Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 60-62)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ } ممن ذكرت قبائحُهم { مَثَلُ ٱلسَّوْء } صفةُ السَّوْء الذي هو كالمثَل في القبح وهي الحاجةُ إلى الولد ليقوم مقامَه عند موتهم ، وإيثارُ الذكور للاستظهار بهم ووأدُ البنات لدفع العار ، وخشيةُ الإملاق المنادي كلَّ ذلك بالعجز والقصورِ والشحِّ البالغ ، ووضعُ الموصول موضعَ الضمير للإشعار بأن مدارَ اتصافِهم بتلك القبائح هو الكفرُ بالآخرة { وَللَّهِ } سبحانه وتعالى { ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } أي الصفةُ العجيبةُ الشأنِ التي هي مثلٌ في العلو مطلقاً ، وهو الوجوبُ الذاتيُّ والغِنى المطلقُ والجودُ الواسعُ والنزاهةُ عن صفات المخلوقين ، ويدخل فيه علوُّه تعالى عما قالوه علواً كبـيراً { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } المنفردُ بكمال القدرة لا سيما على مؤاخذتهم بذنوبهم { ٱلْحَكِيمُ } الذي يفعل كلَّ ما يفعل بمقتضى الحكمةِ البالغةِ وهذا أيضاً من جملة صفاتِه العجيبة تعالى . { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ } الكفارَ { بِظُلْمِهِمْ } بكفرهم ومعاصيهم التي من جملتها ما عُدّد من قبائحهم ، وهذا تصريحٌ بما أفاده قوله تعالى : { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } وإيذانٌ بأن ما أتَوْه من القبائح قد تناهىٰ إلى أمد لا غايةَ وراءَه { مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا } على الأرض المدلولِ عليها بالناس وبقوله تعالى : { مِن دَابَّةٍ } أي ما ترك عليها شيئاً من دابة قطُّ بل أهلكها بالمرة بشؤم ظلمِ الظالمين كقوله تعالى : { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } [ الأنفال : 25 ] وعن أبـي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول : إن الظالم لا يضُرُّ إلا نفسَه فقال : « بلى والله حتى إن الحُبارَى لتموت في وَكرها بظلم الظالم » . وعن ابن مسعود رضي الله عنه : « كاد الجُعَلُ يهلِك في جُحره بذنب ابن آدمَ أو من دابة ظالمة » وقيل : لو أَهْلك الآباءَ لم يكن الأبناءُ ، فيلزم أن لا يكون في الأرض دابةٌ لِما أنها مخلوقةٌ لمنافعِ البشر لقوله سبحانه : { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [ البقرة ، الآية 29 ] { وَلَـٰكِنِ } لا يؤاخذهم بذلك بل { يُؤَخِرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ } لأعمارهم أو لعذابهم كي يتوالدوا ويكثُرَ عذابُهم { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ } المسمّى { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ } عن ذلك الأجلِ أي لا يتأخرون ، وصيغةُ الاستفعال للإشعار بعجزهم عنه مع طلبهم له { سَاعَة } فذّةً ، وهي مثَلٌ في قلة المدة { وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } أي لا يتقدمون ، وإنما تعرض لذكره مع أنه لا يتصور الاستقدامُ عند مجيء الأجلِ مبالغةً في بـيان عدمِ الاستئخارِ بنظمه في سلك ما يمتنع ، كما في قوله تعالى : { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَـٰتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنّى تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } [ النساء : 18 ] فإن من مات كافراً مع أنه لا توبةَ له رأساً قد نُظم في سِمْطِ من لم تُقبل توبته للإيذان بأنهما سيان في ذلك وقد مر في تفسير سورة يونس . { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ } أي يُثْبتون له سبحانه وينسُبون إليه في زعمهم { مَا يَكْرَهُونَ } لأنفسهم مما ذكر ، وهو تكريرٌ لما سبق ، تثنيةً للتقريع وتوطئةً لقوله تعالى : { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ } أي يجعلون له تعالى ما يجعلون ومع ذلك تصف ألسنتهم الكذب وهو { أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } العاقبةَ الحسنى عند الله تعالى كقوله : { وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَىٰ رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [ فصلت ، الآية 50 ] وقرىء الكُذُبُ وهو جمع الكَذوب على أنه صفةُ الألسنة { لاَ جَرَمَ } رد لكلامهم ذلك وإثباتٌ لنقيضه أي حقاً { أَنَّ لَهُمْ } مكان ما أمّلوا من الحسنى { ٱلنَّار } التي ليس وراءَ عذابها عذابٌ وهي عَلَمٌ في السُّوآى { وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } أي مقدَّمون إليها من أفرطتُه أي قدّمتُه في طلب الماء ، وقيل : مَنْسيّون من أفرطتُ فلاناً خلفي إذا خلّفتُه ونسِيتُه ، وقرىء بالتشديد وفتح الراء من فرَّطتُه في طلب الماء ، وبكسر الراء المشددة من التفريط في الطاعات ، وبكسر المخففة من الإفراط في المعاصي فلا يكونانِ حينئذ من أحوالهم الأخروية كما عطف عليه .