Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 21-23)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِن مّن شَىْء } إن للنفي ومن مزيدة للتأكيد وشيءٍ في محل الرفع على الابتداء ، أي ما من شيء من الأشياء الممكنةِ ، فيدخُل فيه ما ذكر دخولاً أولياً { إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } الظرفُ خبرٌ للمبتدأ ، وخزائنُه مرتفعٌ به على أنه فاعله لاعتماده ، أو خبر له ، والجملة خبر للمبتدأ الأول ، والخزائنُ جمع الخِزانة وهي ما يحفظ فيه نفائسُ الأموال لا غيرُ ، غلَب في العرف على ما للملوك والسلاطينِ من خزائن أرزاقِ الناس ، شُبِّهت مقدوراتُه تعالى الفائتةُ للحصر المندرجةُ تحت قدرتِه الشاملة في كونها مستورةً عن علوم العالمين ومصونةً عن وصول أيديهم مع كمال افتقارِهم إليها ورغبتِهم فيها ، وكونِها مهيأةً متأتّيةً لإيجاده وتكوينه ، بحيث متى تعلقت الإرادةُ بوجودها وُجدت بلا تأخر بنفائس الأموالِ المخزونةِ في الخزائن السلطانيةِ فذكرُ الخزائن على طريقة الاستعارةِ التخيـيلية { وَمَا نُنَزّلُهُ } أي ما نُوجِد وما نكوّن شيئاً من تلك الأشياء ملتبساً بشيء من الأشياء { إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } أي إلا ملتبساً بمقدار معينٍ تقتضيه الحِكمةُ وتستدعيه المشيئةُ التابعة لها ، لا بما تقتضيه القدرةُ فإن ذلك غيرُ متناهٍ ، فإن تخصيصَ كل شيء بصفة معينةٍ وقدرٍ معين ووقتٍ محدود دون ما عدا ذلك ، مع استواء الكلِّ في الإمكان واستحقاقِ تعلّقِ القدرة به ، لا بد له من حكمة تقتضي اختصاصَ كلَ من ذلك بما اختص به ، وهذا البـيانُ سرُّ عدمِ تكوينِ الأشياء على وجه الكثرة حسبما هو في خزائن القدرة ، وهو إما عطفٌ على مقدر أي ننزله وما ننزله الخ ، أو حالٌ مما سبق أي عندنا خزائنُ كل شيءٍ ، والحال أنا ما ننزِّله إلا بقدر معلوم ، فالأول لبـيان سعةِ القدرةِ والثاني لبـيان بالغِ الحِكمة ، وحيث كان إنشاءُ ذلك بطريق التفضّل من العالم العلويِّ إلى العالم السفلي كما في قوله تعالى : { وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلأَنْعَـٰمِ ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } [ الزمر : 6 ] وكان ذلك بطريق التدريج عبّر عنه بالتنزيل ، وصيغةُ المضارع للدلالة على الاستمرار . { وَأَرْسَلْنَا ٱلرّيَاحَ } عطفٌ على جعلنا لكم فيها معايشَ ، وما بـينها اعتراضٌ لتحقيق ما سبق وترشيحِ ما لحِق أي أرسلنا الرياح { لَوَاقِحَ } أي حواملَ ، شُبّهت الريحُ التي تجيء بالخير من إنشاء سحابٍ ماطرٍ بالحامل كما شُبّه بالعقيم ما لا يكون كذلك ، أو ملقِّحاتٍ بالشجر والسحابِ ، ونظيره الطوائحُ بمعنى المُطيحات في قوله : [ الطويل ] @ [ لِيُبْكَ يزيدً ضارعٌ لخصومهِ ] ومختبطٌ مما تُطيح الطوائحُ @@ أي المهلِكات ، وقرىء وأرسلنا الريحَ على إرادة الجنس { فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآء } بعد ما أنشأنا بتلك الرياحِ سحاباً ماطراً { مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } أي جعلناه لكم سُقياً وهو أبلغُ من سقيناكموه ، لما فيه من الدِلالة على جعل الماءِ معداً لهم ينتفعون به متى شاءوا { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَـٰزِنِينَ } نفىٰ عنهم ما أثبته لجنابه بقوله : { وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } كأنه قيل : نحن القادرون على إيجاده وخزْنِه في السحاب وإنزاله وما أنتم على ذلك بقادرين ، وقيل : ما أنتم بخازنين له بعدما أنزلناه في الغُدران والآبارِ والعيون ، بل نحن نخزنُه فيها لنجعلَها سقياً لكم مع أن طبـيعةَ الماء تقتضي الغَوْر . { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيي } بإيجاد الحياةِ في بعض الأجسام القابلةِ لها { وَنُمِيتُ } بإزالتها عنها ، وقد يُعمِّم الإحياءُ والإماتة لما يشمل الحيوانَ والنباتَ ، وتقديمُ الضميرِ للحصر ، وهو إما تأكيدٌ للأول أو مبتدأٌ خبرُه الفعلُ ، والجملةُ خبرٌ لإنا ، ولا يجوز كونُه ضميرَ الفصل لا لأن اللام مانعةٌ من ذلك كما قيل ، فإن النحاة جوزوا دخولَ لام التأكيدِ على ضمير الفصل كما في قوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } [ آل عمران : 62 ] بل لأنه لم يقع بـين اسمين { وَنَحْنُ ٱلْوٰرِثُونَ } أي الباقون بعد فناءِ الخلقِ قاطبةً ، المالكون للملك عند انقضاءِ زمان المُلك المجازيِّ ، الحاكمون الكلَّ أولاً وآخراً ، وليس لهم إلا التصرفُ الصُّوريُّ والملكُ المجازي ، وفيه تنبـيهٌ على أن المتأخّرَ ليس بوارث للمتقدم كما يتراءى من ظاهر الحال .