Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 13-18)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَحَنَانًا مّن لَّدُنَّا } عطف على الحُكم وتنوينُه للتفخيم وهو التحنّنُ والاشتياق ، ومن متعلقةٌ بمحذوف وقع صفةً مؤكدةً لما أفاده التنوينُ من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافيةِ ، أي وآتيناه رحمةً عظيمةً عليه كائنة من جنابنا أو رحمةً في قلبه وشفقةً على أبويه وغيرِهما { وَزَكَوٰةً } أي طهارةً من الذنوب أو صدقةً تصدقنا به على أبويه أو وفقناه للتصدق على الناس { وَكَانَ تَقِيّا } مطيعاً متجنباً عن المعاصي . { وَبَرّا بِوٰلِدَيْهِ } عطف على تقياً أي بارًّا بهما لطيفاً بهما محسناً إليهما { وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } متكبراً عاقاً لهما أو عاصياً لربه . { وَسَلَـٰمٌ عَلَيْهِ } من الله عز وجل { يَوْمَ وُلِدَ } من أن يناله الشيطانُ بما ينال به بني آدم { وَيَوْمَ يَمُوتُ } من عذاب القبر { وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } من هول القيامةِ وعذاب النار . { وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } كلامٌ مستأنَفٌ خوطب به النبـيُّ عليه الصلاة والسلام وأُمر بذكر قصة مريمَ إثرَ قصةِ زكريا لما بـينهما من كمال الاشتباكِ ، والمرادُ بالكتاب السورةُ الكريمة لا القرآنُ إذ هي التي صُدّرت بقصة زكريا المستتبعةِ لذكر قصتها وقصصِ الأنبـياء المذكورين فيها أي واذكر للناس { مَرْيَمَ } أي نَبأَها فإن الذكرَ لا يتعلق بالأعيان وقوله تعالى : { إِذِ ٱنتَبَذَتْ } ظرف لذلك المضافِ لكن لا على أن يكون المأمورُ به ذكرَ نبئها عند انتباذِها فقط ، بل كلَّ ما عُطف عليه وحُكيَ بعده بطريق الاستئنافِ ، داخلٌ في حيز الظرف متممٌ للنبأ . وقيل : بدلُ اشتمال من مريم على أن المراد بها نبأُها فإن الظروفَ مشتملةٌ على ما فيها ، وقيل : بدلُ الكل على المرادَ بالظرف ما وقع فيه ، وقيل : إذ بمعنى أن المصدرية كما في قولك : أكرمتك إذ لم تكرمني أي لأن لم تكرمني فهو بدلُ اشتمالٍ لا محالة وقوله تعالى : { مّنْ أَهْلِهَا } متعلق بانتبذت وقوله : { مَكَاناً شَرْقِياً } مفعولٌ له باعتبار ما في ضمنه من معنى الإتيانِ المترتبِ وجوداً واعتباراً على أصل معناه العاملِ في الجار والمجرور ، وهو السرُّ في تأخيره عنه أي اعتزلت وانفردت منهم وأتت مكاناً شرقياً من بـيت المقدِس أو من دارها لتتخلّى هنالك للعبادة ، وقيل : قعدت في شرُفة لتغتسل من الحيض محتجبةً بحائط أو بشيء يستُرها وذلك قوله تعالى : { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً } وكان موضعُها المسجدَ فإذا حاضت تحولت إلى بـيت خالتها وإذا طهُرت عادت إلى المسجد ، فبـينما هي في مغتسلها أتاها الملَكُ عليه الصلاة والسلام في صورة آدميَ شابّ أمردَ وضيءِ الوجه جعْدِ الشعر وذلك قوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا } أي جبريلَ عليه الصلاة والسلام عبرّ عنه بذلك توفيةً للمقام حقَّه ، وقرىء بفتح الراء لكونه سبباً لما فيه روحُ العباد الذي هو عُدّةُ المقربـين في قوله تعالى : { فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } [ الواقعة : 89 ] { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } سويَّ الخلقِ كاملَ البُنية لم يفقِدْ من حِسان نعوتِ الآدمية شيئاً ، وقيل : تمثل في صورة تِرْبٍ لها اسمُه يوسفُ من خدم بـيتِ المقدس وذلك لتستأنسَ بكلامه وتتلقّى منه ما يُلقىٰ إليها من كلماته تعالى ، إذ لو بدا لها على الصورة الملَكيةِ لنفرَتْ منه ولم تستطع مفاوضتَه . وأما ما قيل من أن ذلك لتهيـيج شهوتِها فتنحدر نطفتُها إلى رحمها فمع مخالفته لمقام بـيانِ آثارِ القدرة الخارقةِ للعادة يكذبه قوله تعالى : { قَالَتْ إِنّى أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ } فإنه شاهذٌ عدْلٌ بأنه لم يخطُر ببالها شائبةُ ميل ما إليه فضلاً عما ذُكر من الحالة المترتبة على أقصى مراتبِ الميل والشهوة ، نعم كان تمثيلُه على ذلك الحسنِ الفائقِ والجمالِ الرائقِ لابتلائها وسبْر عِفّتها ، ولقد ظهر منها من الورع والعَفافِ ما لا غايةَ وراءه ، وذكرُه تعالى بعنوان الرحمانيةِ للمبالغة في العياذ به تعالى واستجلابِ آثارِ الرحمةِ الخاصة التي هي العصمةُ مما دهِمَها وقوله تعالى : { إِن كُنتَ تَقِيّاً } أي تتقي الله تعالى وتبالي بالاستعاذة به ، وجوابُ الشرط محذوفٌ ثقةً بدلالة السياقِ عليه أي فإني عائذةٌ به أو فتعوّذْ بتعوذي أو فلا تتعرّضْ لي .