Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 56-58)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم } أنها آلهةٌ { مِن دُونِهِ } تعالى من الملائكة والمسيحِ وعُزيرٍ { فَلاَ يَمْلِكُونَ } فلا يستطيعون { كَشَفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ } بالمرة كالمرض والفقر والقَحطِ ونحو ذلك { وَلاَ تَحْوِيلاً } أي ولا تحويلَه إلى غيركم { أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ } أي أولئك الآلهةُ الذين يدعوهم المشركون من المذكورين { يَبْتَغُونَ } يطلبون لأنفسهم { إِلَىٰ رَبّهِم } ومالكِ أمورِهم { ٱلْوَسِيلَةَ } القربةَ بالطاعة والعبادة { أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } بدلٌ من فعل يبتغون وأيُّ موصولةٌ ، أي يبتغي مَنْ هو أقرب إليه تعالى الوسيلةَ فكيف بمن دونه ؟ أو ضُمّن الابتغاءُ معنى الحِرص فكأنه قيل : يحرِصون أيُّهم أقربَ إليه تعالى بالطاعة والعبادة { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ } بها { وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ } بتركها كدأب سائرِ العباد فأين هم من كشف الضرِّ فضلاً عن الإلٰهية { إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا } حقيقاً بأن يحذرَه كلُّ أحدٍ حتى الملائكةُ والرسلُ عليهم الصلاة والسلام ، وهو تعليلٌ لقوله تعالى : { وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ } وتخصيصُه بالتعليل لما أن المقامَ مقامُ التحذيرِ من العذاب وأن بـينهم وبـين العذاب بَوناً بعيداً . { وَإِن مّن قَرْيَةٍ } بـيانٌ لتحتم حلول عذابِه تعالى بمن لا يحذره إثرَ بـيانِ أنه حقيقٌ بالحذر وأن أساطينَ الخلق من الملائكة والنبـيـين عليهم الصلاة والسلام على حذر من ذلك ، وكلمةُ إنْ نافيةٌ ومِنْ استغراقيةٌ ، والمرادُ بالقرية القريةُ الكافرةُ أي ما من قرية من قرى الكفار { إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا } أي مُخْرِبوها البتةَ بالخسف بها أو بإهلاك أهلِها بالمرة لما ارتكبوا من عظائمِ المُوبقات المستوجبةِ لذلك ، وفي صيغة الفاعلِ وإن كانت بمعنى المستقبَل ما ليس فيه من الدِلالة على التحقق والتقرّرِ وإنما قيل : { قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } لأن الإهلاكَ يومئذ غيرُ مختصَ بالقرى الكافرة ولا هو بطريق العقوبةِ وإنما هو لانقضاء عمرِ الدنيا { أَوْ مُعَذّبُوهَا } أي معذبو أهلِها على الإسنادِ المجازيِّ { عَذَاباً شَدِيداً } لا بالقتل والسبْـي ونحوِهما من البلايا الدنيويةِ فقط ، بل بما لا يُكتَنه كُنهُه من فنون العقوبات الأخرويةِ أيضاً حسبما يُفصح عنه إطلاقُ التعذيبِ عما قُيد به الإهلاكُ من قَبْلية يومِ القيامة ، كيف لا وكثيرٌ من القرى العاتية العاصيةِ قد أُخّرت عقوباتُها إلى يوم القيامة { كَانَ ذَلِكَ } الذي ذكر من الإهلاك والتعذيب { فِى ٱلْكِتَـٰبِ } أي اللوح المحفوظ { مَسْطُورًا } مكتوباً لم يغادَرْ منه شيءٌ إلا بُـيِّن فيه بكيفياته وأسبابِه الموجبةِ له ووقتِه المضروبِ له . هذا وقد قيل : الهلاكُ للقُرى الصالحة والعذابُ للطالحة ، وعن مقاتل : « وجدتُ في كتاب الضحاك بن مزاحم في تفسيرها أما مكةُ فُيْخرِبها الحبشةُ وتهلِك المدينةُ بالجوع والبصرةُ بالغرق والكوفةُ بالتُّرك والجبالُ بالصواعق والرواجف ، وأما خراسانُ فهلاكُها ضُروبٌ ثم ذكرها بلداً بلداً ، وقال الحافظ أبو عمْرو الداني في كتاب الفتن : أنه رُوي عن وهْب بن منبّه أن الجزيرةَ آمنةٌ من الخراب حتى تخرَبَ أرمينيةُ ، وأرمينيةُ آمنةٌ حتى تخرَب مصرُ ، ومصرُ آمنةٌ حتى تخرَبَ الكوفةُ ولا تكون الملحمةُ الكبرى حتى تخرَب الكوفةُ ، فإذا كانت الملحمةُ الكبرى فُتحت قُسطنطينةُ على يَديْ رجلٍ من بني هاشم ، وخرابُ الأندلس من قِبَل الزَّنْج ، وخرابُ إفريقيةَ من قِبَل الأندلس ، وخرابُ مصرَ من انقطاع النيلِ واختلافِ الجيوش فيها ، وخرابُ العراقِ من الجوع ، وخرابُ الكوفة من قِبل عدوٍّ من ورائهم يحصُرهم حتى لا يستطيعون أن يشربوا من الفرات قطرةً ، وخرابُ البصرة من قِبل الغرق ، وخرابُ الأَيْلة من قبل عدوٍّ يحصُرهم برًّا وبحراً ، وخرابُ الرّيّ من الديلم ، وخرابُ خراسانَ من قبل التّبْت ، وخرابُ التبت من قبل الصّين ، وخرابُ الهندِ واليمن من قبل الجرَاد والسلطان ، وخرابُ مكةَ من الحبشة ، وخرابُ المدينة من الجوع » . وعن أبـي هريرة رضي الله عنه أن النبـي عليه الصلاة والسلام قال : " آخرُ قريةٍ من قرى الإسلام خراباً المدينةُ " وقد أخرجه العمري من هذا الوجه . وأنت خبـيرٌ بأن تعميمَ القريةِ لا يساعده السباقُ ولا السياق .