Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 5-6)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِنّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِىَ } عطف على قوله تعالى : { إِنّى وَهَنَ ٱلْعَظْمُ } مترتبٌ مضمونُه على مضمونه فإنه ضَعفَ القُوى وكِبَر السنِّ من مبادىء خوفه عليه السلام مِمّن يلي أمرَه بعد موته ، ومواليه بنو عمه وكانوا أشرارَ بني إسرائيلَ فخاف أن لا يُحسِنوا خلافتَه في أمته ويبدّلوا عليهم دينَهم ، وقوله : { مِن وَرَائِى } أي بعد موتي متعلقٌ بمحذوف ينساق إليه الذهنُ ، أي فِعلَ الموالي من بعدي أو جَوْرَ الموالي وقد قرىء كذلك ، أو بما في الموالي من معنى الوِلاية ، أي خِفتُ الذين يلون الأمرَ من ورائي لا بخِفْتُ لفساد المعنى ، وقرىء ورايَ بالقصر وفتح الياء ، وقرىء خفّت الموالي من ورائي أي قلوا وعجَزوا عن القيام بأمور الدين بعدي ، أو خفّت الموالي القادرون على إقامة مراسمِ الملة ومصالحِ الأمة من خفَّ القومُ أي ارتحلوا مسرعين أي درَجوا قُدّامي ولم يبقَ منهم من به تَقوَ واعتضادٌ ، فالظرفُ حينئذ متعلقٌ بِخفّتْ { وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِى عَاقِرًا } أي لا تلد من حينِ شبابها . { فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ } كلا الجارّين متعلقٌ بهب لاختلاف معنيـيهما ، فاللام صلةٌ له ومِنْ لابتداء الغاية مجازاً ، وتقديمُ الأول لكون مدلولِه أهمَّ عنده ويجوز تعلّقُ الثاني بمحذوف وقع حالاً من المفعول ، ولدن في الأصل ظرفٌ بمعنى أولِ غايةِ زمانٍ أو مكان أو غيرهما من الذوات ، وقد مر تفصيلُه في أوائل سورة آل عمران ، أي أعطِني من محض فضلِك الواسعِ وقدرتِك الباهرةِ بطريق الاختراعِ لا بواسطة الأسباب العادية { وَلِيّاً } أي ولداً من صُلبـي ، وتأخيرُه عن الجارَّين لإظهار كمالِ الاعتناءِ بكون الهبةِ له على ذلك الوجه البديعِ مع ما فيه من التشويق إلى المؤخر ، فإن ما حقُّه التقديمُ إذا أُخّر تبقى النفسُ مستشرِفةً له فعند ورودِه لها يتمكن عندها فضلُ تمكنٍ ، ولأن فيه نوعَ طولٍ بما بعده من الوصف فتأخيرُهما عن الكل أو توسيطُهما بـين الموصوف والصفه مما لا يليق بجزالة النظمِ الكريم ، والفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، فإن ما ذكرَه عليه الصلاة والسلام من كِبَر السنِّ وضَعف القُوى وعقرِ المرأة موجبٌ لانقطاع رجائِه عليه السلام عن حصول الولدِ بتوسط الأسبابِ العادية واستيهابِه على الوجه الخارِق للعادة ، ولا يقدح في ذلك أن يكون هنا داعٍ آخرُ إلى الإقبال على الدعاء المذكورِ من مشاهدته عليه السلام للخوارق الظاهرةِ في حق مريمَ كما يُعرب عنه قوله تعالى : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ } [ آل عمران ، الآية 38 ] ، وعدمُ ذكرِه هٰهنا للتعويل على ذكره هناك كما أن عدمَ ذكر مقدمةِ الدعاء هناك للاكتفاء بذكره هٰهنا ، فإن الاكتفاءَ بما ذكر في موطن عما تُرك في موطن آخرَ من النكت التنزيلية . وقوله تعالى : { يَرِثُنِى } صفةٌ لولياً ، وقرىء هو وما عطف عليه بالجزم جواباً للدعاء ، أي يرثني من حيث العلمُ والدينُ والنبوةُ فإن الأنبـياءَ عليهم الصلاة والسلام لا يورِّثون المالَ ، قال صلى الله عليه وسلم : " نحن معاشرَ الأنبـياءِ لا نورَث ، ما تركنا صدقةٌ " ، وقيل : يرثني الحُبورة وكان عليه السلام حِبْراً . { وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ } يقال : ورِثه وورِث منه لغتان ، وآلُ الرجل خاصّته الذين يؤُول إليه أمرُهم للقرابة أو الصُّحبة أو الموافقة في الدين ، وكانت زوجةُ زكريا أختَ أمِّ مريمَ ، أي ويرث منهم الملكَ ، قيل : هو يعقوبُ بنُ إسحاقَ بن إبراهيمَ عليهم الصلاة والسلام ، وقال الكلبـي ومقاتل : هو يعقوبُ بنُ ماثانَ أخو عمرانَ بنِ ماثان من نسل سليمانَ عليه السلام ، وكان آلُ يعقوب أخوالَ يحيـى بنِ زكريا ، قال الكلبـي : كان بنو ماثانَ رؤوسَ بني إسرائيلَ وملوكَهم ، وكان زكريا رئيسَ الأحبار يومئذ فأراد أن يرثه ولدُه حبورتَه ويرثَ من بني ماثان ملكَهم ، وقرىء ويرث وارثَ آلِ يعقوب على أنه حالٌ من المستكن في يرث ، وقرىء أو يرث آل يعقوب بالتصغير ففيه إيماءٌ إلى وراثته عليه السلام لما يرثه في حالة صِغَره ، وقرىء وارثٌ من آل يعقوب على أنه فاعلُ يرثني على طريقة التجريد أي يرثني به وارثٌ ، وقيل : من للتبعيض إذ لم يكن كلُّ آل يعقوبَ عليه السلام أنبـياءَ ولا علماءَ { وَٱجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً } مرضياً عندك قولاً وفعلاً ، وتوسيطُ ربِّ بـين مفعولي اجعَلْ للمبالغة في الاعتناء بشأن ما يستدعيه .