Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 83-86)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ } استئنافٌ لبـيان أن تولّيَهم وإعراضَهم عن الإسلام ليس لعدم معرفتهم بما عُدد من نعم الله تعالى أصلاً فإنهم يعرِفونها ويعترفون أنها من الله تعالى { ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } بأفعالهم حيث يعبدون غيرَ مُنعمها أو بقولهم : إنها بشفاعة آلهتِنا أو بسبب كذا ، وقيل : نعمةُ الله تعالى نبوةُ محمد صلى الله عليه وسلم عرفوها بالمعجزات كما يعرفون أبناءَهم ثم أنكروها عِناداً ، ومعنى ثم استبعادُ الإنكار بعد المعرفة لأن حق مَنْ عرف النعمة الاعترافُ بها لا الإنكارُ ، وإسنادُ المعرفة والإنكارِ المتفرِّعِ عليها إلى ضمير المشركين على الإطلاق من باب إسنادِ حالِ البعض إلى الكل كقولهم : بنو فلان قتلوا فلاناً وإنما القاتل واحدٌ منهم ، فإن بعضهم ليسوا كذلك لقوله سبحانه : { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } أي المنكرون بقلوبهم غيرُ المعترفين بما ذكر ، والحُكم عليهم بمطلق الكفر المؤذِن بالكمال من حيث الكميةُ لا ينافي كمالَ الفِرقة الأولى من حيث الكيفية . هذا وقد قيل : ذكرُ الأكثر إما لأن بعضهم لم يَعرِفوا لنقصان العقل أو التفريطِ في النظر ، أو لم يقُم عليه الحجةُ لأنه لم يبلغ حد التكليف فتدبر . { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا } يشهد لهم بالإيمان والطاعةِ وعليهم بالكفر والعصيان وهو نبـيها { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } في الاعتذار إذ لا عذرَ لهم وثم للدَّلالة على أن ابتلأَهم بالمنع عن الاعتذار المنبىء عن الإقناط الكليِّ وهو عندما يقال لهم : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } [ المؤمنون ، الآية 108 ] أشدُّ من ابتلائهم بشهادة الأنبـياء عليهم السلام عليهم وأطمُّ { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } يُسترضَون أي لا يقال لهم : ارضُوا ربكم إذ الآخرةُ دارُ الجزاء لا دارُ العمل ، وانتصابُ الظرف بمحذوف تقديرُه اذكرْ أو خوِّفْهم يوم نبعث الخ ، أو يوم نبعث بهم ما يحيق مما لا يوصف وكذا قوله تعالى : { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ } الذي يستوجبونه بظلمهم وهو عذابُ جهنم { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ } ذلك { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي يُمهلون كقوله تعالى : { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ } [ الأنبياء ، الآية 40 ] . { وَإِذَا رَءا ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءهُمْ } الذين كانوا يدعونهم في الدنيا وهم الأوثانُ أو الشياطينُ الذين شاركوهم في الكفر بالحمل عليه وقارنوهم في الغيّ والضلال { قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلآء شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ } أي نعبدهم أو نطيعهم ولعلهم قالوا ذلك طمعاً في توزيع العذابِ بـينهم كما ينبىء عنه قوله سبحانه : { فَأَلْقَوُاْ } أي شركاؤهم { إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَـٰذِبُونَ } فإن تكذيبهم إياهم فيما قالوا ليس إلا للمدافعة والتخلص عن غائلة مضمونه ، وإنما كذبوهم وقد كانوا يعبدونهم ويطيعونهم لأن الأوثانَ ما كانوا راضين بعبادتهم لهم فكأن عبادتَهم لهم كما قالت الملائكةُ عليهم السلام : { بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ } [ سبأ ، الآية 41 ] يعنون أن الجنَّ هم الذين كانوا راضين بعبادتهم لا نحن أو كذبوهم في تسميتهم شركاءَ وآلهةً تنزيهاً لله سبحانه عن الشريك . والشياطينُ وإن كانوا راضين بعبادتهم لهم لكنهم لم يكونوا حاملين لهم على وجه القسر والإلجاءِ كما قال إبليسُ : { وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى } [ إبراهيم : 22 ] فكأنهم قالوا : ما عبدتمونا حقيقة بل إنما عبدتم أهواءكم .