Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 139-148)

Tafsir: ad-Durr al-manṯūr fī at-tafsīr bi-l-maʾṯūr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن طاوس في قوله { وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون } قال : قيل ليونس عليه السلام إن قومك يأتيهم العذاب يوم كذا وكذا … فلما كان يومئذ ، خرج يونس عليه السلام ، ففقده قومه ، فخرجوا بالصغير ، والكبير ، والدواب ، وكل شيء . ثم عزلوا الوالدة عن ولدها ، والشاة عن ولدها ، والناقة والبقرة عن ولدها ، فسمعت لهم عجيجاً ، فأتاهم العذاب حتى نظروا إليه ، ثم صرف عنهم . فلما لم يصبهم العذاب ، ذهب يونس عليه السلام مغاضباً ، فركب في البحر في سفينة مع أناس ، حتى إذا كانوا حيث شاء الله تعالى ، ركدت السفينة ، فلم تسر فقال صاحب السفينة : ما يمنعنا أن نسير إلا أن فيكم رجلاً مشؤوماً قال : فاقترعوا ليلقوا أحدهم ، فخرجت القرعة على يونس ، فقالوا : ما كنا لنفعل بك هذا . ثم اقترعوا أيضاً ، فخرجت القرعة عليه ثلاثاً ، فرمى بنفسه ، فالتقمه الحوت قال طاوس : بلغني أنه لما نبذه الحوت بالعراء وهو سقيم ، نبتت عليه شجرة من يقطين واليقطين الدباء ، فمكث حتى إذا رجعت إليه نفسه يبست الشجرة ، فبكى يونس عليه السلام حزناً عليها ، فأوحى الله إليه : أتبكي على هلاك شجرة ولا تبكي على هلاك مائة ألف ؟ . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل قريته ، فردوا عليه ما جاءهم به ، فامتنعوا منه ، فلما فعلوا ذلك أوحى الله إليه : إني مرسل عليهم العذاب في يوم كذا وكذا … فأخرج من بين أظهرهم ، فاعلم قومه الذي وعد الله من عذابه إياهم ، فقالوا : ارمقوه فإن هو خرج من بين أظهركم فهو والله كائن ما وعدكم . فلما كانت الليلة التي وعدوا العذاب في صبيحتها ، أدلج فرآه القوم ، فحذروا فخرجوا من القرية إلى براز من أرضهم ، وفرقوا بين كل دابة وولدها . ثم عجوا إلى الله ، وأنابوا واستقالوا ، فأقالهم وانتظر يونس عليه الخبر عن القرية وأهلها . حتى مر مار فقال : ما فعل أهل القرية ؟ قال : فعلوا أن نبيهم لما خرج من بين أظهرهم عرفوا أنه قد صدقهم ما وعدهم من العذاب ، فخرجوا من قريتهم إلى براز من الأرض ، ثم فرقوا بين كل ذات ولد وولدها ، ثم عجوا إلى الله ، وتابوا إليه فقبل منهم ، وأخر عنهم العذاب . فقال يونس عليه السلام عند ذلك : لا أرجع إليهم كذاباً أبداً ، ومضى على وجهه . وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدالله بن الحارث قال : لما خرج يونس عليه السلام مغاضباً أتى السفينة ، فركبها فامتنعت أن تجري فقال أصحاب السفينة : ما هذا إلا لحدث أحدثتموه ! فقال بعضهم لبعض : تعالوا حتى نقترع ، فمن وقعت عليه القرعة فالقوه في الماء ، فاقترعوا ، فوقعت القرعة على يونس عليه السلام ، ثم عادوا فوقعت القرعة عليه في الثالثة ، فلما رأى يونس ذلك قال : هو أنا ، فخرج فطرح نفسه في الماء ، فإذا حوت قد رفع رأسه من الماء قدر ثلاثة أذرع ، فذهب ليطرح نفسه ، فاستقبله الحوت ، فإذا هوى إليه ليأخذه ، فتحول إلى الجانب الآخر ، فإذا الحوت قد استقبله ، فلما رأى يونس عليه السلام ذلك عرف أنه أمر من الله ، فطرح نفسه ، فأخذه الحوت قبل أن يمر على الماء ، فأوحى الله إلى الحوت أن لا تهضم له عظماً ، ولا تأكل له لحماً حتى آمر بأمري بكذا وكذا وكذا . … حتى ألزقه بالطين ، فسمع تسبيح الأرض ، فذلك حين نادى . وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما ألقى يونس عليه سلام نفسه في البحر التقمه الحوت ، هوى به حتى انتهى إلى مفجر من الأرض أو كلمة تشبهها ، فسمع تسبيح الأرض { فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } [ الأنبياء : 87 ] فأقبلت الدعوة تحوم حول العرش ، فقالت الملائكة : يا ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً من بلاد غربة قال : وتدرون ما ذاكم ؟ قالوا : لا يا ربنا قال : ذاك عبدي يونس قالوا : الذي كنا لا نزال نرفع له عملاً متقبلاً ، ودعوة مجابة ، قال : نعم . قالوا : يا ربنا ألا ترحم ما كان يصنع في الرخاء ، وتنجيه عند البلاء . قال : بلى فأمر الحوت فحفظه " . وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن لفظه حين لفظه في أصل يقطينة وهي الدباء ، فلفظه وهو كهيئة الصبي ، وكان يستظل بظلها ، وهيأ الله له أرواة من الوحش ، فكانت تروح عليه بكرة وعشية ، فتفشخ رجليها ، فيشرب من لبنها حتى نبت لحمه . وأخرج ابن إسحاق والبزار وابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما أراد الله حبس يونس عليه السلام في بطن الحوت ، أوحى الله إلى الحوت أن خذه ، ولا تخدش له لحماً ، ولا تكسر له عظماً ، فأخذه ثم أهوى به إلى مسكنه في البحر ، فلما انتهى به إلى أسفل البحر ، سمع يونس حساً فقال في نفسه : ما هذا … ! فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت : إن هذا تسبيح دواب الأرض ، فسبح وهو في بطن الحوت ، فقالوا : ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غربة قال : ذاك عبدي يونس ، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر قالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم عمل صالح ؟ قال : نعم . فشفعوا له عند ذلك ، فأمره ، فقذفه في الساحل كما قال الله { وهو سقيم } " . وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن يونس عليه السلام كان وعد قومه العذاب ، وأخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام ، ففرقوا بين كل والدة وولدها ، ثم خرجوا ، فجأروا إلى الله ، واستغفروه ، فكف الله عنهم العذاب ، وغدا يونس عليه السلام ينتظر العذاب ، فلم ير شيئاً ، وكان من كذب ولم يكن له بينة قتل . فانطلق مغاضباً ، حتى أتى قوماً في سفينة ، فحملوه وعرفوه ، فلما دخل السفينة ركدت ، والسفن تسير يميناً وشمالاً فقال : ما بال سفينتكم ؟ ! قالوا : ما ندري ! قال : ولكني أدري أن فيها عبداً أبق من ربه ، وأنها والله لا تسير حتى تلقوه ، قالوا : أما أنت والله يا نبي الله فلا نلقيك . فقال لهم يونس عليه السلام : اقترعوا فمن قرع . فليقع ، فاقترعوا فقرعهم يونس عليه السلام ثلاث مرات ، فوقع وقد وكل به الحوت ، فلما وقع ابتلعه ، فأهوى به إلى قرار الأرض ، فسمع يونس عليه السلام تسبيح الحصى { فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } [ الأنبياء : 87 ] قال : ظلمة بطن الحوت ، وظلمة البحر ، وظلمة الليل ، قال { فنبذ بالعراء وهو سقيم } قال كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين ، فكان يستظل بها ويصيب منها ، فيبست فبكى عليها حين يبست ، فأوحى الله إليه : أتبكي على شجرة أن يبست ، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم ؟ فخرج فإذا هو بغلام يرعى غنماً فقال : ممن أنت يا غلام ؟ قال : من قوم يونس قال : فإذا رجعت إليهم ، فاقرئهم السلام وأخبرهم إنك لقيت يونس ، فقال له الغلام : إن تكن يونس فقد تعلم أنه من كذب ولم يكن له بينة قتل ، فمن يشهد لي قال : تشهد لك هذه الشجرة ، وهذه البقعة . فقال الغلام ليونس : مرهما فقال لهما يونس عليه السلام : إذا جاء كما هذا الغلام فاشهدا له . قالتا : نعم . فرجع الغلام إلى قومه ، وكان له إخوة ، فكان في منعة ، فأتى الملك فقال : إني لقيت يونس وهو يقرأ عليكم السلام ، فأمر به الملك أن يقتل فقال : إن له بينة ، فأرسل معه ، فانتهوا إلى الشجرة والبقعة فقال لهما الغلام : نشدتكما بالله هل أشهدكما يونس ؟ قالتا : نعم . فرجع القوم مذعورين يقولون : تشهد لك الشجرة والأرض ! فأتوا الملك ، فحدثوه بما رأوا ، فتناول الملك يد الغلام ، فأجلسه في مجلسه ، وقال : أنت أحق بهذا المكان مني ، وأقام لهم أمرهم ذلك الغلام أربعين سنة . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : إن يونس بن متى كان عبداً صالحاً ، وكان في خلقه ضيق ، فلما حملت عليه أثقال النبوّة . ولها أثقال لا يحملها إلا قليل . تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل ، فقذفها من يده ، وخرج هارباً منها . يقول الله لنبيه { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تكن كصاحب الحوت } [ الأحقاف : 35 ] . وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فساهم فكان من المدحضين } قال : من المسهومين قال : اقترع فكان من المدحضين قال : من المسهومين . وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن قتادة رضي الله عنه { فساهم فكان من المدحضين } قال : احتبست السفينة ، فعلم القوم أنها احتبست من حدث أحدثوه ، فتساهموا فقرع يونس عليه السلام ، فرمى بنفسه ، { فالتقمه الحوت وهو مليم } أي مسيء فيما صنع { فلولا أنه كان من المسبحين } قال : كان كثير الصلاة في الرخاء فنجا ، وكان يقال في الحكمة . إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر ، وإذا ما صرع وجد متكأ { للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } يقول : لصارت له قبر إلى يوم القيامة . وأخرج ابن أبي شيبة عن وهب بن منبه رضي الله عنه أنه جلس هو وطاوس ونحوهم من أهل ذلك الزمان ، فذكروا أي أمر الله أسرع ؟ فقال بعضهم : قول الله تعالى { كلمح البصر } [ النحل : 77 ] وقال بعضهم : السرير حين أتى به سليمان . فقال ابن منبه : أسرع أمر الله أن يونس على حافة السفينة ، إذ أوحى الله تعالى إلى نون في نيل مصر ، فما خرَّ من حافتها إلا في جوفه . وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال ( التقمه حوت ) يقال له نجم ، فجرى به في بحر الروم ، ثم النيل ، ثم فارس ، ثم في دجلة . وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وهو مليم } مسيء . وأخرج ابن الأنباري والطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { وهو مليم } قال : المليم المسيء والمذنب قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم أما سمعت أمية بن أبي الصلت وهو يقول : @ بريء من الآفات ليس لها بأهل ولكن المسيء هو المليم @@ وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { وهو مليم } قال : مذنب . وأخرج أحمد في الزهد عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله { فلولا أنه كان من المسبحين } قال : لولا أنه حلاله عمل صالح { للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } قال : وفي الحكمة . إن العمل الصالح يرفع صاحبه . وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { فلولا أنه كان من المسبحين } قال : من المصلين قبل أن يدخل بطن الحوت . وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله { فلولا أنه كان من المسبحين } قال : ما كان إلا صلاة أحدثها في بطن الحوت . فذكر ذلك لقتادة رضي الله عنه فقال : لا . إنما كان يعمل في الرخاء . وأخرج عبد الرزاق والفريابي وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { فلولا أنه كان من المسبحين } قال : من المصلين . وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه { فلولا أنه كان من المسبحين } قال : العابدين الله قبل ذلك . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن أبي الحسن رضي الله عنه { فلولا أنه كان من المسبحين } قال : لولا أنه كان له سلف من عبادة وتسبيح ، تداركه الله به حين أصابه ما أصابه ، نعمه في بطن الحوت أربعين من بين يوم وليلة ، ثم أخرجه وتاب عليه . وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه { فلولا أنه كان من المسبحين } قال : نعلم والله أن التضرع في الرخاء استعداد لنزول البلاء ، ويجد صاحبه متكأ إذا نزل به ، وإن سالف السيئة تلحق صاحبها وإن قدمت . وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك رضي الله عنه قال : اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة ، فإن يونس عليه السلام كان عبداً صالحاً ذاكراً لله ، فلما وقع في بطن الحوت قال الله { فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } وإن فرعون كان عبداً طاغياً ، ناسياً لذكر الله ، فلما أدركه الغرق قال : { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين } [ يونس : 90 ] فقيل له { آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين } [ يونس : 90 ] . وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن رضي الله عنه في قوله { فلولا أنه كان من المسبحين } قال : كان يكثر الصلاة في الرخاء ، فلما حصل في بطن الحوت ، ظن أنه الموت ، فحرك رجليه ، فإذا هي تتحرك ، فسجد وقال : يا رب اتخذت لك مسجداً في موضع لم يسجد فيه أحد . وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن الشعبي قال : التقمه الحوت ضحى ، ولفظه عشية ، ما بات في بطنه . وأخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مكث يونس عليه السلام في بطن الحوت أربعين يوماً . وأخرج عبد الرزاق وابن مردويه عن ابن جريج قال : بقي يونس في بطن الحوت أربعين يوماً . وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك رضي الله عنه قال : لبث يونس عليه السلام في بطن الحوت أربعين يوماً . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : لبث يونس في بطن الحوت سبعة أيام ، فطاف به البحار كلها ، ثم نبذه على شاطىء دجلة . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال { التقمه الحوت } يقال له نجم ، وإنه لبث ثلاثاً في جوفه ، وفي قوله { فلولا أنه كان من المسبحين } قال : كان كثير الصلاة في الرخاء ، فنجا { للبث في بطنه } قال : لصار له بطن الحوت قبراً { إلى يوم يبعثون } قال : إلى يوم القيامة . وفي قوله { فنبذناه بالعراء } قال : شط دجلة . ونينوى على شط دجلة ، مكث في بطنه أربعين يوماً يتردّد به في دجلة . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { فنبذناه بالعراء } قال : ألقيناه بالساحل . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال : انطلق يونس عليه السلام مغضباً ، فركب مع قوم في سفينة ، فوقفت السفينة لم تسر ، فساهمهم ، فتدلى في البحر ، فجاء الحوت يبصبص بذنبه ، فنودي الحوت أنا لم نجعل يونس لك رزقاً ، إنما جعلناك له حرزاً ومسجداً . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال : لما ذهب مغاضباً ، فكان في بطن الحوت قال من بطن الحوت : إلهي من البيوت أخرجتني ، ومن رؤوس الجبال أنزلتني ، وفي البلاد سيرتني ، وفي البحر قذفتني ، وفي بطن الحوت سجنتني ، فما تعرف مني عملاً صالحاً تروح به عني . قالت الملائكة عليهم السلام : ربنا صوت معروف من مكان غربة ! فقال لهم الرب : ذاك عبدي يونس قال الله { فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } وكان في بطن الحوت أربعين يوماً ، فنبذه الله { بالعراء وهو سقيم } وأنبت { عليه شجرة من يقطين } قال : اليقطين الدباء ، فاستظل بظلها ، وأكل من قرعها ، وشرب من أصلها ما شاء الله . ثم إن الله تعالى أيبسها ، وذهب ما كان فيها ، فحزن يونس عليه السلام ، فأوحى الله إليه : حزنت على شجرة أنبتها ثم أيبستها ، ولم تحزن على قومك حين جاءهم العذاب ، فصرف عنهم ، ثم ذهبت مغاضباً . وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن حميد بن هلال قال : كان يونس عليه السلام يدعو قومه ، فيأبون عليه ، فإذا خلا دعا الله لهم بالخير ، وقد بعثوا عليه عيناً ، فلما أعيوه ، دعا الله عليهم ، فأتاهم عينهم فقال : ما كنتم صانعين فاصنعوا ، فقد أتاكم العذاب ، فقد دعا عليكم ، فانطلق ولا يشك أنه سيأتيهم العذاب ، فخرجوا قد ولهوا البهائم عن أولادها ، فخرجوا تائبين فرحمهم الله تعالى ، وجاء يونس عليه السلام ينظر بأي شيء أهلكها ، فإذا الأرض مسودة منهم بدون عذاب ، وذاك حين ذهب مغاضباً ، فركب مع قوم في سفينة ، فجعلت السفينة لا تنفذ ، ولا ترجع فقال بعضهم لبعض ، ماذا إلا لذنب بعضكم ؟ فاقترعوا أيكم نلقيه في الماء ونخلي وجهنا ، فاقترعوا ، فبقي سهم يونس عليه السلام في الشمال فقالوا : لا نفتدي من أصحابنا بنبي الله فقال يونس عليه السلام : ما يراد غيري ، فاقذفوني ولا تنكسوني ، ولكن صبوني على رجلي صباً ، ففعلوا وجاء الحوت شاحباً فاه ، فالتقمه فاتبعه حوت أكبر من ذلك ليلتقمهما ، فسبقه فكان يونس في بطن الحوت حتى رق العظم ، وذهب اللحم والبشر والشعر ، وكان سقيماً فدعا بما دعا به ، فنبذ بالعراء وهو سقيم ، فأنبت الله { عليه شجرة من يقطين } فكان فيها غذاه حتى اشتد العظم ، ونبت اللحم والشعر والبشر ، فعاد كما كان ، فبعث الله عليها ريحاً ، فيبست فبكى عليها ، فأوحى الله إليه يا يونس أتبكي على شجرة جعل الله لك فيها غذاء ، ولا تبكي على قومك أن يهلكوا ؟ وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : لما بعث الله يونس عليه السلام إلى قومه يدعوهم إلى الله وعبادته ، وأن يتركوا ما هم فيه ، أتاهم فدعاهم ، فأبوا عليه ، فرجع إلى ربه فقال : رب إن قومي قد أبوا عليَّ وكذبوني قال : فارجع إليهم فإن هم آمنوا وصدقوا ، وإلا فاخبرهم أن العذاب مصبحهم غدوة ، فأتاهم فدعاهم ، فأبوا عليه قال : فإن العذاب مصبحكم غدوة ، ثم تولى عنهم فقال القوم بعضهم لبعض ، والله ما جربنا عليه من كذب منذ كان فينا ، فانظروا صاحبكم ، فإن بات فيكم الليلة ، ولم يخرج من قريتكم ، ولم يبت فيها ، فاعلموا أن العذاب مصبحكم ، حتى إذا كان في جوف الليل ، أخذ مخلاة فجعل فيها طعيماً له ، ثم خرج فلما رأوه فرقوا بين كل والدة وولدها ، من بهيمة أو إنسان ، ثم عجوا إلى الله مؤمنين ومصدقين بيونس عليه السلام ، وبما جاء به ، فلما رأى الله ذلك منهم بعد ما كان قد غشيهم العذاب كما يغشى القبر بالثوب كشفه عنهم ، ومكث ينظر ما أصابهم من العذاب ، فلما أصبح رأى القوم يخرجون لم يصبهم شيء من العذاب قال : لا والله لا آتيهم وقد جربوا عليَّ كذبة ، فخرج فذهب مغاضباً لربه ، فوجد قوماً يركبون في سفينة ، فركب معهم ، فلما جنحت بهم السفينة ، تكفت ووقفت فقال القوم : إن فيكم لرجلاً عظيم الذنب ، فاستهموا لا تغرقوا جميعاً ، فاستهم القوم فسهمهم يونس عليه السلام قال القوم : لا نلقي فيه نبي الله ، اختلطت سهامكم ، فأعيدوها فاسهموا ، فسهمهم يونس فلما رأى يونس عليه السلام ذلك قال للقوم : فالقوني لا تغرقوا جميعاً ، فألقوه فوكل الله تعالى به حوتاً ، فالتقمه لا يكسر له عظماً ، ولا يأكل له لحماً ، فهبط به الحوت ، إلى أسفل البحر ، فلما جنه الليل ، نادى في ظلمات ثلاث : ظلمة بطن الحوت ، وظلمة الليل ، وظلمة البحر { أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } [ الأنبياء : 87 ] فأوحى الله إلى الحوت : أن ألقيه في البر ، فارتفع الحوت ، فألقاه في البر لا شعر له ، ولا جلد ، ولا ظفر ، فلما طلعت عليه الشمس أذاه حرها ، فدعا الله فأنبتت { عليه شجرة من يقطين } وهي الدباء . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : لما ألقي يونس عليه السلام في بطن الحوت ، طاف في البحور كلها سبعة أيام ، ثم انتهى به إلى شط دجلة ، فقذفه على شط دجلة ، فأنبت الله { عليه شجرة من يقطين } قال من نبات البرية ، فأرسله { إلى مائة ألف أو يزيدون } قال : يزيدون بسبعين ألفاً ، وقد كان أظلهم العذاب ، ففرقوا بين كل ذات رحم ورحمها من الناس والبهائم ، ثم عجوا إلى الله ، فصرف عنهم العذاب ، ومطرت السماء دماً . وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد عن وهب قال : أمر الحوت أن لا يضره ، ولا يكلمه . قال الله { فلولا أنه كان من المسبحين } قال : من العابدين قبل ذلك ، فذكر بعبادته ، فلما خرج من البحر نام نومة ، فأنبت الله { عليه شجرة من يقطين } وهي الدباء فأظلته ، فبلغت في يومها ، فرآها قد أظلته ، ورأى خضرتها فأعجبته ، ثم نام نومة فاستيقظ ، فإذا هي قد يبست ، فجعل يحزن عليها ، فقيل أنت الذي لم تخلق ، ولم تسق ، ولم تنبت ، تحزن عليها . وأنا الذي خلقت مائة ألف من الناس أو يزيدون ، ثم رحمتهم ، فشق عليك . وأخرج ابن جرير من طريق ابن قسيط أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : طرح بالعراء ، فأنبت الله عليه يقطينة ، فقلنا يا أبا هريرة : ما اليقطينة ؟ قال : شجرة الدباء . هيأ الله تعالى له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض ، فتفشخ عليه ، فترويه من لبنها كل عشية وبكرة . حتى نبت وقال ابن أبي الصلت قبل الإِسلام في ذلك بيتاً من شعر : @ فأنبت يقطيناً عليه برحمة من الله لولا الله ألفى ضاحيا @@ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } قال : القرع . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله { شجرة من يقطين } قال : القرع . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال : كنا نحدث أنها الدباء هذا القرع ، الذي رأيتم أنبتها الله عليه يأكل منها . وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { شجرة من يقطين } قال : القرع . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة وسعيد بن جبير في قوله { شجرة من يقطين } قالا : هي الدباء . وأخرج الديلمي عن الحسن بن علي رفعه " كلوا اليقطين ، فلو علم الله عز وجل شجرة أخف منها لأنبتها على يونس عليه السلام ، وإذا اتخذ أحدكم مرقا فليكثر فيه من الدباء ، فإنه يزيد في الدماغ ، وفي العقل " . وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه قال : أنبت الله شجرة من يقطين ، وكان لا يتناول منها ورقة فيأخذها إلا أروته لبناً . أو قال : يشرب منها ما شاء حتى نبت . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } قال : غير ذات أصل من الدباء ، أو غيره من شجرة ليس لها ساق . وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } قال : كل شيء نبت ، ثم يموت من عامه . وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من طريق سعيد بن جبير رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما بال البطيخ من القرع ، هو كل شيء يذهب على وجه الأرض . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : كل شجرة لا ساق لها فهي من اليقطين ، والذي يكون على وجه الأرض من البطيخ والقثاء . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه سئل عن اليقطين أهو القرع ؟ قال : لا . ولكنها شجرة سماها الله اليقطين ، أظلته . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قي قوله { وأرسلناه } قبل أن يلتقمه الحوت . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة في قوله { وأرسلناه } قالا بعثه الله تعالى قبل أن يصيبه ما أصابه ، أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل . وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنما كانت رسالة يونس عليه السلام بعدما نبذه الحوت ، ثم تلا { فنبذناه بالعراء } إلى قوله { وأرسلناه إلى مائة ألف } . وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله { وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } قال : يزيدون عشرين ألفاً . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { أو يزيدون } قال : يزيدون ثلاثين ألفاً . وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { أو يزيدون } قال : يزيدون بضعة وثلاثين ألفاً . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إلى مائة ألف أو يزيدون } قال : كانوا مائة ألف ، وبضعة وأربعين ألفاً . وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { مائة ألف أو يزيدون } قال : يزيدون بسبعين ألفاً . وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن نوف في قوله { مائة ألف أو يزيدون } قال : كانت زيادتهم سبعين . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فآمنوا فمتعناهم إلى حين } قال : الموت .