Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 39-45)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } أي يوم يتحسر الناسُ قاطبةً ، أما المسيءُ فعلى إساءته وأما المحسنُ فعلى قلة إحسانِه { إِذْ قُضِىَ ٱلأَمْرُ } أي فُرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار . روي أن النبـي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك ، فقال : " حين يجاء بالموت على صورة كبشٍ أملحَ فيذبح والفريقان ينظرون ، فينادي المنادي يا أهلَ الجنة خلودٌ فلا موت ويا أهلَ النار خلود فلا موت ، فيزداد أهلُ الجنة فرحاً إلى فرح وأهلُ النار غمًّا إلى غم " وإذ بدلٌ من يومَ الحسرة أو ظرفٌ للحسرة فإن المصدرَ المعرّفَ باللام يعمل في المفعول الصريح عند بعضِهم فكيف بالظرف { وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ } أي عما يُفعل بهم في الآخرة { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } وهما جملتان حاليتان من الضمير المستتر في قوله تعالى : { فِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي مستقرون في ذلك وهم في تينك الحالتين ، وما بـينهما اعتراضٌ ، أو من مفعول أنذِرْهم أي أنذرهم غافلين غيرَ مؤمنين فيكون حالاً متضمنةً لمعنى التعليل . { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا } لا يبقى لأحد غيرِنا عليها وعليهم مُلكٌ ولا مَلِك ، أو نتوفى الأرضَ ومن عليها بالإفناء والإهلاك توَفيَ الوارثِ لإرثه { وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } أي يُردّون للجزاء لا إلى غيرنا استقلالاً أو اشتراكاً . { وَٱذْكُرْ } عطف على أنذِرْهم { فِى ٱلْكِتَـٰبِ } أي في السورة أو في القرآن { إِبْرَاهِيمَ } أي اتلُ على الناس قصته وبلِّغها إياهم كقوله تعالى : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرٰهِيمَ } [ الشعراء : 69 ] فإنهم ينتمون إليه عليه السلام فعساهم باستماع قصته يُقلِعون عما هم فيه من القبائح { إِنَّهُ كَانَ صِدّيقاً } ملازماً للصدق في كل ما يأتي ويذر ، أو كثيرَ التصديق لكثرة ما صدّق به غيوبَ الله تعالى وآياتِه وكتبَه ورسلَه ، والجملةُ استئنافٌ مسَوقٌ لتعليل موجبِ الأمر فإن وصفه عليه السلام بذلك من دواعي ذكرِه { نَبِيّاً } خبرٌ آخرُ لكان مقيدٌ للأول مخصِّصٌ له كما ينبىء عنه قوله تعالى : { مّنَ ٱلنَّبِيّينَ وَٱلصّدّيقِينَ } [ النساء : 69 ] ، أي كان جامعاً بـين الصدّيقية والنبوة ولعل هذا الترتيبَ للمبالغة في الاحتراز عن توهم تخصيصِ الصدّيقية بالنبوة فإن كلَّ نبـيَ صديقٌ . { إِذْ قَالَ } بدلُ اشتمالٍ من إبراهيمَ وما بـينهما اعتراضٌ مقررٌ لما قبله أو متعلق بكان أو بنبـياً ، وتعليقُ الذكر بالأوقات مع أن المقصودَ تذكيرُ ما وقع فيها من الحوادث قد مر سرُّه مراراً ، أي كان جامعاً بـين الأثَرتين حين قال { لأَبِيهِ } آزرَ متلطفاً في الدعوة مستميلاً له { يٰأَبَتِ } أي با أبـي فإن التاء عوضٌ عن ياء الإضافة ولذلك لا يجتمعان ، وقد قيل : يا أبتا لكون الألف بدلاً من الياء { لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ } ثناءَك عليه عند عبادتِك له وجؤارِك إليه { وَلاَ يَبْصِرُ } خضوعَك وخشوعَك بـين يديه ، أو لا يسمع ولا يبصر شيئاً من المسموعات والمُبصَرات فيدخُل في ذلك ما ذكر دخولاً أولياً { وَلاَ يُغْنِى } أي لا يقدر على أن يغنيَ { عَنكَ شَيْئاً } في جلب نفعٍ أو دفع ضُرّ ، ولقد سلك عليه السلام في دعوته أحسنَ منهاجٍ وأقومَ سبـيل ، واحتج بحسن أدبٍ وخلقٍ جميل لئلا يركبَ متنَ المكابرة والعناد ولا يُنكّبَ بالكلية عن مَحَجّة الرشاد ، حيث طَلب منه علةَ عبادتِه لِما يستخفّ به عقلُ كل عاقل من عالم وجاهلٍ ويأبى الركونّ إليه ، فضلاً عن عبادته التي هي الغايةُ القاصية من التعظيم مع أنها لا تحِقّ إلا لمن له الاستغناءُ التامُّ والإنعامُ العام : الخالقِ الرازقِ المحيـي المميتِ المثيبِ المعاقب ، ونبّه على أن العاقل يجب أن يفعل كلَّ ما يفعل لداعيةٍ صحيحة وغرضٍ صحيح ، والشيءُ لو كان حياً مميّزاً سميعاً بصيراً قادراً على النفع والضرِّ مطيقاً بإيصال الخير والشر لكن كان ممكِناً لاستنكف العقلُ السليمُ عن عبادته ، وإن كان أشرفَ الخلائق لما يراه مِثْلَه في الحاجة والانقيادِ للقدرة القاهرةِ الواجبة ، فما ظنُّك بجماد مصنوع من حجر أو شجر ليس له من أوصاف الإحياءِ عينٌ ولا أثرٌ ثم دعاه إلى أن يتبعه ليهديَه إلى الحق المبـين ، لِما أنه لم يكن محفوظاً من العلم الإلٰهي مستقلاً بالنظر السويّ مصدّراً لدعوته بما مر من الاستمالة والاستعطاف حيث قال : { يٰأَبَتِ إِنّى قَدْ جَاءنِى مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ } ولم يسِمْ أباه بالجهل المُفرِط وإن كان في أقصاه ولا نفسَه بالعلم الفائق وإن كان كذلك ، بل أبرز نفسه في صورة رفيقٍ له أعرفَ بأحوال ما سلكاه من الطريق ، فاستماله برفق حيث قال : { فَٱتَّبِعْنِى أَهْدِكَ صِرٰطَاً سَوِيّاً } أي مستقيماً موصلاً إلى أسنى المطالب منجياً عن الضلال المؤدّي إلى مهاوي الردى والمعاطب ، ثم ثبّطه عما كان عليه بتصويره بصورة يستنكرها كلُّ عاقل ببـيانِ أنه مع عرائه عن النفع بالمرة مستجلبٌ لضرر عظيم ، فإنه في الحقيقة عبادةُ الشيطان لِما أنه الآمرُ به فقال : { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَـٰنَ } فإن عبادتك للأصنام عبادةٌ له إذ هو الذي يسولها لك ويغريك عليها وقوله : { إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } تعليلٌ لموجب النهي وتأكيدٌ له ببـيان أنه مستعصٍ على ربك الذي أنعم عليك بفنون النعم ، ولا ريب في أن المطيعَ للعاصي عاصٍ وكلُّ مَن هو عاصٍ حقيقٌ بأن يسترد منه النعم وينتقم منه ، والإظهارُ في موضع الإضمار لزيادة التقريرِ ، والاقتصارُ على ذكر عصيانه من بـين سائر جناياتِه لأنه مَلاكُها أو لأنه نتيجةُ معاداتِه لآدمَ عليه السلام وذريته ، فتذكيرُه داعٍ لأبـيه إلى الاحتراز عن موالاته وطاعته والتعرضُ لعنوان الرحمانية لإظهار كمالِ شناعة عصيانِه . وقوله : { يٰأَبَتِ إِنّى أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } تحذيرٌ من سوء عاقبةِ ما كان عليه من عبادة الشيطان وهو ابتلاؤُه بما ابتُليَ به معبودُه من العذاب الفظيع ، وكلمةُ مِن متعلقةٌ بمضمر وقع صفةً للعذاب مؤكدةٌ لما أفاده التنكيرُ من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية ، وإظهارُ الرحمٰنِ للإشعار بأن وصفَ الرحمانية لا يدفع حلولَ العذاب كما في قوله عز وجل : { مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ ٱلْكَرِيمِ } [ الانفطار : 6 ] { فَتَكُونَ لِلشَّيْطَـٰنِ وَلِيّاً } أي قريناً له في اللعن المخلّد ، وذكرُ الخوف للمجاملة وإبرازِ الاعتناء بأمره .