Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 83-87)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } تعجيبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما نطَقت به الآياتُ الكريمةُ السالفةُ وحكتْه عن هؤلاء الكفرةِ الغُواة والمَرَدةِ العُتاةِ من فنون القبائِح من الأقاويل والأفاعيلِ ، والتمادي في الغي ، والانهماكِ في الضلال ، والإفراطِ في العِناد ، والتصميمِ على الكفر من غير صارفٍ يَلويهم ولا عاطفٍ يثنيهم ، والإجماعِ على مدافعة الحقّ بعد اتضاحِه وانتفاءِ الشك عنه بالكلية ، وتنبـيهٌ على أن جميعَ ذلك منهم بإضلال الشياطينِ وإغوائِهم لا لأن مسوِّغاً ما في الجملة ، ومعنى إرسالِ الشياطينِ عليهم إما تسليطُهم عليهم وتمكينُهم من إضلالهم وإما تقيـيضُهم لهم ، وليس المرادُ تعجيبَه عليه السلام من إرسالهم عليهم كما يوهمه تعليقُ الرؤية به ، بل مما ذُكر من أحوال الكفرةِ من حيث كونُها من آثار إغواءِ الشياطينِ كما ينبىء عنه قوله تعالى : { تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } فإنه إما حالٌ مقدّرةٌ من الشياطين أو استئنافٌ وقع جواباً عما نشأ من صدر الكلامِ ، كأنه قيل : ماذا يفعل الشياطينُ بهم حينئذ ؟ فقيل : تؤزّهم أي تُغريهم وتُهيّجهم على المعاصي تهيـيجاً شديداً بأنواع الوساوسِ والتسويلات ، فإن الأزَّ والهزّ والاستفزازَ أخواتٌ معناها شدةُ الإزعاج . { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ } أي بأن يُهلَكوا حسبما تقتضيه جناياتُهم ويَبـيدوا عن آخرهم وتطهُرَ الأرض من فساداتهم ، والفاء للإشعار بكون ما قبلها مَظِنّةً لوقوع المنهيِّ مُحوِجةً إلى النهي كما في قوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ } [ مريم : 84 ] وقوله تعالى : { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } تعليلٌ لموجب النهي ببـيان اقترابِ هلاكهم أي لا تستعجلْ بهلاكهم فإنه لم يبقَ لهم إلا أيامٌ وأنفاسٌ نعدّها عداً . { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ } منصوبٌ على الظرفية بفعل مؤخّرٍ قد حُذف للإشعار بضيق العبارةِ عن حصره وشرحِه لكمال فظاعةِ ما يقع فيه من الطامّة والدواهي العامة ، كأنه قيل : يوم نحشر المتقين أي نجمعهم { إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ } إلى ربهم الذي يغمرُهم برحمته الواسعة { وَفْداً } وافدين عليه كما يفد الوفودُ على الملوك منتظِرين لكرامتهم وإنعامِهم . { وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ } كما تُساق البهائم { إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } عِطاشاً فإن مَنْ يرد الماءَ لا يورِدُه إلا العطشُ ، أو كالدوابّ التي ترِد الماءَ نفعل بالفريقين من الأفعال ما لا يخفى ببـيانه نطاقُ المقال ، وقيل : منصوبٌ على المفعولية بمضمر مقدمٍ خوطب به النبـيُّ صلى الله عليه وسلم ، أي اذكر لهم بطريق الترغيبِ والترهيبِ يوم نحشر الخ ، وقيل : على الظرفية لقوله تعالى : { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَـٰعَةَ } والذي يقتضيه مقامُ التهويلِ وتستدعيه جزالةُ التنزيل أن ينتصبَ بأحد الوجهين الأولَين ويكونُ هذا استئنافاً مبـيناً لبعض ما فيه من الأمور الدالةِ على هوله ، وضميرُه عائداً إلى العباد المدلولِ عليهم بذكر الفريقين لانحصارهم فيهما ، وقيل : إلى المتقين خاصة ، وقيل : إلى المجرمين من الكفرة وأهلِ الإسلام ، والشفاعةُ على الأولين مصدرٌ من المبنيّ للفاعل وعلى الثالث ينبغي أن تكون مصدراً من المبنيّ للمفعول وقوله تعالى : { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } على الأول استثناءٌ متصلٌ مِن لا يملكون ، ومحلُّ المستثنى إما الرفعُ على البدل أو النصبُ على أصول الاستثناءِ والمعنى لا يملك العبادُ أن يشفعوا لغيرهم إلا من استعَدّ له بالتحلّي بالإيمان والتقوى أو من أُمر بذلك ، من قولهم : عهدِ الأميرُ إلى فلان بكذا إذا أمرَه به ، فيكون ترغيباً للناس في تحصيل الإيمانِ والتقوى المؤدِّي إلى نيل هذه الرتبةِ ، وعلى الثاني استثناءٌ من الشفاعة على حذف المضافِ والمستثنى منصوبٌ على البدل أو على أصل الاستثناءِ ، أي لا يملك المتقون الشفاعةَ إلا شفاعةَ من اتخذ العهد بالإسلام فيكون ترغيباً في الإسلام ، وعلى الثالث استثناءٌ مِنْ لا يملكون أيضاً والمستثنى مرفوعٌ على البدل أو منصوبٌ على الأصل والمعنى لا يملك المجرمون أن يَشفع لهم إلا مَنْ كان منهم مسلماً .