Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 27-29)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } جملةٌ مبتدأةٌ مَسوقةٌ لبـيان كمالِ منفعةِ ما أراده الله تعالى وكمالِ مضرّةِ ما يريد الفَجَرةُ لا لبـيان إرادتِه تعالى لتوبته عليهم حتى يكونَ من باب التكريرِ للتقرير ، ولذلك غُيّر الأسلوبُ إلى الجملة الاسميةِ دلالةً على دوام الإرادةِ ولم يُفعلْ ذلك في قوله تعالى : { وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوٰتِ } للإشارة إلى الحدوثِ وللإيماء إلى كمالِ المباينةِ بـين مضموني الجملتين كما مر في قوله تعالى : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } [ البقرة ، الآية 257 ] الآية ، والمراد بمتّبعي الشهواتِ الفَجَرةُ فإن اتّباعَها الائتمارُ بها ، وأما المتعاطي لما سوّغه الشرعُ من المشتهَيات دون غيرِه فهو متّبعٌ له لا لها ، وقيل : هم اليهودُ والنصارى ، وقيل : هم المجوسُ حيث كانوا يُحِلون الأخواتِ من الأب وبناتِ الأخِ وبناتِ الأختِ فلما حرَّمهن الله تعالى قالوا : فإنكم تُحِلون بنتَ الخالةِ مع أن العمةَ والخالةَ عليكم حرامٌ فانكِحوا بناتِ الأخِ والأختِ فنزلت { أَن تَمِيلُواْ } عن الحق بموافقتهم على اتباع الشهواتِ واستحلالِ المحرماتِ وتكونوا زناةً مثلَهم ، وقرىء بالياء التحتانية والضميرُ للذين يتبعون الشهواتِ { مَيْلاً عَظِيماً } أي بالنسبة إلى ميل من اقترف خطيئةً على نُدرة بلا استحلالٍ . { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ } بما مر من الرُخَص فيما في عهدتكم من مشاقّ التكاليفِ ، والجملةُ مستأنفةٌ لا محل لها من الإعراب { وَخُلِقَ ٱلإِنسَـٰنُ ضَعِيفاً } عاجزاً عن مخالفة هواه غيرَ قادرٍ على مقابلة دواعيه وقواه حيث لا يصبِرُ عن اتباع الشهواتِ ولا يستخدم قواه في مشاقِّ الطاعاتِ . وعن الحسن أن المرادَ ضَعفُ الخِلْقةِ ، ولا يساعده المقام ، فإن الجملةَ اعتراضٌ تذيـيليٌّ مَسوقٌ لتقرير ما قبله من التخفيف بالرُخصة في نكاح الإماءِ ، وليس لضعف البُنيةِ مدخلٌ في ذلك ، وإنما الذي يتعلق به التخفيفُ في العبادات الشاقةِ . وقيل : المراد به ضعفُه في أمر النساءِ خاصة حيث لا يصبِرُ عنهن ، وعن سعيد بن المسيِّب : ما أيِسَ الشيطانُ من بني آدمَ قطُّ إلا أتاهم من قبل النساءِ فقد أتى عليَّ ثمانون سنةً وذهبت إحدى عينيَّ وأنا أعشو بالأخرى وإن أخوفَ ما أخاف على نفسي فتنةُ النساءِ . وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما وخَلَق الإنسانَ على البناء للفاعل والضميرُ لله عز وجل ، وعنه رضي الله عنه : ثماني آياتٍ في سورة النساء هنّ خيرٌ لهذه الأمةِ مما طلعت عليه الشمسُ وغربت { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ } [ النساء ، الآية 26 ] { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } [ النساء ، الآية 27 ] { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ } [ النساء ، الآية 28 ] { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } [ النساء ، الآية 31 ] { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ النساء ، الآية 48 ] { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَـٰعِفْهَا } [ النساء ، الآية 40 ] { وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ } [ النساء ، الآية 110 ] { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ } [ النساء ، الآية 147 ] . { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَـٰطِلِ } شروعٌ في بـيان بعضِ الحرماتِ المتعلقةِ بالأموال والأنفسِ إثرَ بـيانِ الحرماتِ المتعلقةِ بالأبضاع ، وتصديرُ الخطابِ بالنداء والتنبـيهِ لإظهار كمالِ العنايةِ بمضمونه والمرادُ بالباطل ما يخالف الشرعَ كالغصب والسرقةِ والخيانةِ والقِمارِ وعقودِ الربا وغيرُ ذلك مما لا يُبِحْه الشرعُ ، أي لا يأكلْ بعضُكم أموالَ بعض بغير طريقٍ شرعي { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ } استثناءٌ منقطِعٌ ، وعن متعلقةٌ بمحذوف وقع صفةً لتجارةً أي إلا أن تكون التجارةُ تجارةً صادرةً عن تراض كما في قوله : [ الطويل ] @ [ بني أسدٍ هل تعلمون بلاءَنَا ] إذا كان يوماً ذا كواكِبَ أشْنَعَا @@ أي إذا كان اليومُ يوماً الخ ، أو إلا أن تكون الأموالُ أموالَ تجارة ، وقرىء تجارةٌ بالرفع على أنّ كان تامةٌ أي ولكن اقصِدوا كونَ تجارةً عن تراض أي وقوعَها ، أو ولكن وجودَ تجارةً عن تراض غيرِ منهيَ عنه ، وتخصيصُها بالذكر من بـين سائرِ أسبابِ المُلكِ لكونها معظَمَها وأغلبَها وقوعاً وأوفقَها لذوي المروءاتِ ، والمرادُ بالتراضي مراضاةُ المتبايعَيْن فيما تعاقدا عليه في حال المبايعةِ وقتَ الإيجابِ والقبولِ عندنا ، وعند الشافعيِّ رحمه الله حالةَ الافتراقِ عن مجلس العقد . { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } أي مَنْ كان من جنسكم من المؤمنين فإن كلَّهم كنفس واحدةٍ ، وعن الحسن : لا تقتُلوا إخوانَكم ، والتعبـيرُ عنهم بالأنفس للمبالغة في الزجر عن قتلهم بتصويره بصورة ما لا يكاد يفعلُه عاقلٌ ، أو لا تُهلِكوا أنفسَكم بتعريضها للعقاب باقتراف ما يُفضي إليه فإنه القتلُ الحقيقيُّ كما يُشعِرُ به إيرادُه عَقيبَ النهي عن أكل الحرامِ فيكونُ مقرَّراً للنهي السابقِ ، وقيل : لا تقتلوا أنفسَكم بالبخْع كما يفعله بعضُ الجهلةِ ، أو بارتكاب ما يؤدي إلى القتل من الجنايات ، وقيل : بإلقائها في التهلُكة ، وأُيِّد بما رُوي عن عمْرو بنِ العاص أنه تأوله بالتيمم لخوف البردِ فلم يُنْكر عليه النبـي عليه الصلاة والسلام ، وقرىء ولا تُقتِّلوا بالتشديد للتكثير ، وقد جُمع في التوصية بـين حفظِ النفسِ وحفظِ المالِ لما أنه شقيقُها من حيث إنه سببٌ لقِوامها وتحصيلِ كمالاتِها واستيفاءِ فضائلِها ، وتقديمُ النهي عن التعرض له لكثرة وقوعِه { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } تعليل للنهي بطريق الاستئنافِ أي مبالغاً في الرحمة والرأفةِ ، ولذلك نهاكم عما نهاكم عنه ، فإن في ذلك رحمةً عظيمةً لكم بالزجر عن المعاصي وللذين هم في معرِض التعرُّض لهم بحفظ أموالِهم وأنفسِهم ، وقيل : معناه إنه كان بكم يا أمةَ محمدٍ رحيماً حيث أمرَ بني إسرائيلَ بقتلهم أنفسَهم ليكون توبةً لهم وتمحيصاً لخطاياهم ولم يكلِّفْكم تلك التكاليفَ الشاقةَ .