Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 37-38)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ } ورودُ الجوابِ بالجملة الاسمية مع التعرض لشمول ما سأله لآخرين على وجه يُؤذِنُ بكون السائلِ تبعاً لهم في ذلك ، دليلٌ على أنه إخبارٌ بالإنظار المقدر لهم أزلاً ، لا إنشاءٌ لإنظار خاصٍّ به وقع إجابةً لدعائه ، أي إنك من جملة الذين أُخّرت آجالُهم أزلاً حسبما تقتضيه حكمةُ التكوين ، فالفاءُ ليست لربط نفس الإنظار بالاستنظار بل لربط الإخبارِ المذكور به ، كما في قوله : [ الوافر ] @ فإن ترحم فأنت لذاك أهل @@ فإنه لا إمكان لجعل الفاءِ فيه لربط ما فيه تعالى من الأهلية القديمةِ للرحمة بوقوع الرحمةِ الحادثة ، بل هي لربط الإخبار بتلك الأهليةِ للرحمة بوقوعها ، وأن استنظاره كان طلباً لتأخير الموتِ إذ به يتحقق كونُه من جملتهم ، لا لتأخير العقوبه كما قيل ، ونظمه في ذلك في سلك من أُخِّرت عقوبتُهم إلى الآخرة في علم الله تعالى ممن سبق من الجن ولحِق من الثقلين لا يلائم مقامَ الاستنظار مع الحياة ، ولأن ذلك التأخيرَ معلومٌ من إضافة اليوم إلى الدين مع إضافته في السؤال إلى البعث كما عرفته ، وفي سورة الأعراف : { قَالَ أَنظِرْنِى إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلمُنظَرِينَ } [ الأعراف : 14و15 ] بترك التوقيتِ والنداءِ ، والفاء في الاستنظار والإنظارِ تعويلاً على ما ذكر هٰهنا ، وفي سورة ص ، فإن إيراد كلامٍ واحد على أساليبَ متعددةٍ غيرُ عزيزٍ في الكتاب العزيز ، وأما أن كل أسلوب من أساليب النظم الكريمِ لا بد أن يكون له مقامٌ يقتضيه مغايرٌ لمقام غيره ، وأن ما حُكي من اللعين إنما صدر عنه مرة وكذا جوابُه لم يقع إلا دَفعةً ، فمقامُ المجاورة إن اقتضى أحدَ الأساليبِ المذكورة فهو المطابقُ لمقتضى الحال والبالغُ إلى طبقة الإعجاز وما عداه قاصرٌ عن رتبة البلاغة فضلاً عن الارتقاء إلى معالم الإعجازِ ، فقد مر تحقيقه بتوفيق الله تعالى في سورة الأعراف . { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } وهو وقتُ النفخة الأولى التي علم أنه يَصْعَق عندها من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله تعالى ، ويجوز أن يكون المرادُ بالأيام واحداً ، والاختلافُ في العبارات لاختلاف الاعتباراتِ ، فالتعبـيرُ بـيوم البعث لأن غرض اللعين يتحقق ، وبـيوم الدين لما ذُكر من الجزاء ، وبـيوم الوقت المعلومِ لما ذُكر أو لاستئثاره تعالى بعلمه فلعل كلاًّ من هلاك الخلق جميعاً وبعثهم وجزائِهم في يوم واحد ، يموت اللعينُ في أوله ويُبعث في أواسطه ويعاقب في بقيته . يُروى أن بـين موتِه وبعثه أربعين سنةً من سِني الدنيا مقدارَ ما بـين النفختين ، ونقل عن الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى أنه قال : قدِمتُ المدينة أريد أميرَ المؤمنين عمرَ رضي الله تعالى عنه ، فإذا أنا بحلقة عظيمة وكعبُ الأحبار فيها يحدث الناس وهو يقول : لما حضر آدمَ عليه الصلاة والسلام الوفاةُ قال : يا رب سيشمت بـي عدوي إبليسُ إذا رآني ميتاً وهو مُنْظَرٌ إلى يوم القيامة ، فأجيب أنْ يا آدمُ إنك سترِد إلى الجنة ويؤخَّر اللعينُ إلى النظرة ليذوقَ ألمَ الموتِ بعدد الأولين والآخِرين ، ثم قال لملك الموت : صِفْ كيف تذيقه الموتَ ، فلما وصفه قال : يا رب حسبـي . فضجّ الناسُ وقالوا : يا أبا إسحاقَ كيف ذلك ؟ فأبىٰ ، فألحّوا فقال : " يقول الله سبحانه لملك الموت عقِبَ النفخةِ الأولى : « قد جعلت فيك قوةَ أهلِ السموات السبع ، وأهلِ الأرضينَ السبعِ ، وإني ألبستُك اليوم أثوابَ السخط والغضب كلَّها ، فانزِلْ بغضبـي وسطوتي على رجيمي إبليسَ فأذِقْه الموتَ واحمِلْ عليه فيه مرارةَ الأولين والأخِرين من الثقلين أضعافاً مضاعفةً ، وليكن معك من الزبانية سبعون ألفاً قد امتلأوا غيظاً وغضباً ، وليكن مع كل منهم سلسلةٌ من سلاسل جهنم وغُلٌّ من أغلالها ، وأنزل روحَه المُنتنَ بسبعين ألفَ كلاب من كلاليبها ، ونادِ مالكاً ليفتح أبواب النيران » " ، فينزل ملكُ الموت بصورة لو نظر إليها أهلُ السموات والأرضين لماتوا بغتةً من هولها ، فينتهي إلى إبليس فيقول : قف لي يا خبـيثُ لأُذيقنّك الموت كم من عمر أدركتَ وقرونٍ أضللتَ وهذا هو الوقتُ المعلوم ، قال : فيهرُب اللعين إلى المشرِق فإذا هو بملك الموت بـين عينيه ، فيهرُب إلى المغرِب فإذا هو به بـين عينيه ، فيغوص البحارَ فتنز منه البحارُ فلا تقبله ، فلا يزال يهرُب في الأرض ولا محيصَ له ولا ملاذ ، ثم يقوم في وسط الدنيا عند قبر آدمَ ويتمرغ في التراب من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق ، حتى إذا كان في الموضع الذي أهبط في آدمُ عليه الصلاة والسلام ، وقد نَصبت له الزبانية الكلاليبَ وصارت الأرض كالجمرة احتوشته الزبانية وطعنوه بالكلاليب ، ويبقى في النزع والعذاب إلى حيث يشاء الله تعالى ، ويقال لآدمَ وحواءَ : اطَّلِعا اليوم إلى عدوكما كيف يذوق الموت ، فيطّلعان فينظران إلى ما هو فيه من شدة العذاب فيقولان : ربنا أتممتَ علينا نعمتك .