Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 106-106)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا } استئناف مَسوقٌ لبـيان الأحكامِ المتعلقة بأمور دنياهم إثرَ بـيانِ الأحوال المتعلقةِ بأمور دينهم ، وتصديرُه بحرفي النداءِ والتنبـيه لإظهار كمالِ العناية بمضمونه ، وقولُه عز وجل : { شَهَـٰدَةُ بَيْنِكُمْ } بالرفع والإضافة إلى الظرف توسعاً ، إما باعتبار جَرَيانِها بـينهم ، أو باعتبار تعلّقِها بما يجري بـينهم من الخصومات ، مبتدأ ، وقوله تعالى : { إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } أي شارفه وظهرت علائمُه ، ظرفٌ لها ، وتقديمُ المفعول لإفادة كمالِ تمكن الفاعل عند النفْس وقت ورودِه عليها ، فإنه أدخلُ في تهوين أمر الموت ، وقولُه تعالى : { حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ } بدلٌ منه لا ظرف للموت كما تُوُهِّم ، ولا لحضوره كما قيل ، فإن في الإبدال تنبـيهاً على أن الوصية من المَهَمّات المقررة التي لا ينبغي أن يتهاون بها المسلم ويذهَلَ عنها ، وقوله تعالى : { ٱثْنَانِ } خبرٌ للمبتدأ بتقدير المضاف ، أي شهادةُ بـينكم حينئذ شهادةُ اثنين ، أو فاعلُ ( شهادةُ بـينكم ) على أن خبرها محذوف ، أي فيما نزل عليكم أن يشهد بـينكم اثنان ، وقرىء ( شهادةٌ ) بالرفع والتنوين ، والإعرابُ كما سبق ، وقرىء ( شهادةً ) بالنصب والتنوين على أن عاملها المضمرَ هو العامل في اثنان أيضاً أي ليُقِمْ شهادةً بـينكم اثنان { ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ } أي من أقاربكم لأنهم أعلم بأحوال الميت وأنصح له ، وأقرب إلى تحرِّي ما هو أصلح له . وقيل : من المسلمين وهما صفتان لاثنان . { أَوْ آخَرَان } عطف على اثنان تابع له فيما ذُكر من الخبرية والفاعلية ، أي أو شهادةُ آخَرَيْن أو أن يشهد بـينكم آخران ، أو ليقم ( شهادةً بـينكم ) آخران ، وقوله تعالى : { مِنْ غَيْرِكُمْ } صفةٌ ( لآخَران ) أي كائنان من غيركم أي من الأجانب ، وقيل : من أهل الذمة ، وقد كان ذلك في بدء الإسلام لعزة وجود المسلمين لا سيما في السفر ، ثم نسخ . وعن مكحول أنه نسخها قوله تعالى : { وَأَشْهِدُواْ ذَوِى عَدْلٍ مّنْكُمْ } [ الطلاق ، الآية 2 ] . { إِنْ أَنتُمْ } مرفوعٌ بمُضْمرٍ يفسرُه ما بعده تقديره إن ضربتم ، فلما حُذف الفعل انفصل الضمير ، وهذا رأيُ جمهور البَصْريـين ، وذهب الأخفش والكوفيون إلى أنه مبتدأٌ بناءً على جواز وقوعِ المبتدأ بعد إنْ الشرطية كجواز وقوعِه بعد إذا ، فقوله تعالى : { ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي سافرتم فيها ، لا محل له من الإعراب عند الأولين لكونه مفسِّراً ، ومرفوع على الخبرية عند الباقين . وقوله تعالى : { فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ } عطفٌ على الشرطية ، وجوابُه محذوفٌ لدلالة ما قبله عليه ، أي إن سافرتم فقاربَكم الأجلُ حينئذ ، وما معكم من الأقارب أو من أهل الإسلام مَنْ يتولىٰ أمرَ الشهادة كما هو الغالب المعتاد في الأسفار ، فليشهد آخرانِ أو فاستشهدوا آخَرَيْن أو فالشاهدانِ آخرانِ كذا قيل ، والأنسب أن يقدَّر عينُ ما سبق ، أي فآخرانِ على معنى شهادةُ بـينِكم شهادةُ آخَرَيْن ، أو فأَنْ يشهَدَ آخران ، على الوجوه المذكورة ثمَةَ ، وقوله تعالى : { تَحْبِسُونَهُمَا } استئنافٌ وقعَ جواباً عما نشأ من اشتراط العدالة كأنه قيل : فكيف نصنع إنِ ارْتبْنا بالشاهدين ؟ فقيل : تحبِسونهما وتَصْبِرونهما للتحليف { مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ } وقيل : هو صفة ( لآخران ) ، والشرط بجوابه المحذوف اعتراضٌ فائدته الدلالة على أن اللائق إشهادُ الأقارب أو أهلِ الإسلام ، وأما إشهادُ الآخَرِين فعند الضرورة المُلجئةِ إليه ، وأنت خبـير بأنه يقتضي اختصاصَ الحبس بالآخرين مع شموله للأولين أيضاً قطعاً ، على أن اعتبارَ اتصافهما بذلك يأباه مقامُ الأمر بإشهادهما ، إذ مآلُه فآخرانِ شأنُهما الحبسُ والتحْليف ، وإن أمكن إتمام التقريب باعتبار قَيدِ الارتياب بهما كما يفيده الاعتراضُ الآتي ، والمرادُ بالصلاة صلاةُ العصر ، وعدمُ تعيـينها لتعيُّنِها عندهم بالتحْليف بعدها لأنه وقت اجتماع الناس ووقت تصادُمِ ملائكة الليل وملائكة النهار ، ولأن جميع أهل الأديان يعظّمونه ويجتنبون فيه الحلِفَ الكاذب . وقد روي أن النبـي عليه الصلاةَ والسلام وقتئذ حلّف من حلف كما سيأتي ، وقيل : بعد أي صلاة كانت لأنها داعيةٌ إلى النطق بالصدق ، وناهيةٌ عن الكذِب والزور { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } [ العنكبوت ، الآية 45 ] . { فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ } عطفٌ على تحبسونهما وقوله تعالى : { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } شرطية محذوفةُ الجواب لدلالة ما سبق من الحبس والإقسام عليه ، سيقت من جهته تعالى معترِضةً بـين القسمَ وجوابِه للتنبـيه على اختصاص الحبس والتحليف بحال الارتياب ، أي إن ارتاب بهما الوارِثُ منكم بخيانةٍ وأخذِ شيءٍ من التركة فاحبِسوهما وحلِّفوهما بالله ، وقولُه تعالى : { لاَ نَشْتَرِى بِهِ ثَمَناً } جوابٌ للقسم ، وليس هذا من قبـيل ما اجتمع فيه قَسَمٌ وشرط ، فاكتُفِيَ بذكر جوابِ سابقِهما عن جواب الآخر كما هو الواقع غالباً ، فإن ذلك إنما يكون عند سدِّ جواب السابق مَسدَّ جوابِ اللاحق لاتحاد مضمونها كما في قولك : والله إن أتيتَني لأكرمنك ، ولا ريب في استحالة ذلك هٰهنا لأن القسم وجوابه كلاهما [ منفصل ] وقد عرفت أن الشرط من جهته تعالى ، والاشتراءُ هو استبدال السلعة بالثمن أي أخذُها بدلاً منه لا بذلُه لتحصيلها كما قيل ، وإن كان مستلزِماً له ، فإن المعتبرَ في عقد الشراء ومفهومِه هو الجلبُ دون السلب المعتبر في عقد البـيع ، ثم استُعير لأخذ شيءٍ بإزالة ما عنده عيناً كان أو معنى على وجه الرغبة في المأخوذ والإعراض عن الزائل ، كما هو المعتبر في المستعار منه حسبما مر تفصيلُه في تفسير قوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } [ البقرة ، الآية 16 . والآية 175 ] والضمير في ( به ) لله ، والمعنى لا نأخذ لأنفسنا بدلاً من الله ، أي مِنْ حُرمته عَرَضاً من الدنيا بأن نهتِكَها ونُزيلَها بالحلف الكاذب ، أي لا نحلف بالله كاذبـين لأجل المال ، وقيل : الضمير للقسم ، فلا بد من تقدير مضافٍ البتةَ ، أي لا نستبدل بصحة القسم بالله ، أي لا نأخذ لأنفسنا بدلاً منها عرَضاً من الدنيا بأن نُزيلَ عنه وصفَ الصدق ونصفَه بالكذب ، أي لا نحلف كاذبـين كما ذكر وإلا فلا سِدادَ للمعنى ، سواءٌ أريد به القسمُ الصادقُ أو الكاذب ، أما إن أريدَ به الكاذبُ فلأنه يفوِّتُ حينئذ ما هو المعتبرُ في الاستعارة من كون الزائل شيئاً مرغوباً فيه عند الحالف كحُرمة اسمِ الله تعالى ووصفِ الصحة والصدق في القسم ، ولا ريب في أن القسم الكاذبَ ليس كذلك ، وأما إن أريد به الصادقُ فلأنه وإن أمكن أن يُتوسَّلَ باستعمالِه إلى عَرَض الدنيا كالقسم الكاذب لكن لا محذور فيه ، وأما التوسلُ إليه بترك استعماله فلا إمكان له هٰهنا حتى يصِحَّ التبروءُ منه ، وإنما يُتوسَّلُ إليه باستعمال القسم الكاذب ، وليس استعمالُه من لوازم ترْكِ استعمالِ الصادق ضرورةَ جوازِ تركِهما معاً حتى يُتصوَّرَ جعلُ ما أُخذَ باستعمالِه مأخوذاً بتركِ استعمالِ الصادق كما في صورة تقديرِ المضاف ، فإن إزالةَ وصْفِ الصدق عن القسم مع بقاء الموصوفِ مستلزِمةٌ لثبوت وصفِ الكذِب له البتة فتأمل ، وقوله تعالى : { وَلَوْ كَانَ } أي المقسَمُ له المدلولُ عليه بفحوى الكلام { ذَا قُرْبَىٰ } أي قريباً منا ، تأكيدٌ لتبرُّئهم من الحلف كاذباً ومبالغةٌ في التنزه عنه ، كأنهما قالا : لا نأخذُ لأنفسنا بدلاً من حُرمة اسمه تعالى مالاً ولو انضمَّ إليه رعايةُ جانبِ الأقرباء ، فكيف إذا لم يكنْ كذلك ، وصيانةُ أنفسِهما وإن كانت أهمَّ من رعاية الأقرباء لكنها ليست ضميمةً للمال ، بل هي راجعة إليه ، وجواب ( لو ) محذوفٌ ثقةً بدلالة ما سبق عليه ، أي لا نشتري به ثمناً ، والجملة معطوفةٌ على أخرى مثلِها ، كما فُصِّل في تفسير قوله تعالى : { وَلَوْ أَعْجَبَكَ } [ المائدة ، الآية 100 ] الخ ، وقوله عز وجل : { وَلاَ نَكْتُمُ شَهَـٰدَةَ ٱللَّهِ } أي الشهادة التي أمرَنا الله تعالى بإقامتها ، معطوفٌ على ( لا نشتري به ) داخلٌ معه في حكم القسم ، وعن الشعبـي أنه وَقَفَ على شهادة ، ثم ابتدأ ( آلله ) بالمد على حذف حرف القسم وتعويض حرف الاستفهام منه بغير مد ، كقولهم : الله لأفعلن { إِنَّا إِذَاً لَّمِنَ ٱلآثِمِينَ } أي إن كتمناها ، وقرىء ( لمِلاثِمين ) بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وإدخال النون فيها .