Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 66-69)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ } مبكّتاً لهم { أَفَتَعْبُدُونَ } أي أتعلمون ذلك فتعبدون { مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي متجاوزين عبادتَه تعالى : { مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً } من النفع { وَلاَ يَضُرُّكُمْ } فإن العلمَ بحاله المنافيةِ للألوهية مما يوجب الاجتنابَ عن عبادته قطعاً . { أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } تضجّرٌ منه عليه الصلاة والسلام من إصرارهم على الباطل البـيّن ، وإظهارُ الاسم الجليلِ في موضع الإضمارِ لمزيد استقباحِ ما فعلوا ، وأفَ صوتُ المتضجِّر ومعناه قُبحاً ونتْناً واللامُ لبـيان المتأفَّفِ له { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي ألا تتفكرون فلا تعقِلون قبحَ صنيعكم . { قَالُواْ } أي قال بعضُهم لبعض لما عجَزوا عن المُحاجّة وضاقت عليهم الحِيلُ وعيَّت بهم العللُ ، وهكذا دَيدنُ المبطِلِ المحجوجِ إذا قَرَعْتَ شبُهتَه بالحجة القاطعة وافتُضِح لا يبقى له مفزِعٌ إلا المناصبةُ { حَرّقُوهُ } فإنه أشدُّ العقوبات { وَٱنصُرُواْ ءالِهَتَكُمْ } بالانتقام لها { إِن كُنتُمْ فَـٰعِلِينَ } أي للنصر أو لشيء يُعتدّ به ، قيل : القائلُ نمرودُ بنُ كنعان بن السنجاريب بن نمرود بن كوسِ بن حام بن نوح ، وقيل : رجلٌ من أكراد فارسَ اسمُه هيون ، وقيل : هدير خُسِفت به الأرض ، روي أنهم لما أجمعوا على إحراقه عليه السلام بنَوا له حظيرةً بكُوثَى ، قرية من قرى الأنباط وذلك قوله تعالى : { قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَـٰناً فَأَلْقُوهُ فِى ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 97 ] فجمعوا له صِلاب الحطب من أصناف الخشبِ مدةَ أربعين يوماً فأوقدوا ناراً عظيمة لا يكاد يحوم حولها أحدٌ ، حتى إن كانت الطير لتمرّ بها وهي في أقصى الجو فتحترق من شدة وهَجِها ولم يكد أحد يحوم حولها . فلم يعلموا كيف يُلقونه عليه السلام فيها فأتى إبليسُ وعلمهم عمل المِنْجنيق فعمِلوه ، وقيل : صنعه لهم رجل من الأكراد فخسف الله تعالى به الأرضَ فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، ثم عَمدوا إلى إبراهيم عليه السلام فوضعوه فيه مغلولاً فرمَوا به فيها فقال له جبريلُ عليهما السلام : هل لك حاجةٌ ؟ قال : أما إليك فلا ، قال : فاسأل ربك ، قال : حسبـي من سؤالي علمُه بحالي ، فجعل الله تعالى ببركة قوله الحظيرةَ روضةً وذلك قوله تعالى : { قُلْنَا يٰنَّارٍ كُونِى بَرْداً وَسَلَـٰمَا عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ } أي كوني ذاتَ بردٍ وسلامٍ أي ابرُدي برداً غيرَ ضارّ وفيه مبالغات : جعلُ النارِ المسخرةِ لقدرته تعالى مأمورةً مطاوِعةً وإقامةَ كوني ذاتَ بردٍ مقامَ ابردي ، ثم حذفُ المضافِ وإقامةُ المضاف إليه مُقامَه ، وقيل : نصب سلاماً بفعله أي وسلمنا عليه . روي أن الملائكة أخذوا بضَبْعَي إبراهيمَ وأقعدوه على الأرض فإذا عينُ ماءٍ عذبٍ ووردٌ أحمرُ ونرجسٌ ولم تحرِق النارُ إلا وَثاقه ، وروي أنه عليه السلام مكث فيها أربعين يوماً أو خمسين وقال : ما كنت أطيبَ عيشاً مني إذ كنت فيها ، قال ابن يسار : وبعث الله تعالى ملَكَ الظل فقعد إلى جنبه يؤنسه ، فنظر نمرودُ من صَرْحه فأشرف عليه فرآه جالساً في روضة مُونِقة ومعه جليسٌ على أحسن ما يكون من الهيئة والنارُ محيطةٌ به ، فناداه : يا إبراهيمُ هل تستطيع أن تخرج منها ؟ قال : نعم ، قال : فقم فاخرُج ، فقام يمشي فخرج منها فاستقبله نمرودُ وعظّمه وقال : مَن الرجلُ الذي رأيته معك ؟ قال : ذلك ملَك الظلّ أرسله ربـي ليؤنسني ، فقال : إني مقرِّبٌ إلى إلٰهك قرباناً لما رأيت من قدرته وعزته فيما صنع بك ، فقال عليه السلام : لا يقبل الله منك ما دمت على دينك هذا ، قال : لا أستطيع ترك ملكي ولكن سوف أذبح له أربعةَ آلافِ بقرة ، فذبحها وكف عن إبراهيم عليه السلام وكان إذا ذاك ابنَ ستَّ عشْرةَ سنة . وهذا كما ترى من أبدع المعجزات فإن انقلابَ النار هواء طيباً وإن لم يكن بدعاً من قدرة الله عز وجل لكن وقوعَ ذلك على هذه الهيئة مما يخرِق العاداتِ ، وقيل : كانت النار على حالها لكنه تعالى دفع عنه عليه السلام أذاها كما تراه في السَّمَنْدل كما يشعر به ظاهرُ قوله تعالى : { عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ } .