Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 124-128)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى } أي عن الهدى الذاكرِ لي والداعي إليّ { فَإِنَّ لَهُ } في الدنيا { مَعِيشَةً ضَنكاً } ضيقاً ، مصدرٌ وصف به ولذلك يستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ ، وقرىء ضنْكىٰ كسَكْرى وذلك لأن مجامعَ همتِه ومطامحَ نظرِه مقصورةٌ على أعراض الدنيا وهو متهالكٌ على ازديادها وخائفٌ على انتقاصها بخلاف المؤمنِ الطالبِ للآخرة ، مع أنه قد يضيق الله تعالى بشؤم الكفر ويوسع ببركة الإيمان كما قال تعالى : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } [ البقرة : 61 ] وقال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 96 ] وقال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ ءامَنُواْ } إلى قوله تعالى : { لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } وقيل : هو الضَّريعُ والزقومُ في النار ، وقيل : عذاب القبر { وَنَحْشُرُهُ } وقرىء بسكون الهاء على لفظ الوقفِ وبالجزم عطفاً على محل ( فإن له معيشةً ضنكاً ) لأنه جواب الشرط { يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ } فاقدَ البصر كما في قوله تعالى : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا } [ الإسراء : 97 ] لا أعمى عن الحجة كما قيل { قَالَ } استئنافٌ كما مر { رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } أى في الدنيا ، وقرىء أعمى بالإمالة في الموضعين وفي الأول فقط لكونه جديراً بالتغيـير لكونه رأسَ الآية ومحلَّ الوقف . { قَالَ كَذٰلِكَ } أي مثلَ ذلك فعلتَ أنت ثم فسره بقوله تعالى : { أَتَتْكَ ايَـٰتُنَا } واضحةً نيِّرةً بحيث لا تخفى على أحد { فَنَسِيتَهَا } أي عَمِيتَ عنها وتركتها ترْكَ المنسيِّ الذي لا يُذكر أصلاً { وَكَذٰلِكَ } ومثلَ ذلك النسيانِ الذي كنت فعلته في الدنيا { ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } تترك في العمى جزاءً وفاقاً لكن لا أبداً كما قيل بل إلى ما شاء الله ، ثم يزيله عنه فيرى أهوالَ القيامة ويشاهد مقعدَه في النار ويكون ذلك له عذاباً فوق العذاب ، وكذا البَكَم والصمَمُ يزيلهما الله تعالى عنهم { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } [ مريم : 38 ] { وَكَذٰلِكَ } أي مثلَ ذلك الجزاءِ الموافقِ للجناية { نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ } بالإنهماك في الشهوات { وَلَمْ يُؤْمِن بِـئَايَـٰتِ رَبّهِ } بل كذبها وأعرض عنها { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ } على الإطلاق أو عذابُ النار { أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ } أي من ضنْك العيشِ أو منه ومن الحشر على العمى . { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ ٱلْقُرُونِ } كلامٌ مستأنفٌ مَسوقٌ لتقرير ما قبله من قوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ نَجْزِى } الآية ، والهمزةُ للإنكارالتوبـيخي والفاءُ للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، واستعمالُ الهداية باللام إما لتنزيلها منزلةَ اللام فلا حاجةَ إلى المفعول أو لأنها بمعنى التبـيـين والمفعولُ محذوفٌ ، وأياً ما كان فالفاعلُ هو الجملة بمضمونها ومعناها وضمير لهم للمشركين المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمعنى أغَفلوا فلم يَفعل الهدايةَ لهم أو فلم يبـين لهم مآلَ أمرِهم كثرةُ إهلاكنا للقرون الأولى وقد مر في قوله عز وجل : { أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا } [ الأعراف : 100 ] ، وقيل : الفاعلُ الضميرُ العائد إلى الله عز وجل ويؤيده القراءةُ بنون العظمة وقوله تعالى : { كَمْ أَهْلَكْنَا } الخ ، إما معلِّقٌ للفعل سادٌّ مسدَّ مفعولِه أو مفسّرٌ لمفعوله المحذوف هكذا قيل ، والأوجهُ أن لا يُلاحَظَ مفعولٌ كأنه قيل : أفلم يفعلِ الله تعالى لهم الهدايةَ ؟ ثم قيل بطريق الالتفاتِ : كم أهلكنا الخ بـياناً لتلك الهدايةِ ، ومن القرى في محل النصبِ على أنه وصفٌ لممُيِّزِكَم أي كم قرناً كائناً من القرون وقوله تعالى : { يَمْشُونَ فِى مَسَـٰكِنِهِمْ } حالٌ من القرون أو من مفعول أهلكْنا ، أي أهلكناهم وهم في حال أمنٍ وتقلّبٍ في ديارهم أو من الضمير في لهم مؤكدٌ للإنكار والعاملُ يهد ، والمعنى أفلم يهد لهم إهلاكُنا للقرون السالفة من أصحاب الحِجْر وثمودَ وقُريّات قوم لوطٍ حالَ كونهم ماشين في مساكنهم إذا سافروا إلى الشام مشاهدين لآثار هلاكِهم ، مع أن ذلك مما يوجب أن يهتدوا إلى الحق فيعتبروا لئلا يحِلَّ بهم مثلُ ما حل بأولئك ، وقرىء يُمْشَوْن على البناء للمفعول أي يمكثون على المشي { إِنَّ فِى ذَلِكَ } تعليلٌ للإنكار وتقريرٌ للهداية مع عدم اهتدائِهم ، وذلك إشارةٌ إلى مضمون قوله تعالى : { كَمْ أَهْلَكْنَا } الخ ، وما فيه من معنى البُعد للإشعار ببُعْد منزلتِه وعلوِّ شأنه في بابه { لآيَاتٍ } كثيرةً عظيمةً واضحاتِ الهداية ظاهراتِ الدِلالة على الحق ، فإذن هو هادٍ وأيُّما هادٍ ويجوز أن تكون كلمةُ في تجريدية فافهم { لأُوْلِى ٱلنُّهَىٰ } لذوي العقولِ الناهيةِ عن القبائح التي من أقبحها ما يتعاطاه كفارُ مكّة من الكفر بآيات الله تعالى والتعامي عنها وغيرِ ذلك من فنون المعاصي ، وفيه دلالةٌ على أن مضمونَ الجملة هو الفاعلُ لا المفعول .