Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 181-182)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } قالته اليهودُ لما سمعوا قوله تعالى : { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } وروي أنه عليه السلام كتب مع أبـي بكر رضي الله عنه إلى يهودِ بني قَينُقاعَ يدعوهم إلى الإسلام وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ وأن يُقرضوا الله قرضاً حسناً ، فقال فنحاصُ : إن الله فقيرٌ حتى سألنا القَرْضَ فلطمه أبو بكر رضي الله عنه في وجهه وقال : لولا الذي بـيننا وبـينكم من العهد لضربت عُنقَك فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجحد ما قاله فنزلت . والجمعُ حينئذ مع كون القائلِ واحداً لرضا الباقين بذلك والمعنى أنه لم يخْفَ عليه تعالى وأعد له من العذاب كِفاءً . والتعبـيرُ عنه بالسماع للإيذان بأنه من الشناعة والسماجة بحيث لا يرضىٰ قائلُه بأن يسمَعَه سامعٌ ، والتوكيدُ القَسَميُّ للتشديد في التهديد والمبالغةِ في الوعيد . { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ } أي سنكتب ما قالوه من العظيمة الشنعاءِ في صحائف الحفَظةِ أو سنحفظه ونُثبته في علمنا لا ننساه ولا نَهمله كما يثبت المكتوب ، والسين للتأكيد أي لن يفوتنا أبداً تدوينُه وإثباتُه لكونه في غاية العِظم والهولِ كيف لا وهو كفرٌ بالله تعالى واستهزاءٌ بالقرآن العظيم والرسولِ الكريمِ ولذلك عُطف عليه قوله تعالى : { وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنْبِيَاء } إيذاناً بأنهما في العِظم إخوانٌ وتنبـيهاً على أنه ليس بأول جريمةٍ ارتكبوها بل لهم فيه سوابقُ ، وأن من اجترأ على قتل الأنبـياءِ لم يُستبعَدْ منه أمثالُ هذه العظائمِ ، والمرادُ بقتلهم الأنبـياءَ رضاهم بفعل أسلافِهم ، وقوله تعالى : { بِغَيْرِ حَقّ } متعلقٌ بمحذوف وقع حالاً من قتلهم ، أي كائناً بغير حقَ في اعتقادهم أيضاً كما هو في نفس الأمرِ ، وقرىء سيَكتُب على البناء للفاعل وسيُكتَبُ على البناء للمفعول وقتلُهم بالرفع { وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي وننتقم منهم بعد الكَتْبةِ بأن نقول لهم : ذوقوا العذابَ المُحرِقَ كما أذقتم المسلمين الغُصَصَ . وفيه من المبالغات ما لا يخفى ، وقرىء ويقول بالياء ويُقال على البناء للمفعول { ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى العذاب المذكورِ وما فيه من معنى البعدِ للدِلالة على عِظَم شأنِه وبُعدِ منزلتِه في الهول والفظاعةِ ، وهو مبتدأٌ خبرُه قوله تعالى : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أي بسبب ما اقترفتموه من قتل الأنبـياءِ والتفوُّه بمثل تلك العظيمةِ وغيرِها من المعاصي ، والتعبـيرُ عن الأنفس بالأيدي لما أن عامة أفاعيلِها تزاوَلُ بهن ، ومحلُّ { أنّ } في قوله تعالى : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } الرفعُ على أنه خبرُ مبتدإٍ محذوفٍ ، والجملةُ اعتراضٌ تذيـيليٌّ مقرِّرٌ لمضمون ما قبلها ، أي والأمرُ أنه تعالى ليس بمعذِّب لعبـيده بغير ذنبٍ من قِبلهم ، والتعبـيرُ عن ذلك بنفي الظلمِ مع أن تعذيبَهم بغير ذنبٍ ليس بظلم ــ على ما تقرر من قاعدة أهلِ السنة ، فضلاً عن كونه ظلماً بالغاً ــ لبـيان كمالِ نزاهتِه تعالى عن ذلك بتصويره بصورةِ ما يستحيلُ صدورُه عنه سبحانه من الظلم ، كما يعبّر عن ترك الإثابةِ على الأعمال بإضاعتها مع أن الأعمالَ غيرُ موجبةٍ للثواب حتى يلزَمَ مِنْ تخلُّفِه عنها ضياعُها . وصيغةُ المبالغةِ لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذُكر من التعذيب بغير ذنبٍ في صورة المبالغةِ في الظلم ، وقيل : هي لرعاية جمعيةِ العبـيدِ من قولهم : فلانٌ ظالمٌ لعبده وظلاّم لعبـيده على أنها للمبالغة كماً لا كيفاً . هذا وقد قيل : محلُّ { أن } الجرُّ بالعطف على ما قدَّمت وسببـيتُه للعذاب من حيث أن نفيَ الظلمِ مستلزِمٌ للعدل المقتضي لإثابة المحسِنِ ومعاقبةِ المُسيءِ ، وفسادُه ظاهرٌ فإن تركَ التعذيبِ من مستحِقه ليس بظلم شرعاً ولا عقلاً حتى ينتهضَ نفيُ الظلم سبباً للتعذيب حسبما ذكره القائلُ في سورة الأنفالِ ، وقيل : سببـيةُ ذنوبهم لعذابهم مقيّدةٌ بانضمام انتفاءِ ظلمِه تعالى إليها إذ لولاه لأمكن أن يعذبَهم بغير ذنوبهم . وأنت خبـير بأن إمكانَ تعذيبِه تعالى لعبـيده بغير ذنبٍ بل وقوعُه لا ينافي كونَ تعذيبِ هؤلاءِ الكفرةِ بسبب ذنوبهم حتى يُحتاجَ إلى اعتبار عدمِه معه ، وإنما يُحتاج إلى اعتبار عدمِه معه ، وإنما يحتاج إلى ذلك أنْ لو كان المدعىٰ أن جميعَ تعذيباتِه تعالى بسبب ذنوبِ المعذبـين .