Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 85-86)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ } استئنافٌ مبني على سؤال نشأ من حكاية اعتذارِه عليه الصلاة والسلام وهو السرُّ في وروده على صيغة الغائبِ ، لا أنه التفاتٌ من التكلم إلى الغَيبة لما أن المقدرَ فيما سبق من الموضعين على صيغة التكلم ، كأنه قيل من جهة السامعين : فماذا قال له ربه حينئذ ؟ فقيل : قال : { فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } أي ابتليناهم بعبادة العِجل من بعد ذهابك من بـينهم وهم الذين خلّفهم مع هارونَ عليه الصلاة والسلام ، وكانوا ستَّمائة ألفٍ ما نجا منهم من عبادة العجل إلا اثنا عشرَ ألفاً ، والفاءُ لترتيب الإخبار بما ذكر من الابتلاء على إخبار موسى عليه الصلاة والسلام بعجَلته لكن لا لأن الإخبارَ بها سببٌ موجبٌ للإخبار به ، بل لما بـينهما من المناسبة المصحِّحة للانتقال من أحدهما إلى الآخر من حيث إن مدارَ الابتلاءِ المذكور عجَلةُ القوم ، فإنه روي أنهم أقاموا على ما وصّى به موسى عليه الصلاة والسلام عشرين ليلةً بعد ذهابه فحسَبوها مع أيامها أربعين ، وقالوا : قد أكملنا العدةَ وليس من موسى عليه الصلاة والسلام عينٌ ولا أثر { وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِىُّ } حيث كان هو المدبرَ في الفتنة فقال لهم : إنما أخلفَ موسى عليه الصلاة والسلام ميعادَكم لما معكم من حُلِيّ القوم وهو حرامٌ عليكم فكان من أمر العجل ما كان ، فإخبارُه تعالى بوقوع هذه الفتنةِ عند قدومِه عليه الصلاة والسلام إما باعتبار تحققِها في علمه تعالى ومشيئتِه ، وإما بطريق التعبـيرِ عن المتوقَّع بالواقع كما في قوله تعالى : { وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } [ الأعراف : 44 ] ونظائرِه ، أو لأن السامريَّ كان قد عزم على إيقاع الفتنةِ عند ذهاب موسى عليه الصلاة والسلام وتصدّى لترتيب مبانيها وتمهيدِ مباديها فكانت الفتنةُ واقعةً عند الإخبار بها ، وقرىء وأضلُّهم السامريُّ على صيغة التفضيلِ أي أشدُّهم ضلالاً لأنه ضالٌّ ومُضلٌّ ، والسامريُّ منسوبٌ إلى قبـيلة من بني إسرائيلَ يقال لها السامرة ، وقيل : كان عِلْجاً من كَرْمان ، وقيل : من أهل باجرما واسمُه موسى بنُ ظفر وكان منافقاً قد أظهر الإسلام وكان من قوم يعبدون البقر . { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ } عند رجوعِه المعهود أي بعدما استوفى الأربعين وأخذ التوراة لا عَقيبَ الإخبار بالفتنة ، فسببـيةُ ما قبل الفاء لما بعدها إنما هي باعتبار قيد الرجوعِ المستفاد من قوله تعالى : { غَضْبَـٰنَ أَسِفًا } لا باعتبار نفسه وإن كانت داخلةً عليه حقيقةً فإن كونَ الرجوعِ بعد تمام الأربعين أمرٌ مقرّرٌ مشهورٌ لا يذهب الوهمُ إلى كونه عند الإخبار بالفتنة ، كما إذا قلتَ : شايعتُ الحُجاجَ ودعوتُ لهم بالسلامة فرجعوا سالمين ، فإن أحداً لا يرتاب في أن المراد رجوعُهم المعتادُ لا رجوعُهم إثرَ الدعاء وأن سببـيةَ الدعاءِ باعتبار وصفِ السلامة لا باعتبار نفس الرجوعِ ، والأسِفُ : الشديدُ الغضب ، وقيل : الحزين { قَالَ } استئنافٌ مبني على سؤال ناشىء من حكاية رجوعِه كذلك ، كأنه قيل : فماذا فَعل بهم ؟ فقيل : قال : { قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } بأن يُعطيَكم التوارةَ فيها ما فيها من النور والهدى ، والهمزةُ لإنكار عدم الوعدِ ونفيِه وتقريرِ وجودِه على أبلغ وجه وآكَدِه ، أي وعَدكم بحيث لا سبـيلَ لكم إلى إنكاره ، والفاء في قوله تعالى : { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ } أي الزمان للعطف على مقدر والهمزةُ لإنكار المعطوفِ ونفيه فقط ، أي أوعدكم ذلك فطال زمانُ الإنجاز فأخطأتم بسببه { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ } أي يجبَ { عَلَيْكُمْ غَضَبٌ } شديدٌ لا يقادرَ قدرُه كائنٌ { مّن رَّبّكُمْ } أي من مالك أمرِكم على الإطلاق { فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِى } أي وعْدَكم إياي بالثبات على ما أمرتُكم به إلى أن أرجِع من الميقات على إضافة المصدرِ إلى مفعوله للقصد إلى زيادة تقبـيحِ حالِهم ، فإن إخلافَهم الوعدَ الجاريَ فيما بـينهم وبـينه عليه السلام من حيث إضافتُه إليه عليه السلام أشنعُ منه من حيث إضافتُه إليهم ، والفاءُ لترتيب ما بعدها على كل واحد من شِقَّي الترديد على سبـيل البدلِ ، كأنه قيل : أنسيتم الوعدَ بطول العهد فأخلفتموه خطأً أم أردتم حلولَ الغضب عليكم فأخلفتموه عمْداً ؟ وأما جعلُ الموعدِ مضافاً إلى فاعله وحملُ إخلافه على معنى وجدانِ الخلُف فيه ، أي فوجدتم الخُلفَ في موعدي لكم بالعَود بعد الأربعين فما لا يساعده السباقُ ولا السياق أصلاً .