Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 55-58)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالُواْ } لما سمعوا مقالته عليه السلام استبعاداً لكون ما هم عليه ضلالاً وتعجباً من تضليله عليه السلام إياهم بطريق التوكيدِ القسمي ، وتردداً في كون ذلك منه عليه السلام على وجه الجد { أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقّ } أي بالجِد { أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللَّـٰعِبِينَ } فتقول ما تقول على وجه المداعبةِ والمزاحِ ، وفي إيراد الشِّقِّ الأخير بالجملة الاسميةِ الدالة على الثبات إيذانٌ برُجْحانه عندهم . { قَالَ } عليه السلام إضراباً عما بنَوا عليه مقالتَهم من اعتقاد كونِها أرباباً لهم كما يُفصح عنه قولُهم : نعبدُ أصناماً فنظل لها عاكفين ، كأنه قيل : ليس الأمر كذلك { بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ ٱلَّذِى فطَرَهُنَّ } وقيل : هو إضرابٌ عن كونه لاعباً بإقامة البرهانِ على ما ادّعاه ، وضميرُ هن للسموات والأرض ، وصَفه تعالى بإيجادهن إثرَ وصفِه تعالى بربوبـيته تعالى لهن تحقيقاً للحق وتنبـيهاً على أن ما لا يكون كذلك بمعزل من الربوبـية ، أي أنشأهن بما فيهن من المخلوقات التي من جملتها أنتم وآباؤكم وما تعبدونه من غير مثال يَحتذيه ولا قانونٍ ينتحيه ، ورجْعُ الضمير إلى التماثيل أدخلُ في تضليلهم وأظهرُ في إلزام الحجة عليهم لما فيه من التصريح المغني عن التأمل في كون ما يعبُدونه من جملة المخلوقات { وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ } الذي ذكرتُه من كون ربكم ربَّ السموات والأرض فقط دون ما عداه كائناً ما كان { مّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } أي العالِمين به على سبـيل الحقيقةِ المُبرهنين عليه فإن الشاهدَ على الشيء مَنْ تحققه وحقّقه ، وشهادتُه على ذلك إدلاؤه بالحجة عليه وإثباتُه بها ، كأنه قال : وأنا أبـين ذلك وأبرهن عليه { وَتَٱللَّهِ } وقرى بالباء وهو الأصلُ والتاء بدل من الواو التي هي بدل من الأصل وفيها تعجب { لأكِيدَنَّ أَصْنَـٰمَكُمْ } أي لأجتهدنّ في كسرها وفيه إيذانٌ بصعوبة الانتهاز وتوقّفِه على استعمال الحيل وإنما قاله عليه السلام سرًّا ، وقيل : سمعه رجل واحد { بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } من عبادتها إلى عيدكم ، وقرىء تَوَلّوا من التولي بحذف إحدى التاءين ويعضُدها قوله تعالى : { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } والفاء في قوله تعالى : { فَجَعَلَهُمْ } فصيحةٌ أي فولَّوا فجعلهم { جُذَاذاً } أي قُطاعاً فُعال بمعنى مفعول من الجذّ الذي هو القطعُ كالحُطام من الحطْم الذي هو الكسرُ ، وقرىء بالكسر وهي لغة أو جمعُ جذيذ كخِفاف وخفيف ، وقرىء بالفتح وجُذُذاً جمع جذيذ وجُذَذاً جمع جُذة . روي أن آزر خرج به في يوم عيدٍ لهم فبدأوا ببـيت الأصنام فدخلوه فسجدوا لها ووضعوا بـينها طعاماً خرجوا به معهم وقالوا : إلى أن تَرجِعَ بركة الآلهةُ على طعامنا ، فذهبوا وبقيَ إبراهيمُ عليه السلام فنظر إلى الأصنام وكانت سبعين صنماً مصطفّاً وثمّةَ صنمٌ عظيم مستقبلَ الباب ، وكان من ذهب وفي عينيه جوهرتان تضيئان بالليل فكسر الكلَّ بفأس كانت في يده ولم يبق إلا الكبـيرُ وعلّق الفأس في عنقه وذلك قوله تعالى : { إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ } أي للأصنام { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ } أي إلى إبراهيمَ عليه السلام { يَرْجِعُونَ } فيحاجّهم بما سيأتي فيحجّهم ويبكّتهم ، وقيل : يرجعون إلى الكبـير فيسألونه عن الكاسر لأن من شأن المعبودِ أن يُرجَعَ إليه في المُلمّات ، وقيل : يرجِعون إلى الله تعالى وتوحيدِه عند تحقّقهم عجزَ آلهتِهم عن دفع ما يصيبهم وعن الإضرار بمن كسرهم .