Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 104-105)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله عز وجل : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } أي للذين عبَّر عنهم ( بأكثرُهم ) على سبـيل الهداية والإرشاد { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } من الكتاب المبـين للحلال والحرام { وَإِلَى ٱلرَّسُولِ } الذي أُنزل هو عليه لتقفوا على حقيقة الحال وتُميِّزوا الحرامَ من الحلال { قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا } بـيان لعنادهم واستعصائهم على الهادي إلى الحق وانقيادِهم للداعي إلى الضلال { أَوْ لَّوْ كَانَ آبَاؤُهم لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } قيل : الواو للحال دخلت عليها الهمزة للإنكار والتعجيب ، أي أحَسْبُهم ذلك ولو كان آباؤهم جَهَلةً ضالين ؟ وقيل : للعطف على شرطية أخرى مقدّرة قبلها وهو الأظهر ، والتقدير أحَسْبهم ذلك أو أيقولون هذا القولَ لو لم يكن آباؤهم لا يعقلون شيئاً من الدين ولا يهتدون الصواب ؟ ولو كانوا لا يعلمون الخ . وكلتاهما في موقع الحال أي أحسْبُهم ما وجدوا عليه آباؤهم كائنين على كل حال مفروض ؟ وقد حُذفت الأولى في الباب حذفاً مطَّرداً لدلالة الثانية عليها دلالةً واضحةً ، كيف لا وأن للشيء إذا تحقق عند المانع فلأَنْ يتحقّقَ عند عدمِه أولى كما في قولك : أحسِنْ إلى فلان وإن أساء إليك ، أي أحسِنْ إليه إن لم يُسىء إليك وإن أساء ، أي أحسن إليه كائناً على كل حال مفروض ، وقد حذفت الأولى لدلالةِ الثانية عليها دَلالة ظاهرةً إذِ الإحسانُ حيث أُمِر به عند المانع ، فلأَنْ يُؤْمَرَ به عند عدمه أولى ، وعلى هذا السر يدورُ ما في إنْ ولو الوصليتين من المبالغة والتأكيد ، وجوابُ لو محذوفٌ لدلالة ما سبق عليه ، أي لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون حسبُهم ذلك أو يقولون ذلك ، وما في ( لو ) من معنى الامتناع والاستبعاد إنما هو بالنظر إلى زعمهم لا إلى نفس الأمر ، وفائدتُه المبالغةُ في الإنكار والتعجيب ببـيان أن ما قالوه موجبٌ للإنكار والتعجيب إذا كان كونُ آبائهم جَهلةً ضالين في حيز الاحتمال البعيد ، فكيف إذا كان ذلك واقعاً لا ريب فيه ؟ وقيل : مآلُ الوجهين واحدٌ ، لأن الجملة المقدرة حالٌ فكذا ما عُطف عليها ، وأنت خبـيرٌ بأن الحالَ على الوجه الأخير مجموعُ الجملتين لا الأخيرةُ فقط ، وأن الواو للعطف لا للحال ، وقد مر التحقيق في قوله تعالى : { أَوْ لَّوْ كَانَ آبَاؤهم لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ } [ البقرة ، الآية 170 ] ، فتدبر { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } أي الزموا أمرَ أنفسِكم وإصلاحِها ، وقرىء بالرفع على الابتداء أي واجبة عليكم أنفسُكم ، وقوله عز وجل : { لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } إما مجزومٌ على أنه جوابٌ للأمر ، أو نهْيٌ مؤكِّد له ، وإنما ضُمَّتِ الراء إتباعاً لضمِّه الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة ، إذِ الأصلُ لا يضْرُرْكم ، ويؤيده القراءةُ بفتح الراء ، وقراءةُ مَنْ قرأ ( لا يضِرْكم ) بكسر الضاد وضمها من ضارَه يَضيرُه ، وإما مرفوع على أنه كلامٌ مستأنفٌ في موقع التعليل لما قبله ، ويعضُده قراءةُ من قرأ ( لا يضيرُكم ضلالُ مَنْ ضل إذا كنتم مهتدين ) ولا يُتوهَّمَنَّ أن فيه رخصةً في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع استطاعتهما ، كيف لا ومن جملة الاهتداء أن يُنكَر على المنكَر حسْبما تفي به الطاقة ، قال عليه الصلاة والسلام : " من رأى منكم منكراً فاستطاع أن يغيره فليغيْره بـيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطِعْ فبقلبه " وقد روي أن الصديقَ رضي الله تعالى عنه قال يوماً على المنبر : « يا أيُّها الناسُ إنَّكُم تَقْرَءونَ هذه الآيةَ وتضعونها غيرَ موضعها ولا تدرون ما هي ، وإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس إذا رأَوا منكراً فلم يغيِّروه عمهم الله بعقاب ، فأمُروا بالمعروف وانهَوْا عن المنكر ، ولا تغترّوا بقول الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا } الخ . فيقول أحدكم : عليَّ نفسي ، والله لتأمُرنّ بالمعروف وتنهَوُنّ عن المنكر ، أو ليستعمِلن الله عليكم شرارَكم فيسومونكم سوء العذاب ، ثم ليدعُوَنَّ خيارُكم فلا يستجابُ لهم " وعنه عليه الصلاة والسلام : " ما من قوم عُمل فيهم منكرٌ أو سُن فيهم قبـيحٌ فلم يغيِّروه ولم ينكروه إلا وحقٌّ على الله تعالى أن يعُمَّهم بالعقوبة جميعاً ثم لا يستجابُ لهم " ، والآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسَّرون على الكفرة ، وكانوا يتمنَّوْن إيمانهم من الضلال بحيث لا يكادون يرعَوون عنه بالأمر والنهي ، وقيل : كان الرجل إذا أسلم لاموُه وقالوا : سفّهتَ آباءك وضلّلتهم أي نسبتهم إلى السَّفاهة والضلال ، فنزلت تسليةً له بأن ضلال آبائه لا يضرُّه ولا يَشينُه { إِلَى ٱللَّهِ } لا إلى أحد سواه { مَرْجِعُكُمْ } رجوعُكم يوم القيامة { جَمِيعاً } بحيث لا يتخلف عنه أحد من المهتدين وغيرِهم { فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا من أعمال الهداية والضلال ، فهو وعد ووعيد للفريقين ، وتنبـيه على أن أحداً لا يؤاخَذُ بعمل غيره .