Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 4-5)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { تَنْزِيلاً } مصدرٌ مؤكدٌ لمضمر مستأنفٌ مقرّر لما قبله ، أي نُزّل تنزيلاً أو لما تفيده الجملةُ الاستثنائيةُ فإنها متضمِّنةٌ لأن يقال : أنزلناه للتذكرة والأولُ هو الأنسبُ بما بعده من الالتفات أو منصوبٌ على المدح والاختصاص ، وقيل : هو منصوبٌ بـيخشى على المفعولية أي يخشى تنزيلاً من الله تعالى ، وأنت خبـير بأن تعليقَ الخشيةِ والخوفِ ونظائرِهما بمطلق التنزيلِ غيرُ معهودٍ ، نعم قد يعلق ذلك ببعض أجزائه المشتملة على الوعيد ونظائرِه كما في قوله تعالى : { يَحْذَرُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم } [ التوبة : 64 ] ، وقيل : هو بدلٌ من تذكرةً لكن لا على أنه مفعولٌ له لأنزلنا إذ لا يعلل الشيءُ بنفسه ولا بنوعه ، بل على أنه مصدرٌ بمعنى الفاعل واقعٌ موقعَ الحال من الكاف في عليك أو من القرآن ، ولا مساغَ له إلا بأن يكون قيداً لأنزلنا بعد تقيّده بالقيد الأول وقد عرفت حاله فيما سلف ، وقرىء تنزيلٌ على أنه خبر لمبتدأ محذوف ومِنْ في قوله تعالى : { مّمَّنْ خَلَق ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَـٰوٰتِ ٱلْعُلَى } متعلقةٌ بتنزيلاً أو بمضمر هو صفةٌ له مؤكدةٌ لما في تنكيره من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية ، ونسبةُ التنزيلِ إلى الموصول بطريق الالتفات إلى الغَيبة بعد نسبته إلى نون العظمة لبـيان فخامتِه تعالى بحسب الصفات والأفعال إثرَ بـيانها بحسب الذات بطريق الإبهامِ ، ثم التفسيرِ لزيادة تحقيق وتقريرٍ ، وتخصيصُ خلقِهما بالذكر مع أن المراد خلقُهما بجميع ما يتعلق بهما كما يفصح عنه قوله تعالى : { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ طه : 6 ] ، لأصالتهما واستتباعِهما لما عداهما ، وتقديمُ الأرض لكونه أقربَ إلى الحس وأظهرَ عنده ، ووصفُ السمواتِ بالعُلا وهو جمعُ العليا تأنيثُ الأعلى لتأكيد الفخامةِ مع ما فيه من مراعاة الفواصل ، وكل ذلك إلى قوله تعالى : { لَهُ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } [ طه : 8 ] مَسوقٌ لتعظيم شأنِ المنزِّل عز وجل المستتبعِ لتعظيم شأنِ المنزَّل الداعي إلى تربـية المهابةِ ، وإدخالِ الروعةِ المؤديةِ إلى استنزال المتمرّدين عن رتبة العتوِّ والطُّغيان واستمالِتهم نحو الخشية المُفْضِية إلى التذكرة والإيمان . { ٱلرَّحْمَـٰنُ } رُفع على المدح أي هو الرحمٰنُ وقد عرفت في صدر سورةِ البقرة أن المرفوعَ مدحاً في حكم الصفةِ الجاريةِ على ما قبله وإن لم يكن تابعاً له في الإعراب ، ولذلك التزموا حذفَ المبتدأ ليكون في صورة متعلّق من متعلقاته وقد قرىء بالجر على أنه صفةٌ صريحةٌ للموصول ، وما قيل من أن الأسماءَ الناقصةَ لا يوصف منها إلا الذي وحده مذهب الكوفيـين ، وأياً ما كان فوصفُه بالرحمانية إثرَ وصفِه بخالقية السموات والأرض للإشعار بأن خلقَهما من آثار رحمته تعالى كما أن قوله تعالى : { رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ } [ النبأ : 37 ] للإيذان بأن ربوبـيتَه تعالى بطريق الرحمةِ ، وفيه إشارةٌ إلى أن تنزيلَ القرآنِ أيضاً من أحكام رحمتِه تعالى كما ينبّىء عنه قوله تعالى : { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْءانَ } [ الرحمن : 1 - 2 ] . أو رفع على الابتداء واللامُ للعهد والإشارةِ إلى الموصول ، والخبرُ قوله تعالى : { عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } وجعلُ الرحمة عنوانَ الموضوع الذي شأنُه أن يكون معلومَ الثُبوت للموضوع عند المخاطَب للإيذان بأن ذلك أمرٌ بـيّن لا سُتْرَةَ به غنيٌّ عن الإخبار به صريحاً ، وعلى متعلقةٌ باستوى قدِّمت عليه لمراعاة الفواصِل ، والجارُّ والمجرور على الأول خبرُ مبتدأ محذوفٍ كما في قراءة الجرِّ وقد جُوِّز أن يكون خبراً بعد خبر ، والاستواءُ على العرش مجازٌ عن المُلك والسلطان ومتفرِّعٌ على الكناية فيمن يجوّز عليه القعودَ على السرير ، يقال : استوى فلانٌ على سرير الملك يراد به مَلَك وإن لم يقعُدْ على السرير أصلاً ، والمرادُ بـيانُ تعلقِ إرادتِه الشريفة بإيجاد الكائنات وتدبـيرِ أمرها .