Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 14-17)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالُواْ } لما يئسوا من الخلاص بالهرب وأيقنوا بنزول العذاب { يا ويلنا } أي هلاكَنا { إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } أي مستوجِبـين للعذاب ، وهذا اعترافٌ منهم بالظلم وباستتباعه للعذاب وندمٌ عليه حين لم ينفعْهم ذلك . { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } أي فما زالوا يرددون تلك الكلمةَ ، وتسميتُها دعوى أيْ دعوةً لأن المُوَلولَ كأنه يدعو الويلَ قائلاً : يا ويل تعالَ فهذا أوانُك { حَتَّىٰ جَعَلْنَـٰهُمْ حَصِيداً } أي مثلَ الحصيدِ وهو المحصودُ من الزرع والنبت ولذلك لم يُجمع { خَـٰمِدِينَ } أي ميتين من خمَدت النارُ إذا طَفِئت وهو مع حصيداً في حيز المفعول الثاني للجعْل ، كقولك : جعلتُه حُلْواً حامضاً ، والمعنى جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيدِ والخمود ، أو حالٌ من الضمير المنصوب في جعلناهم أو من المستكنّ في حصيداً أو صفة لحصيداً لتعدّده معنًى لأنه في حكم جعلناهم أمثالَ حصيد . { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضَ } إشارةٌ إجماليةٌ إلى أن تكوينَ العالمَ وإبداعَ بني آدمَ مؤسسٌ على قواعد الحِكَم البالغةِ المستتبِعة للغايات الجليلةِ ، وتنبـيهٌ على أن ما حُكي من العذاب الهائلِ والعقاب النازلِ بأهل القرى من مقتَضيات تلك الحِكَم ومتفرِّعاتها حسبَ اقتضاءِ أعمالِهم إياه ، وأن للمخاطَبـين المقتدين بآثارهم ذَنوباً مثلَ ذَنوبهم ، أي ما خلقناهما { وَمَا بَيْنَهُمَا } من المخلوقات التي لا تُحصى أجناسُها وأفرادُها ولا تحصر أنواعُها وآحادُها على هذا النمط البديعِ والأسلوب المنيعِ خاليةٌ عن الحِكَم والمصالح ، وإنما عبّر عن ذلك باللعب واللهو حيث قيل : { لاَعِبِينَ } لبـيان كمالِ تنزّهه تعالى عن الخَلْق الخالي عن الحِكمة بتصويره بصورةِ ما لا يرتاب أحدٌ في استحالة صدورِه عنه سبحانه ، بل إنما خلقناهما وما بـينهما لتكون مبدأً لوجود الإنسان وسبباً لمعاشه ودليلاً يقودُه إلى تحصيل معرفتِنا التي هي الغايةُ القصوى بواسطةِ طاعتِنا وعبادتنا كما ينطِق به قوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [ هود : 7 ] وقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] وقوله تعالى : { لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً } استئنافٌ مقرّر لما قبله من انتفاء اللعبِ واللهو ، أي لو أردنا أن نتخذ ما يُتَلهّى به ويُلعب { لاَّتَّخَذْنَـٰهُ مِن لَّدُنَّا } أي من جهة قدرتِنا أو من عندنا مما يليق بشأننا من المجردات لا من الأجسام المرفوعةِ والأجرامِ الموضوعة كدَيدن الجبابرةِ في رفع العروش وتحسينها وتسويةِ الفروش وتزيـينها ، لكن يستحيل إرادتُنا له لمنافاته الحِكمةَ فيستحيل اتخاذُنا له قطعاً وقوله تعالى : { إِن كُنَّا فَـٰعِلِينَ } جوابُه محذوفٌ ثقةً بدِلالة ما قبله عليه ، أي إن كنا فاعلين لاتخذناه ، وقيل : إن نافية أي ما كنا فاعلين أي لاتخاذ اللهو لعدم إرادتِنا إياه فيكون بـياناً لانتفاء التالي لانتفاء المقدّم أو لإرادة اتخاذِه فيكون بـياناً لانتفاء المقدّمِ المستلزِمِ لانتفاء التالي ، وقيل : اللهوُ الولدُ بلغة اليمن ، وقيل : الزوجةُ والمرادُ الردُّ على النصارى ولا يخفى بُعدُه .