Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 78-79)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } لزوالها كما ينبىء عنه قولُه عليه الصلاة والسلام : " أتاني جبريلُ عليه السلام لدُلوك الشمس حين زالت فصلّى بـي الظهرَ " واشتقاقُه من الدّلْك لأن من نظر إليها حينئذ يدُلك عينه ، وقيل : لغروبها من دلَكَت الشمس أي غربت ، وقيل : أصلُ الدلوك الميلُ فينتظم كِلا المعنيـين ، واللامُ للتأقيت مِثلُها في قولك : لثلاثٍ خلَوْن { إِلَى غَسَقِ ٱلَّيْلِ } إلى اجتماع ظلمتِه وهو وقتُ صلاةِ العِشاء ، وليس المرادُ إقامتَها فيما بـين الوقتين على وجه الاستمرارِ بل إقامةَ كل صلاةٍ في وقتها الذي عُيِّن لها ببـيان جبريلَ عليه السلام ، كما أن أعدادَ ركعاتِ كل صلاةٍ موكولةٍ إلى بـيانه عليه السلام ، ولعل الاكتفاءَ ببـيان المبدأ والمنتهىٰ في أوقات الصلواتِ من غير فصل بـينها لما أن الإنسانَ فيما بـين هذه الأوقاتِ على اليقظة فبعضُها متصلٌ ببعض بخلاف أولِ وقتِ العشاءِ والفجرِ ، فإنه باشتغاله فيما بـينهما بالنوم ينقطع أحدُهما عن الآخر ولذلك فُصل وقتُ الفجر عن سائر الأوقات ، وقيل : المرادُ بالصلاة صلاةُ المغرب ، والتحديدُ المذكور بـيانٌ لمبدئه ومنتهاه واستُدِل به على امتداد وقتِه إلى غروب الشفق ، وقوله تعالى : { وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ } أي صلاةَ الفجر نُصب عطفاً على مفعول أقم أو على الإغراء قاله الزجّاج ، وإنما سُمِّيت قرآنا لأن رُكنُها كما تُسمّى ركوعاً وسجوداً واستُدل به على الركنية ، ولكن لا دِلالةَ له على ذلك لجواز كونِ مدارِ التجوز كونَ القراءة مندوبةً فيها . نعم لو فُسّر بالقراءة في صلاة الفجر لدل الأمرُ بإقامتها على الوجوب فيها نصاً وفيما عداها دِلالةً ، ويجوز أن يكون ( وقرآنَ الفجر ) حثًّا على تطويل القراءةِ في صلاة الفجر { إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ } أظهر في مقام الإضمارِ إبانةً لمزيد الاهتمامِ به { كَانَ مَشْهُودًا } يشهده ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار أو شواهدُ القدرة من تبدُّل الضياء بالظلمة والانتباهِ بالنوم الذي هو أخو الموتِ ، أو يشهده كثيرٌ من المصلين أو من حقه أن يشهَده الجمُّ الغفيرُ فالآيةُ على تفسير الدُّلوك بالزوال جامعةٌ للصلوات الخمس ، وعلى تفسيره بالغروب لِما عدا الظهرَ والعصر . { وَمِنَ ٱلَّيْلِ } قيل : هو نصبٌ على الإغراء أي الزمْ بعضَ الليل ، وقيل : لا يكون المُغْرىٰ به حرفاً ولا يجدي نفعاً كونُ معناها التبعيضَ ، فإن واو مع ليست اسماً بالإجماعِ وإن كانت بمعنى الاسمِ الصريحِ بل هو منصوبٌ على الظرفية بمضمر أي قم بعضَ الليل { فَتَهَجَّدْ بِهِ } أي أزِلْ وألقِ الهجودَ أي النوم فإن صيغةَ التفعّل تجيء للإزالة كالتحرّج والتحنّث والتأثّم ونظائرِها ، والضميرُ المجرورُ للقرآن من حيث هو لا بقيد إضافتِه إلى الفجر أو البعضِ المفهوم من قوله تعالى : { وَمِنَ ٱلَّيْلِ } ، أي تهجد في ذلك البعضِ على أن الباء بمعنى في ، وقيل : منصوبٌ بتهجد أي تهجدْ بالقرآن بعضَ الليل على طريقة وإياي فارهبون { نَافِلَةً لَّكَ } فريضةً زائدةً على الصلوات الخمسِ المفروضةِ خاصةً بك دون الأمة ولعله هو الوجهُ في تأخير ذكرِها عن ذكر صلاةِ الفجر مع تقدم وقتها على وقتها أو تطوعاً ، لكن لا لكونها زيادةً على الفرائض بل لكونها زيادةً له صلى الله عليه وسلم في الدرجات على ما قال مجاهد والسدي ، فإنه عليه السلام مغفورٌ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيكون تطوعُه زيادةً في درجاته بخلاف من عداه من الأمة فإن تطوعَهم لتكفير ذنوبهم وتدارُكِ الخللِ الواقعِ في فرائضهم ، وانتصابُها إما على المصدرية بتقدير تنفّلْ أو بجعل تهجدْ بمعناه أو بجعل نافلةً بمعنى تهجداً فإن ذلك عبادةٌ زائدةٌ ، وإما على الحالية من الضمير الراجعِ إلى القرآن أي حالَ كونها صلاةً نافلةً ، وإما على المفعولية لتهجّدْ إذا جُعل بمعنى صلِّ وجعل الضميرُ المجرور للبعض ، أي فصلِّ في ذلك البعضِ نافلةً لك . { عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ } الذي يبلّغك إلى كمالك اللائقِ بك من بعد الموت الأكبرِ كما انبعثْتَ من النوم الذي هو الموتُ الأصغرُ بالصلاة والعبادة { مَقَاماً } نُصب على الظرفية على إضمار فيقيمَك ، أو تضمين البعثِ معنى الإقامة إذ لا بد من أن يكون العاملُ في مثل هذا الظرفِ فعلاً فيه معنى الاستقرارِ ، ويجوز أن يكون حالاً بتقدير مضافٍ أي يبعثك ذا مَقام { مَّحْمُودًا } عندك وعند جميعِ الناس ، وفيه تهوينٌ لمشقة قيامِ الليل . وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المقامُ المحمودُ هو المقامُ الذي أشفع فيه لأمتي " وعن ابن عباس رضي الله عنهما : مقاماً يحمَدُك فيه الأولون والآخرون وتُشرف فيه على جميع الخلائق تسأل فتُعطىٰ وتشفع فتُشفّع ليس أحدٌ إلا تحت لوائِك . وعن حذيفةَ رضي الله عنه : " يُجْمَعُ الناسُ في صَعيدٍ واحد فلا تتكلم فيه نفسٌ ، فَأَوَّلُ مَدْعُوَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم فيقولُ : " لبّـيكَ وسَعْدَيْكَ والشرُّ ليسَ إليكَ والمَهْديُّ من هَدَيْتَ وعبدُكَ بـين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجا منكَ إلا إليكَ تباركتَ وتعاليتَ سبحانك ربَّ البـيت " .