Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 13-14)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ } الباء سببـية ، و ( ما ) مزيدةٌ لتأكيد الكلام وتمكينِه في النفس ، أي بسبب نقضِهم ميثاقَهم المؤكَّدَ لا بشيءٍ آخرَ استقلالاً أو انضماماً { لَعنَّـٰهُمْ } طردناهم وأبعدناهم من رحمتنا ، أو مسخناهم قِرَدَةً وخنازيرَ ، أو أذللناهم بضرب الجزيةِ عليهم . وتخصيصُ البـيان بما ذُكر مع أن حقَّه أن يبـيَّنَ بعد بـيانِ تحققِ نفسِ اللعنِ والنقضِ ، بأن يقال مثلاً : فنقَضوا ميثاقَهم فلعنّاهم ضرورةَ تقدّمِ هيئةِ الشيءِ البسيطةِ على هيئتِه المُركّبة للإيذانِ بأن تحققَهما أمرٌ جليٌّ غنيٌّ عن البـيان ، وإنما المحتاجُ إلى ذلك ما بـينهما من السببـية والمُسبَّبـية { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } بحيث لا تتأثرُ من الآيات والنذُر ، وقيل : أملينا لهم ولم نعاجِلْهم بالعقوبة حتى قَسَتْ ، أو خذلناهم ومنعناهم الألطافَ حتى صارت كذلك وقرىء ( قَسِيّة ) ، وهي إما مبالغةُ قاسية ، وإما بمعنى رديئة ، من قولهم : دِرْهمٌ قِسيٌّ ، أي رديء ، إذا كان مغشوشاً له يَبْسٌ وخشونة ، وقرىء بكسر القاف إتباعاً لها بالسين { يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوٰضِعِهِ } استئنافٌ لبـيان مرتبةِ قساوةِ قلوبهم فإنه لا مرتبةَ أعظمُ مما يصحح الاجتراءَ على تغيـير كلامِ الله عز وجل والافتراءَ عليه ، وصيغةُ المضارع للدلالة على التجدُّد والاستمرار ، وقيل : حالٌ من مفعول لعناهم { وَنَسُواْ حَظَّا } أي تركوا نصيباً وافراً { مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } من التوراة ومن اتّباع محمدٍ عليه الصلاة والسلام ، وقيل : حرفوا التوراةَ وزلَّتْ أشياءُ منها عن حفظهم ، وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : ( قد ينسىٰ المرءُ بعضَ العلم بالمعصية ) وتلا هذه الآية { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مّنْهُمْ } أي خيانةٍ على أنها مصدرٌ كلاغيةٍ وكاذبةٍ أو فَعْلةٍ خائنة ، أي ذاتِ خيانة ، أو طائفةٍ خائنة ، أو شخصٍ خائنةٍ ، على أن التاء للمبالغة ، أو نفسٍ خائنةٍ ، و ( منهم ) متعلقٌ بمحذوف وقع صفةً لها ، خلا أن ( مِنْ ) على الوجهين الأولين ابتدائيةٌ ، أي على خيانةٍ أو على فعلةٍ خائنةٍ كائنةٍ منهم صادرةٍ عنهم ، وعلى الوجوه الباقيةِ تبعيضية ، والمعنى أن الغدرَ والخيانة عادةٌ مستمرة لهم ولأسلافهم بحيث لا يكادون يترُكونها ويكتُمونها فلا تزال ترى ذلك منهم . { إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ } استثناء من الضمير المجرور في ( منهم ) على الوجوه كلِّها ، وقيل : مِنْ خائنة على الوجوه الثلاثةِ الأخيرة ، والمرادُ بهم الذين آمنوا منهم كعبد اللَّه بنِ سَلام وأضرابِه ، وقيل : من خائنة على الوجه الثاني ، فالمرادُ بالقليل الفعلُ القليل ، ومِنْ ابتدائيةٌ كما مر ، أي إلا فعلاً قليلاً كائناً منهم { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ } أي إن تابوا وآمنوا أو عاهدُوا والتزموا الجزية ، وقيل : مطلقٌ نُسخ بآيةِ السيف { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } تعليلٌ للأمر وحثٌّ على الامتثال به ، وتنبـيهٌ على أن العفوَ على الإطلاقِ من باب الإحسان . { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَهُمْ } بـيانٌ لقبائح النصارى وجناياتهم إثرَ بـيان قبائحِ اليهود وخياناتِهم ، و ( مِن ) متعلقة ( بأخذنا ) ، إذِ التقديرُ وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ، وتقديمُ الجار والمجرور للاهتمام به ، ولأن ذكرَ حال إحدى الطائفتين مما يوقعُ في ذهن السامع أن حالَ الأخرى ماذا ؟ فكأنه قيل : ومن الطائفة الأخرى أيضاً أخذنا ميثاقهم ، وقيل : هي متعلقةٌ بمحذوفٍ وقع خبراً لمبتدأ محذوفٍ قامت صفتُه أو صلتُه مَقامه ، أي ومنهم قومٌ أخذنا ميثاقهم ، أو مَنْ أخذنا ميثاقهم ، وضميرُ ( ميثاقَهم ) راجعٌ إلى الموصوف المقدر ، وأما في الوجه الأولِ فراجعٌ إلى الموصول ، وقيل : راجع إلى بني إسرائيل ، أي أخذنا من هؤلاء ميثاق أولئك ، أي مثل ميثاقهم من الإيمان بالله والرسل ، وبما يتفرع على ذلك من أفعال الخير ، وإنما نَسَب تسميتَهم نصارى إلى أنفسهم دون أن يُقال ومن النصارى إيذاناً بأنهم في قولهم نحن أنصارُ الله بمعزلٍ من الصدق ، وإنما هو تقوّلٌ محْضٌ منهم ، وليسوا من نُصْرة الله تعالى في شيء ، أو إظهاراً لكمال سوء صنيعهم ببـيان التناقض بـين أقوالهم وأفعالهم ، فإن ادعاءهم لنُصْرته تعالى يستدعي ثباتَهم على طاعته تعالى ومراعاة ميثاقه { فَنَسُواْ } عَقيبَ أخذِ الميثاق من غير تلعثم { حَظّاً } وافراً { مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } في تضاعيف الميثاق من الإيمان بالله تعالى وغير ذلك حسبما مرَّ آنفاً ، وقيل : هو ما كُتب عليهم في الإنجيل من أن يُؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام فتركوه ونبذوه وراء ظهورهم ، واتبعوا أهواءهم فاختلفوا وتفرقوا نِسطوريةً ويعقوبـيةً وملكانية أنصاراً للشيطان ، { فَأَغْرَيْنَا } أي ألزمنا وألصَقنا ، من غرِيَ بالشيء إذا لزمه ولصِق به ، وأغراه غيرُه ، ومنه الغِراء ، وقوله تعالى : { بَيْنَهُمْ } إما ظرف لأغرينا أو متعلق بمحذوف وقع حالاً من مفعوله ، أي أغرينا { ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَاء } كائنة بـينهم ، ولا سبـيل إلى جعله ظرفاً لهما ، لأن المصدر لا يعمل فيما قبله ، وقوله تعالى : { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } إما غاية للإغراء أو للعداوة والبغضاء ، أي يتعادَوْن ويتباغضون إلى يوم القيامة حسبما تقتضيه أهواؤهم المختلفة وآراؤُهم الزائغة المؤدية إلى التفرق إلى الفرق الثلاثة ، فضمير ( بـينهم ) لهم خاصة ، وقيل : لهم ولليهود ، أي أغرينا العداوة والبغضاء بـين اليهود والنصارى { وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } وعيد شديد بالجزاء والعذاب كقول الرجل لمن يتوعّده : سأخبرك بما فَعَلت ، أي يجازيهم بما عملوه على الاستمرار من نقض الميثاق ونسيان الحظ الوافر مما ذُكِّروا به ، و ( سوف ) لتأكيد الوعيد ، والالتفاتُ إلى ذكر الاسم الجليل لتربـية المهابة وإدخال الروعة لتشديد الوعيد ، والتعبـيرُ عن العمل بالصنع للإيذان برسوخهم في ذلك ، وعن المجازاة بالتنبئة للتنبـيه على أنهم لا يعلمون حقيقةَ ما يعملونه من الأعمال السيئة واستتباعِها للعذاب ، فيكونُ ترتيبُ العذاب عليها في إفادة العلم بحقيقة حالها بمنزلة الإخبار بها .