Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 39-40)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ذٰلِكَ } أي الذي تقدم من التكاليف المفصلة { مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ } أي بعضٌ منه أو من جنسه { مِنَ ٱلْحِكْمَةِ } التي هي علمُ الشرائعِ أو معرفةُ الحق لذاته والعملُ به ، أو من الأحكام المحكمة التي لا يتطرق إليها النسخُ والفساد . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآياتِ الثمانيَ عشرةَ كانت في ألواح موسى عليه السلام أولها : { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ } قال تعالى : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِى ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلّ شَىْء مَّوْعِظَةً } [ الأعراف : 145 ] وهي عشرُ آيات في التوراة . ومِنْ إما متعلقةٌ بأوحى على أنها تبعيضية أو ابتدائيةٌ ، وإما بمحذوف وقع حالاً من الموصول أو من ضميره المحذوفِ في الصلة أي كائناً من الحِكمة ، وإما بدلٌ من الموصول بإعادة الجار . { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ } الخطابُ للرسول عليه الصلاة والسلام والمراد غيرُه ممن يتصور منه صدورُ المنهيِّ عنه ، وقد كُرر للتنبـيه على أن التوحيد مبدأُ الأمرِ ومنتهاه وأنه رأسُ كل حكمةٍ وملاكُها ، ومن عدمِه لم تنفعْه علومُه وحكمته وإن بذّ فيها أساطينَ الحكماء وحكّ بـيافوخه عنان السماء ، وقد رتب عليه ما هو عائدُ الإشراك أولاً حيث قيل : فتقعدَ مذموماً مخذولاً ورُتّب عليه هٰهنا نتيجتُه في العقبى فقيل : { فَتُلْقَىٰ فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا } من جهة نفسِك ومن جهة غيرك { مَّدْحُورًا } مبعَداً من رحمة الله تعالى ، وفي إيراد الإلقاءِ مبنياً للمعفول جرْيٌ على سنن الكبرياء وازدراءٌ بالمشرك وجعلٌ له من قبـيل خشبةٍ يأخذها آخذٌ بكفه فيطرحها في التنور . { أَفَأَصْفَـٰكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ إِنَاثًا } خطاب للقائلين بأن الملائكةَ بنات الله سبحانه ، والإصفاءُ بالشيء جعلُه خالصاً ، والهمزةُ للإنكار ، والفاء للعطف على مقدر يفسرّه المذكورُ ، أي أفَضَّلكم على جنابه فخصّكم بأفضل الأولاد على وجه الخُلوص وآثرَ لذاته أخسَّها وأدناها كما في قوله سبحانه : { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلاْنثَىٰ } [ النجم ، الآية 21 ] وقوله تعالى : { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَـٰتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } [ الطور ، الآية 39 ] وقد قُصد هٰهنا بالتعرض لعنوان الربوبـية تشديدُ النكير وتأكيدُه وأشير بذكر الملائكة عليهم السلام ، وإيرادِ الإناث مكانَ البنات إلى كفْرة لهم أخرى وهي وصفُهم لهم عليهم السلام بالأنوثة التي هي أخسُّ صفات الحيوان كقوله تعالى : { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } [ الزخرف ، الآية 19 ] { إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ } بمقتضى مذهبِكم الباطلِ الذي هو إضافةُ الولدِ إليه سبحانه { قَوْلاً عَظِيمًا } لا يقادَر قدرُه في استتباعِ الإثمِ وخَرْقِه لقضايا العقول بحيث لا يجترىء عليه أحدٌ ، حيث يجعلونه تعالى من قبـيل الأجسامِ المتجانسةِ السريعةِ الزوال وليس كمثله شيءٌ وهو الواحدُ القهارُ الباقي بذاته ، ثم تضيفون إليه ما تكرهون من أخس الأولادِ وتفضِّلون عليه أنفسَكم بالبنين ثم تصِفون الملائكةَ الذين هم من أشرف الخلائقِ بالأنوثة التي هي أخسُّ أوصاف الحيوانِ ، فيا لها من ضَلّة ما أقبحَها وكَفْرةٍ ما أشنعها وأفظعها .