Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 14-15)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ } تقريرٌ لتباينِ حَالَيْ فَريَقيْ المؤمنينَ والكافرينَ وكونِ الأولينَ في أعلى علّيـينَ والآخرينَ في أسفلِ سافلينَ وبـيانٌ لعلةِ ما لكلَ منهُمَا من الحالِ . والهمزةُ للإنكارِ ، والفاءُ للعطفِ على مقدرٍ يقتضيهِ المقامُ ، وقد قُرِىءَ بدونها . ومَنْ عبارةٌ عن المؤمنينَ المتمسكينَ بأدلةِ الدِّينِ ، وجعلُها عبارةً عن النبـيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أو عنْهُ وعنِ المؤمنينَ لا يساعدُه النظمُ الكريمُ على أنَّ الموازنةَ بـينه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وبـينَهم مما يأباهُ منصبُه الجليلُ . والتقديرُ أليسَ الأمرُ كما ذُكِرَ فمنْ كانَ مستقراً على حجةٍ ظاهرةٍ وبرهانٍ نيّرٍ من مالكِ أمرِه ومربّـيهِ وهو القرآنُ الكريمُ وسائرُ المعجزاتِ والحججِ العقليةِ . { كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ } من الشركِ وسائرِ المعاصيِ مع كونِه في نفسِه أقبحَ القبائحِ { وَٱتَّبِعُـواْ } بسببِ ذلكَ التزيـينِ { أَهْوَاءهُمْ } الزائغةَ وانهمكُوا في فنونِ الضلالاتِ من غيرِ أنْ يكونَ لهم شبهةٌ توهمُ صحةَ ما هُم عليهِ فضلاً عن حجةٍ تدلُّ عليهِ . وجمعُ الضميرينِ الأخيرينِ باعتبارِ مَعْنى مَنْ ، كما أنَّ إفرادَ الأولَينِ باعتبارِ لفظِها . { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } استئنافٌ مَسُوقٌ لشرحِ مَحَاسنِ الجنَّةِ الموعودةِ آنِفاً للمؤمنينَ ، وبـيانِ كيفيةِ أنهارِها التي أُشيرَ إلى جريانِها من تحتِها ، وعُبِّرَ عنهُم بالمتقينَ إيذاناً بأنَّ الإيمانَ والعملَ الصالَح من بابِ التقوى الذي هُو عبارةٌ عن فعلِ الواجباتِ بأسرِها وتركِ السيئاتِ عن آخرِها ، ومَثَلُها : وصفُها العجيبُ الشأنِ . وهُو مبتدأٌ محذوفُ الخبرِ فقدَّرهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ : مثلُ الجنةِ ما تسمعونَ . وقولُه تعالى : { فِيهَا أَنْهَارٌ } إلخ مفسرٌ لَهُ وقدَّرهُ سيبويهِ فيما يُتلَى عليكُم مَثَلُ الجنةِ ، والأولُ هو الأنسبُ لصدرِ النظمِ الكريمِ ، وقيلَ المَثَلُ زائدةٌ كزيادةِ الاسمِ في قولِ مَنْ قالَ : @ إلى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عليكما [ ومَنْ يَبْكِ حولاً كاملاً فقدِ اعتذرْ ] @@ والجنةُ مبتدأٌ خبرُهُ فيها أنهارٌ إلخ . { مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ } أيْ غيرِ متغيرِ الطعمِ والرَّائحةِ . وقُرِىءَ غيرِ أَسِنٍ . { وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } بأنْ صارَ قارِصاً وَلاَ خَازِراً كألبانِ الدُّنيا . { وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لّلشَّـٰرِبِينَ } لذيذةٍ ليسَ فيها كراهةُ طعمٍ وريحٍ ولا غائلةُ سُكرٍ ولا خُمارٌ ، وإنما هيَ تلذذٌ محضٌ . ولذةٍ إمَّا تأنيثُ لذَ بمعنى لذيذٍ ، أو مصدرٌ نُعتَ به مبالغةً . وقُرِىءَ لذةٌ بالرفعِ على أنَّها صفةُ أنهارٌ ، وبالنصبِ على العلَّةِ أي لأجلِ لذةِ الشاربـينَ { وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } لا يُخالطُه الشمعُ وفضلاتُ النحلِ وغيرُها . وفي هذا تمثيلٌ لما يَجْري مَجرى الأشربةِ في الجنةِ بأنواعِ ما يُستطابُ منها ويُستلذُّ في الدُّنيا بالتخليةِ عمَّا يُنغصها ويُنقصها والتحليةِ بما يُوجبُ غزارتُها ودوامَها . { وَلَهُمْ فِيهَا } مع ما ذُكَر من فنونِ الأنهارِ { مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ } أيْ صنفٌ من كلِّ الثمراتِ { وَمَغْفِرَةٌ } أي ولهم مغفرةٌ عظيمةٌ لا يُقادَرُ قَدرُها . وقولُه تعالى : { مّن رَّبّهِمُ } متعلقٌ بمحذوفٍ هو صفةٌ لمغفرةٌ مؤكدةٌ لما أفاده التنكيرُ من الفخامةِ الذاتيةِ بالفخامةِ الإضافيةِ أي كائنةٌ من ربِّهم . وقولُه تعالى : { كَمَنْ هُوَ خَـٰلِدٌ فِى ٱلنَّارِ } خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ تقديرُهُ أمَّنْ هو خالدٌ في هذه الجنةِ حسبما جرى به الوعدُ كمن هو خالدٌ في النَّارِ كما نطقَ بهِ قولُه تعالى : والنَّارُ مَثْوىً لَهُم ، وقيل هو خبرٌ لَمثَلُ الجنةِ على أنَّ في الكلامِ حذفاً ، تقديرُهُ أمثلُ الجنةِ كمثلِ جزاءِ من هُو خالدٌ في النَّارِ أو أمثلُ أهلِ الجنةِ كمثلِ من هو خالدٌ في النارِ ، فعُرّيَ عن حرفِ الإنكارِ وحُذفَ ما حذفَ تصويراً لمكابرةِ مَن يُسوي بـين المتمسكِ بالبـينةِ وبـين التابعِ للهوى بمكابرةِ من سوَّى بـين الجنةِ الموصوفةِ بما فُصِّلَ من الصفاتِ الجليلةِ وبـين النارِ . { وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً } مكانَ تلك الأشربةِ { فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ } من فرْطِ الحرارةِ قيل إذا دنَا منهم شَوَى وجوهَهم وانمازتْ فروةُ رؤوسِهم فإذا شربوُه قطَّع أمعاءَهم .