Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 12-12)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرٰءيلَ } كلامٌ مستأنفٌ مشتمِلٌ على ذكر بعضِ ما صدَر عن بني إسرائيلَ من الخِيانة ونقضِ الميثاق وما أدّى إليه ذلك من التّبِعاتِ ، مَسوقٌ لتقرير المؤمنين على ذكر نعمةِ الله تعالى ومراعاةِ حقِّ الميثاقِ الذي واثقهم به ، وتحذيرِهم من نقضِه ، أو لتقرير ما ذُكر من الهم بالبطش وتحقيقِه ، على تقدير كون ذلك من بني قريظة حسْبما مرّ من الرواية ببـيان أن الغدرَ والخيانة عادةٌ لهم قديمةٌ توارثوها من أسلافهم ، وإظهار الاسمِ الجليل لتربـية المهابةِ وتفخيمِ الميثاق وتهويلِ الخطبِ في نقضه ، مع ما فيه من رعاية حقِّ الاستئنافِ المستدعي للإنقطاع عما قبله ، والالتفاتُ في قوله تعالى : { وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً } للجري على سَننِ الكِبْرِياء ، أو لأن البعثَ كان بواسطةِ موسى عليه السلام كما سيأتي ، وتقديمُ الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مرّ مراراً من الاهتمامِ بالمقدَّم والتشويقِ إلى المؤخَّر ، والنقيبُ فعيل بمعنى فاعل مشتقٌ من النَّقْب ، وهو التفتيش ، ومنه قوله تعالى : { فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ } [ سورة ق ، الآية 36 ] سُمِّيَ بذلك لتفتيشِه عن أحوال القومِ وأسرارِهم . قال الزجاجُ : وأصله من النقْب وهو الثقب الواسع . رُوي ( أن بني إسرائيلَ لما استقروا بمصْرَ بعد مَهْلِكِ فرعونَ أمرهم الله عز وجل بالمسير إلى أَرِيحاءِ أرضِ الشام ، وكان يسكُنها الجبابرةُ الكَنعانيون ، وقال لهم : إني كتبتُها لكم داراً وقراراً فاخرُجوا إليها وجاهِدوا من فيها وإني ناصِرُكم ، وأمر موسى عليه السلام أن يأخُذَ من كلِّ سِبطٍ نقيباً أميناً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء بما أُمروا به توثِقَةً عليهم ، فاختارَ النقباءَ وأُخذ الميثاقُ على بني إسرائيلَ وتكفَّلَ إليهم النُقباء ، وسار بهم ، فلما دنا من أرض كنعانَ بعث النقباءُ يتجسّسون فرأَوْا أجراماً عظيمةً وقوةً وشَوْكة ، فهابوا ورَجَعوا وحدَّثوا قومَهم بما رأوا ، وقد نهاهم موسى عن ذلك ، فنكثوا الميثاقَ إلا كالبَ بنَ يوقنا نقيبَ سبطِ يَهوذا ، ويُوشَعَ بنَ نونٍ نقيبَ سِبطِ أفرايـيمَ بن يوسُفَ الصّديقِ عليه الصلاة والسلام ) ، قيل : لما توجه النقباءُ إلى أرضهم للتجسس لقِيَهم عوجُ بنُ عنق ، وكان طولُه ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعاً وقد عاش ثلاثة آلاف سنة ، وكان على رأسه حُزمةُ حطب ، فأخذهم وجعلهم في الحُزمة وانطلق بهم إلى امرأته ، وقال : انظُري إلى هؤلاء الذين يزعُمون أنهم يريدون قتالنا ، فطرَحهم بـين يدَيْها وقال : ألا أطحَنُهم برِجْلي ، فقالت : لا بل خلِّ عنهم حتى يُخبِروا قومَهم بما رأوا ، ففعل فجعلوا يتعرّفون أحوالَهم ، وكان لا يحمِلُ عنقودَ عِنبِهم إلا خمسةُ رجال ، أو أربعة ، فلما خرج النقباءُ قال بعضُهم لبعض : إن أخبرتم بني إسرائيلَ بخبر القومِ ارتدوا عن نبـي الله ، ولكنِ اكتُموه إلا عن موسى وهارونَ عليهما السلام ، فيكونان هما يَريانِ رأيَهما ، فأخذ بعضُهم على بعضٍ الميثاقَ ثم انصرفوا إلى موسى عليه السلام وكان معهم حبةٌ من عنبِهم وِقْرَ رجل ، فنكثوا عهدَهم وجعل كلٌّ منهم ينهىٰ سِبْطه عن قتالِهم ، ويُخبرهم بما رأى إلا كالبَ ويوشعَ ، وكان معسكرُ موسى فرسخاً في فرسخ فجاء عوج حتى نظر إليهم ثم رجع إلى الجبل ، فقور منه صخرة عظيمة على قدْرِ المعسكر ثم حملها على رأسه ليُطبِقَها عليهم فبعث الله تعالى الهُدُهُد فقوَّر من الصخرة وسَطَها المحاذِيَ لرأسه ، فانتقبت فوقعت في عُنُق عوج ، وطوقته فصرَعَتْه ، وأقبل موسى عليه السلام وطولُه عشرةُ أذرُعٍ ، وكذا طولُ العصا ، فترامىٰ في السماء عشرةَ أذرع ، فما أصاب العصا إلا كعبَه وهو مصروعٌ فقتله ، قالوا : فأقبلت جماعةٌ ومعهم الخناجرُ حتى حزّوا رأسَه . { وَقَالَ ٱللَّهُ } أي لبني إسرائيل فقط إذ هم المحتاجون إلى ما ذُكر من الترغيب والترهيب كما يُنْبىءُ عنه الالتفاتُ مع ما فيه من تربـية المهابة وتأكيدِ ما يتضمنه الكلام من الوعد { إِنّى مَعَكُمْ } أي بالعلم والقدرة والنُّصرة ، لا بالنصرة فقط ، فإن تنبـيهَهم على علمِه تعالى بكل ما يأتون وما يذرون وعلى كونهم تحت قُدرته وملكوتِه مما يحمِلُهم على الجد في الامتثال بما أمروا به والانتهاء عما نُهوا عنه ، كأنه قيل : إني معكم أسمع كلامَكم وأرى أعمالَكم وأعلم ضمائِرَكم ، فأجازيكم بذلك ، هذا وقد قيل : المرادُ بالميثاق هو الميثاقُ بالإيمان والتوحيد ، وبالنقباءِ ملوكُ بني إسرائيلَ الذين ينقُبون أحوالَهم ، ويَلُون أمورَهم بالأمر والنهي ، وإقامةِ العدل ، وهو الأنسب بقوله تعالى : { لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلوٰةَ وَءاتَيْتُمْ ٱلزَّكَوٰةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي } أي بجميعِهم واللامُ موطِّئةٌ للقسم المحذوفِ وتأخيرُ الإيمان عن إقامة الصلاة وإيتاءِ الزكاة مع كونهم من الفروع المترتبةِ عليه لِما أنهم كانوا معترفين بوجوبِهما مع ارتكابِهم لتكذيبِ بعضِ الرسل عليهم السلام ، ولمراعاة المقارَنةِ بـينه وبـين قوله تعالى : { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } أي نصرتموهم وقوَّيتموهم ، وأصله الذّبُّ وقيل : التعظيمُ والتوقيرُ والثناءُ بخير . وقرىء ( وعزَزْتُموهم ) بالتخفيف { وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ } بالإنفاق في سبـيل الخير ، أو بالتصدق بالصدقات المندوبة ، وقوله تعالى : { قَرْضًا حَسَنًا } إما مصدرٌ مؤكّدٌ وارد على غير صيغة المصدر ، كما في قوله تعالى : { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } [ آل عمران ، الآية 37 ] أو مفعولٌ ثانٍ لأقرضتم على أنه اسم للمال المُقْرَض ، وقوله تعالى : { لأَكَفّرَنَّ عَنْكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ } جوابٌ للقسم المدلولِ عليه باللام سادٌّ مسدَّ جوابِ الشرط { سَيّئَـٰتِكُمْ وَلاَدْخِلَنَّكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } عطفٌ على ما قبله داخل معه في حُكم الجواب ، متأخرٌ عنه في الحصول أيضاً ، ضرورةَ تقدُّمِ التخلية على التحلية . { فَمَن كَفَرَ } أي برسلي أو بشيءٍ مما عُدِّد في حيِّز الشرط ، والفاءُ لترتيب بـيانِ حُكمِ من كفَر على بـيان حُكمِ من آمن ، تقويةً للترغيب بالترهيب { بَعْدَ ذَلِكَ } الشرطِ المؤكّدِ المُعلَّقِ به الوعدُ العظيمُ الموجِبُ للإيمان قطعاً { مّنكُمْ } متعلِّقٌ بمُضْمَرٍ وقعَ حالاً من فاعل كفَرَ ، ولعل تغيـيرَ السبْكِ حيث لم يقل وإن كفرتم عطفاً على الشرطية السابقة لإخراج كفرِ الكلِّ عن حيِّز الاحتمال ، وإسقاطِ من كفَرَ عن رُتبة الخطاب ، وليس المرادُ إحداثَ الكفر بعد الإيمان ، بل ما يعمُّ الاستمرارَ عليه أيضاً ، كأنه قيل : فمن اتّصفَ بالكفر بعد ذلك ، خلا أنه قصَدَ بإيراد ما يدلّ على الحدوث بـيانَ ترقِّيهم في مراتب الكفر ، فإن الاتصافَ بشيءٍ بعد ورودِ ما يوجبُ الإقلاعَ عنه ، وإن كان استمراراً عليه لكنه بحسَب العنوان فعلٌ جديدٌ وصنعٌ حادث { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } أي وسَطَ الطريق الواضحَ ضلالاً بـيناً ، وأخطأه خطأً فاحشاً ، لا عذرَ معه أصلاً ، بخلافِ من كفر قبل ذلك ، إذْ ربما يمكنُ أن يكون له شُبْهةٌ ، ويُتَوهَّمُ له معذرةً .