعي ، وإن معك يدي وبصري ، وإني قد ألبستك جبة من سلطاني ، لتكمل بها القوّة في أمري ، فأنت جند عظيم من جنودي ، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي ، بطر من نعمتي ، وأمن مكري ، وغرته الدنيا حتى جحد حقي ، وأنكر ربوبيتي ، وعد من دوني ، وزعم أنه لا يعرفني ، وإني لأقسم بعزتي : لولا العذر والحجة التي وضعت بيني وبين خلقي . … لبطشت به بطشة جبار - يغضب لغضبه السموات والأرض والجبال والبحار - فإن أمرت السماء حصبته ، وإن أمرت الأرض ابتلعته ، وإن أمرت البحار غرقته ، وإن أمرت الجبال دمرته ، ولكنه هان عليّ وسقط من عيني ، وَسعَهُ حلمي ، واستغنيت بما عندي ، وحق لي أني أنا الغني لا غني غيري ، فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وتوحيدي ، وإخلاص اسمي ، وذكره بآياتي ، وحذره نقمتي وبأسي ، وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي { وقل له } فيما بين ذلك : { قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى } وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة ، ولا يروعنك ما ألبسته من لباس الدنيا ، فإن ناصيته بيدي ليس يطرف ولا ينطق ولا يتنفس إلا بإذني ، وقل له : أجب ربك فإنه واسع المغفرة فإنه قد أمهلك أربعمائة سنة ؛ في كلها أنت مبارزه بالمحاربة ، تتشبه وتتمثل به وتصد عباده عن سبيله ، وهو يمطر عليك السماء ، وينبت لك الأرض ، لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب ، ولو شاء أن يجعل لك ذلك أو يسلبكه فعل ، ولكنه ذو أناة وحلم عظيم ، وجاهده بنفسك وأخيك ، وأنتما محتسبان بجهاده ، فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قبل له بها فعلت ، ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه : أن الفئة القليلة ، ولا قليل مني تغلب الفئة الكبيرة بإذني ، ولا يعجبنكما زينته ولا ما متع به ، ولا تمدا إلى ذلك أعينكما ، فإنها زهرة الحياة الدنيا ، وزينة المترفين ، وإني لو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ، يعلم فرعون - حين ينظر إليها - أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت ، ولكن أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما ، وكذلك أفعل بأوليائي ، وقد نما ما حويت لهم من ذلك ، فإني لأذودهم عن نعيمها ورخائها ؛ كما يذود الراعي الشفيق غنمه من مواقع الهلكة ، وإني لأجنبهم شكوها وغنمها ، كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة ، وما ذاك لهوَانِهم عليّ ، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالماً موفراً لم تكلمه الدنيا ولم يطغه الهوى ، واعلم أنه لم يتزين إليّ العباد بزينة … هي أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا ، فإنه زينة المتقين عليهم منه : لباس يعرفون به من السكينة والخشوع { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } [ الفتح : 29 ] " أولئك هم أوليائي حقاً فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك ، وذلل لهم قلبك ولسانك ، واعلم أنه من أهان لي ولياً أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة ، وبادأني وعرض لي نفسه ودعاني إليها ، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي ، فيظن الذي يحاربني أو يعاديني أن يعجزني ، أو يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني ، وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة ؟ ! لا أكل نصرتهم إلى غيري " قال : فأقبل موسى إلى فرعون في مدينة قد جعل حولها الأسد في غيضة قد غرسها ، والأسد فيها مع ساستها إذا أرسلها على أحد أكلته ، وللمدينة أربعة أبواب في الغيضة ، فأقبل موسى من الطريق الأعظم الذي يراه فرعون ، فلما رأته الأسد صاحت صياح الثعالب ، فأنكر ذلك الساسة وفرقوا من فرعون ، فأقبل موسى حتى انتهى إلى الباب الذي فيه فرعون فقرعه بعصاه وعليه جبة من صوف وسراويل ، فلما رآه البوّاب عجب من جراءته فتركه ولم يأذن له ، فقال هل تدري باب من أنت تضرب ؟ ! إنما أنت تضرب باب سيدك . قال : أنت وأنا وفرعون عبيد لربي ، فأنا ناصره ، فأخبر البوّاب الذي يليه من البوابين ، حتى بلغ ذلك أدناهم ودونه سبعون حاجباً ، كل حاجب منهم تحت يده من الجنود ما شاء الله ، حتى خلص الخبر إلى فرعون فقال : أدخلوه عليّ ، فأدخل فلما أتاه قال له فرعون : أعرفك ؟ قال : نعم . قال : { ألم نربك فينا وليداً } [ الشعراء : 18 ] قال : فرد إليه موسى الذي رد . قال : فرعون خذوه . فبادر موسى { فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين } [ الشعراء : 32 ] فحملت على الناس فانهزموا منها ، فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً ، قتل بعضهم بعضاً ، وقام فرعون منهزماً حتى دخل البيت فقال لموسى : { اجعل بيننا وبينك موعداً } ننظر فيه . قال : موسى : لم أؤمر بذلك ، إنما أمرت بمناجزتك ، وإن أنت لم تخرج إليّ دخلت عليك . فأوحى الله إلى موسى : أن اجعل بينك وبينه أجلاً ، وقل له : أن يجعله هو . قال فرعون : اجعله إلى أربعين يوماً ففعل . قال : وكان فرعون لا يأتي الخلاء إلا في كل أربعين يوماً مرة ، فاختلف ذلك اليوم أربعين مرة . قال : وخرج موسى من المدينة ، فلما مر بالأسد خضعت له بأذنابها ، وسارت مع موسى تشيعه ، ولا تهيجه ، ولا أحداً من بني إسرائيل .