Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 56-60)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ } استفهامٌ إنكاريٌّ أي لا يقنط { مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ } المخطِئون طريقَ المعرفة والصوابِ ، فلا يعرِفون سعةَ رحمتِه وكمالَ علمه وقدرتِه كما قال يعقوب عليه الصلاة والسلام : { لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } [ يوسف : 87 ] ، ومرادُه نفيُ القنوط عن نفسه على أبلغ وجهٍ ، أي ليس بـي قنوطٌ من رحمته تعالى ، وإنما الذي أقول لبـيان منافاةِ حالي لفيضان تلك النعمةِ الجليلة عليّ ، وفي التعرض لوصف الربوبـيةِ والرحمةِ ما لا يخفى من الجزالة ، وقرىء بضم النون ، وبكسرها من قنَط بالفتح ولم تكن هذه المفاوضةُ من الملائكة مع إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام خاصة ، بل مع سارَةَ أيضاً حسبما شُرح في سورة هود ، ولم يُذكر ذلك هٰهنا اكتفاءً بما ذكر هناك كما أنه لم يُذكر هذه هناك اكتفاء بما ذكر هٰهنا . { قَالَ } أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وتوسيطُه بـين قوله السابقِ وبـين قوله : { فَمَا خَطْبُكُمْ } أي أمرُكم وشأنكم الخطيرُ الذي لأجله أُرسلتم سوى البشارةِ { أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } صريحٌ في أن بـينهما مقالةً مطويةً لهم أشير به إلى مكانها كما في قوله تعالى : { قَالَ أَءسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَءيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ } الآية ، فإن قوله الأخيرَ ليس موصولاً بقوله الأول ، بل هو مبنيٌّ على قوله تعالى : { فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } [ الحجر : 34 ] فإن توسيطَ قال بـين قوليه للإيذان بعدم اتصالِ الثاني بالأول وعدم ابتنائِه عليه بل على غيره ، ثم خطابُه لهم عليهم الصلاة والسلام بعنوان الرسالةِ بعد ما كان خطابُه السابقُ مجرداً عن ذلك مع تصديره بالفاء ، دليلٌ على أن مقالتهم المطويةَ كانت متضمنةً لبـيان أن مجيئَهم ليس لمجرد البشارةِ ، بل لهم شأنٌ آخَرُ لأجله أُرسلوا فكأنه قال عليه الصلاة والسلام : وإن لم يكن شأنُكم مجردَ البشارة فماذا هو ؟ فلا حاجة إلى الالتجاء إلى أن علمَه عليه الصلاة والسلام بأن كلَّ المقصود ليس البشارةَ بسبب أنهم كانوا ذوي عدد ، والبِشارةُ لا تحتاج إلى عدد ولذلك اكتُفي بالواحد في زكريا عليه الصلاة والسلام ومريم ، ولا إلى أنهم بشروه في تضاعيف الحالِ لإزالة الوجل ولو كانت تمامَ المقصود لابتدأوا بها فتأمل . { قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } هو قومُ لوط ، وُصفوا بالإجرام وجيء بهم بطريق التنكيرِ ذمًّا لهم واستهانةً بهم . { إِلا ءالَ لُوطٍ } استثناءٌ متصلٌ من الضمير في مجرمين ، أي إلى قوم أَجرموا جميعاً إلا آلَ لوط ، فالقومُ والإرسالُ شاملان للمجرمين وغيرِهم ، والمعنى إنا أرسلنا إلى قوم أجرَم كلُّهم إلا آلَ لوط لنُهلِك الأولين وننجِّيَ الآخرين ، ويدل عليه قوله تعالى : { إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ } أي لوطاً وآلَه { أَجْمَعِينَ } أي مما يصيب القومَ ، فإنه استئنافٌ للإخبار بنجاتهم لعدم إجرامِهم ، أو لبـيان ما فُهم من الاستثناء من مطلق عدمِ شمولِ العذاب لهم ، فإن ذلك قد يكون بكون حالهم بـين بـين ، أو لتعليله ، فإن مَنْ تعلّق بهم التنجيةُ بمنْجى من شمول العذاب . أو منقطعٌ من قوم وقوله تعالى : { إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ } متصلٌ بآلَ لوطٍ جارٍ مَجرى خبر لكنّ ، وعلى هذا فقوله تعالى : { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } استثناءٌ من آلَ لوط أو من ضميرهم ، وعلى الأول من الضمير خاصة لاختلاف الحكمين اللهم إلا أن يُجعل إنا لمنجوهم اعتراضاً ، وقرىء بالتخفيف { قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } الباقين مع الكفرة لتُهلَك معهم ، وقرىء قدَرْنا بالتخفيف ، وإنما عُلّق فعلُ التقدير مع اختصاص ذلك بأفعال القلوبِ لتضمُّنه معنى العلم ، ويجوز حملُه على معنى قلنا لأنه بمعنى القضاء قولٌ وأصلُه جعلُ الشيء على مقدار غيرِه ، وإسنادُهم له إلى أنفسهم وهو فعلَ الله سبحانه لِما لهم من الزلفىٰ والاختصاص .