Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 42-44)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } على الشدائد من أذية الكفار ومفارقةِ الأهل والوطن وغيرِ ذلك ، ومحلُّه النصبُ أو الرفع على المدح { وَعَلَىٰ رَبّهِمْ } خاصة { يَتَوَكَّلُونَ } منقطعين إليه تعالى معرِضين عما سواه مفوِّضين إليه الأمرَ كلَّه ، والجملةُ إما معطوفةٌ على الصلة وتقديمُ الجار والمجرور للدِلالة على قصر التوكلِ على الله تعالى وصيغةُ الاستقبال للدلالة على دوام التوكل . أو حالٌ من ضمير صبروا . { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ } وقرىء بالياء مبنياً للمفعول وهو ردٌّ لقريش حين قالوا : الله أجلُّ من أن يكون له رسولٌ من البشر ، كما هو مبْنىٰ قولِهم : { لَوْ شَآء ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا } [ النحل ، الآية 35 ] الخ ، أي جرت السنةُ الإلٰهيةُ حسبما اقتضتْه الحكمةُ بأن لا يَبعَثَ للدعوة العامة إلا بشراً يوحي إليهم بواسطة الملَك أوامرَه ونواهيَه ليبلّغوها الناس . ولما كان المقصودُ من الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم تنبـيهَ الكفار على مضمونه صُرف الخطاب إليهم فقيل : { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذّكْرِ } أي أهلَ الكتاب أو علماءَ الأخبار أو كلَّ من يُذكرُ بعلم وتحقيقٍ ليعلّموكم ذلك { إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } حُذف جوابُه لدِلالة ما قبله عليه ، وفيه دَلالةٌ على أنه لم يُرسِلْ للدعوة العامة ملَكاً ، وقولُه تعالى : { جَاعِلِ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً } [ فاطر : 1 ] معناه رسلاً إلى الملائكة أو إلى الرسل ، ولا امرأةً ولا صبـياً ، ولا ينافيه نبوةُ عيسى عليه الصلاة والسلام وهو في المهْد لأنها أعمُّ من الرسالة ، وإشارةٌ إلى وجوب المراجعة إلى العلماء فيما لا يُعلم . { بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ } بالمعجزات والكتبِ ، والباءُ متعلقةٌ بمقدر وقع جواباً عن سؤال من قال : بمَ أُرسلوا ؟ فقيل : أرسلوا بالبـينات والزبر ، أو بما أرسلنا داخلاً تحت الاستثناء مع رجالاً عند من يجوّزه ، أي ما أرسلنا إلا رجالاً بالبـينات كقولك : ما ضربت إلا زيداً بالسوط ، أو على نية التقديمِ قبل أداة الاستثناءِ أي ما أرسلنا من قبلك بالبـينات والزبر إلا رجالاً عند من يجوّز تأخرَ صلةِ ما قبل إلا إلى ما بعده ، أو ما وقع صفةً للمستثنى أي إلا رجالاً ملتبسين بالبـينات أو بنوحي على المفعولية أو الحالية من القائم مقامَ فاعل يوحىٰ وهو إليهم على أن قوله تعالى : { فَٱسْأَلُواْ } اعتراضٌ أو بقوله { لاَ تَعْلَمُونَ } على أن الشرطَ للتبكيت كقول الأجير : إن كنت عمِلْتُ لك فأعطِني حقي . { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذّكْرَ } أي القرآنَ ، وإنما سُمّي به لأنه تذكيرٌ وتنبـيهٌ للغافلين { لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ } كافةً ويدخل فيهم أهلُ مكة دخولاً أولياً { مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ } في ذلك الذكرِ من الأحكام والشرائعِ وغير ذلك من أحوال القرونِ المهلَكة بأفانين العذابِ حسب أعمالِهم الموجبةِ لذلك على وجه التفصيلِ بـياناً شافياً ، كما ينبىء عنه صيغةُ التفعيل في الفعلين لا سيما بعد ورودِ الثاني أو لا على صيغة الإفعالِ ، ولِما أن التبـيـينَ أعمُّ من التصريح بالمقصود ومن الإرشاد إلى ما يدل عليه دخل تحته القياسُ على الإطلاق سواءٌ كان في الأحكام الشرعية أو غيرِها ، ولعل قوله عز وجل : { وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } إشارةٌ إلى ذلك أي إرادةَ أن يتأملوا فيتنبّهوا للحقائق وما فيه من العبر ، ويحترزوا عما يؤدي إلى مثل ما أصاب الأولين من العذاب .