Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 95-100)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ } لهم أولاً من قِبلنا تبـيـيناً للحكمة وتحقيقاً للحق المُزيحِ للرَّيب { لَّوْ كَانَ } أي لو وجد واستقر { فِى ٱلأَرْضِ } بدل البشر { مَلَـٰئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ } قارّين فيها من غير أن يعرُجوا في السماء ويعلموا ما يجب أن يُعلم { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ ٱلسَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً } يهديهم إلى الحق ويُرشِدُهم إلى الخير لتمَكُّنهم من الاجتماع والتلقي منه ، وأما عامةُ البشر فهم بمعزل من استحقاق المفاوضةِ الملكية فكيف لا وهي منوطةٌ بالتناسب والتجانس ، فبعثُ الملكِ إليهم مزاحِمٌ للحكمة التي عليها مبنى التكوينِ والتشريع ، وإنما يُبعث الملَك من بـينهم إلى الخواصّ المختصين بالنفوس الزكية المؤيَّدين بالقوة القُدسية المتعلقين بكِلا العالَمَين الروحاني والجُسماني ليتلقَّوا من جانب ويُلْقوا إلى جانب ، وقوله تعالى : { مَلَكًا } يحتمل أن يكون حالاً من رسولاً وأن يكون موصوفاً به وكذلك بشراً في قوله تعالى : { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً } [ الإسراء ، الآية 94 ] والأولُ أولى . { قُلْ } لهم ثانياً من جهتك بعد ما قلت لهم من قِبلنا ما قلتَ وبـينتَ لهم ما تقضيه الحكمةُ في البعثة ولم يرفعوا إليه رأساً { كَفَىٰ بِٱللَّهِ } وحده { شَهِيداً } على أني أدّيتُ ما عليّ من مواجب الرسالةِ أكملَ أداءٍ وأنكم فعلتم ما فعلتم من التكذيب والعِناد ، وتوجيهُ الشهادةِ إلى كونه عليه السلام رسولاً بإظهار المعجزةِ على وفق دعواه كما اختير لا يساعده قوله تعالى : { بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ } وما بعده من التعليل ، وإنما لم يقل : بـيننا تحقيقاً للمفارقة وإبانةً للمباينة ، وشهيداً إما حالٌ أو تميـيزٌ { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ } من الرسل والمرسَلِ إليهم { خَبِيرَا بَصِيرًا } محيطاً بظواهر أحوالِهم وبواطنها فيجازيهم على ذلك وهو تعليلٌ للكفاية ، وفيه تسليةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديدٌ للكفار . { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ } كلامٌ مبتدأٌ يفصل ما أشار إليه الكلامُ السابق من مجازاة العبادِ إشارةً إجماليةً ، أي من يهدِه الله إلى الحق بما جاء من قبله من الهدى { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } إليه وإلى ما يؤدّي إليه من الثواب أو المهتدِ إلى كل مطلوب { وَمَن يُضْلِل } أي يخلُقْ فيه الضلالَ بسوء اختيارِه كهؤلاء المعاندين { فَلَن تَجِدَ لَهُمْ } أوثر ضميرُ الجماعة اعتباراً لمعنى ( مَنْ ) غِبّ ما أوثر في مقابله الإفرادُ نظراً إلى لفظها تلويحاً بوَحدة طريقِ الحقِّ وقلةِ سالكيه وتعددِ سبلِ الضلال وكثرةِ الضلال { أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ } من دون الله تعالى أي أنصاراً يهدونهم إلى طريق الحقِّ أو إلى طريق يوصلهم إلى مطالبهم الدنيويةِ والأخروية ، أو إلى طريق النجاةِ من العذاب الذي يستدعيه ضلالُهم ، على معنى لن تجدَ لأحد منهم وليًّا على ما تقتضيه قضيةُ مقابلةِ الجمعِ بالجمع من انقسام الآحادِ إلى الآحاد { وَنَحْشُرُهُمْ } التفاتٌ من الغَيبة إلى التكلم إيذاناً بكمال الاعتناءِ بأمر الحشرِ { يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } على وجوههم أو مشياً ، فقد روي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يمشون على وجوههم ؟ قال : " إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادرٌ على أن يُمشِيَهم على وجوههم " { عُمْيًا } حال من الضمير المجرورِ في الحال السابقة { وَبُكْمًا وَصُمّا } لا يُبصِرون ما يُقِرّ أعينَهم ولا ينطِقون ما يُقبل منهم ولا يسمعون ما يُلذّ مسامعَهم لما قد كانوا في الدنيا لا يستبصرون بالآيات والعبرِ ولا ينطِقون بالحق ولا يستمعونه ، ويجوز أن يُحشَروا بعد الحسابِ من الموقف إلى النار مُوفَيْ القُوى والحواسّ وأن يحشروا كذلك ثم يعاد إليهم قواهم وحواسُّهم ، فإن إدراكاتِهم بهذه المشاعرِ في بعض المواطنِ مما لا ريب فيه { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } إما حالٌ أو استئنافً وكذا قوله تعالى : { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } أي كلما سكن لهبُها بأن أكلت جلودَهم ولحومَهم ولم يبق فيهم ما تتعلق به النارُ وتحرِقه زدناهم توقداً بأن بدّلناهم جلوداً غيرَها فعادت ملتهبةً ومستعرةً ، ولعل ذلك عقوبةٌ لهم على إنكارهم الإعادةَ بعد الفناءِ بتكريرها مرةً بعد أخرى ليرَوها عِياناً حيث لم يعلموها برهاناً كما يفصح عنه قوله تعالى : { ذٰلِكَ } أي ذلك العذابُ { جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ } أي بسبب أنهم { كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } العقليةِ والنقليةِ الدالةِ على صحة الإعادةِ دَلالةً واضحةً ، فذلك مبتدأٌ وجزاؤُهم خبرُه ويجوز أن يكون مبتدأً ثانياً وبأنهم خبرُه ، والجملةُ خبراً لذلك وأن يكون جزاؤهم بدلاً من ذلك أو بـياناً له والخبرُ هو الظرف { وَقَالُواْ } منكرِين أشدَّ الإنكار { أَءذَا كُنَّا عِظَـٰماً وَرُفَـٰتاً أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } إما مصدرٌ مؤكدٌ من غير لفظِه أي لمبعوثون بعثاً جديداً وإما حالٌ أي مخلوقين مستأنَفين . { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } أي ألم يتفكروا ولم يعلموا { أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } من غير مادةٍ مع عظمهما { قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } في الصغر على أن المِثْلَ مقحَمٌ والمرادُ بالخلق الإعادةُ كما عبر عنها بذلك حيث قيل : خلقاً جديداً { وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ } عطف على أولم يروا فإنه في قوة قد رأوا ، والمعنى قد علموا أن من قدَر على خلق السموات والأرضِ فهو قادرٌ على خلق أمثالِهم من الإنس وجعل لهم ولبعثهم أجلاً محققاً لا ريب فيه هو يومُ القيامة { فَأَبَىٰ ٱلظَّـٰلِمُونَ } وُضع موضعَ الضميرِ تسجيلاً عليهم بالظلم وتجاوزِ الحدّ بالمرة { إِلاَّ كُفُورًا } أي جحوداً . { قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى } خزائنَ رزقِه التي أفاضها على كافة الموجوداتِ ، وأنتم مرتفعٌ بفعل يفسّره المذكورُ كقول حاتم : [ السريع ] @ لو ذاتُ سِوارٍ لَطَمتْني @@ وفائدة ذلك المبالغةُ والدلالةُ على الاختصاص . { إِذِاً لأمْسَكْتُمْ } لبخِلتم { خَشْيَةَ ٱلإِنفَاقِ } إذ ليس في الدنيا أحدٌ إلا وهو يختار النفعَ لنفسه ، ولو آثر غيرَه بشيء فإنما يُؤثره لِعَوض يفوقه ، فإذن هو بخيلٌ بالإضافة إلى جودِ الله سبحانه { وَكَانَ ٱلإنْسَـٰنُ قَتُورًا } مبالغاً في البخل لأن مبْنى أمرِه على الحاجة والضِّنّة بما يحتاج إليه وملاحظةِ العِوضِ بما يبذُله .