Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 25-26)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ } عليه السلام لما رأى منهم ما رأى من العِناد على طريقة البثِّ والحُزن والشكوى إلى الله تعالى مع رقة القلبِ التي بمثلها تُستجلبُ الرحمةُ وتُسْتَنزَلُ النُّصرة { رَبّ إِنّى لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِى وَأَخِى } عطف على نفسي ، وقيل : على الضمير في ( إني ) على معنى إني لا أملك إلا نفسي وإن أخي لا يملِكُ إلا نفسَه ، وقيل : على الضمير في ( لا أملك ) للفصل { فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا } يريد نفسه وأخاه ، والفاء لترتيب الفرق أو الدعاءِ به على ما قبله { وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } الخارجين عن طاعتك المُصِرّين على عِصيانك بأن تحكُم لنا بما نستحقّه وعليهم بما يستحقونه ، وقيل : بالتبعيد بـيننا وبـينهم وتخليصِنا من صحبتهم . { قَالَ فَإِنَّهَا } أي الأرض المقدسة ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من الدعاء { مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } تحريمَ منعٍ لا تحريمَ تعبُّد ، لا يدخُلونها ولا يملِكونها لأن كتابتها لهم كانت مشروطةً بالإيمان والجهاد ، وحيث نكصوا على أدبارهم حُرموا ذلك وانقلبوا خاسرين ، وقوله تعالى : { أَرْبَعِينَ سَنَةً } إن جُعل ظرفاً ( لمحرمةٌ ) يكون التحريمُ مؤقتاً لا مؤبداً ، فلا يكون مخالفاً لظاهر قولِه تعالى : { كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } [ المائدة ، الآية 21 ] فالمراد بتحريمها عليهم أنه لا يدخلها أحد منهم في هذه المدة ، لكن لا بمعنى أن كلَّهم يدخلونها بعدها بل بعضُهم بقيَ حسْبما رُوي أن موسى عليه السلام سار بمن بقيَ من بني إسرائيلَ إلى أريحا ، وكان يوشعُ ابنُ نون على مقدمته ففتحها وأقام بها ما شاء الله تعالى ثم قُبض عليه السلام ، وقيل : لم يدخلها أحد ممن قال : ( لن ندخُلها أبداً ) ، وإنما دخلها مع موسى عليه السلام النواشىءُ من ذرياتهم ، فالمؤقت بالأربعين في الحقيقة تحريمها على ذرياتهم ، وإنما جُعل تحريمُها عليهم لما بـينهما من العلاقة التامة المتاخمة للاتحاد ، وقوله تعالى : { يَتِيهُونَ فِى ٱلأَرْضِ } أي يتحيرون في البرية ، استئناف لبـيان كيفية حِرْمانهم ، أو حال من ضمير عليهم ، وقيل : الظرف متعلق بـيتيهون فيكون التيه مؤقتاً والتحريم مطلقاً ، قيل : كانوا ستمائة ألف مقاتل ، وكان طول البرية تسعين فرسخاً ، وقد تاهوا في ستة فراسخَ أو تسعة فراسخَ في ثلاثين فرسخاً ، وقيل : في ستة فراسخَ في اثني عشرَ فرسخاً . روي أنهم كانوا كلَّ يوم يسيرون جادّين حتى إذا أمسَوا إذا هم بحيث ارتحلوا ، وكان الغمامُ يُظلُّهم من حر الشمس ، ويطلُع بالليل عمودٌ من نور يضيء لهم ، ويَنزِلُ عليهم المن والسلوى ، ولا تطول شعورُهم ، وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوبٌ كالظُفُر يطول بطوله ، وهذه الإنعاماتُ عليهم مع أنهم معاقَبون لِما أن عقابَهم كان بطريق العِراك والتأديب . قيل : كان موسى وهارون معهم ولكن كان ذلك لهما رَوْحاً وسلامة كالنار لإبراهيم وملائكةِ العذاب عليهم السلام ، وروي أن هارون مات في التيه ومات موسى بعده فيه بسنة ، ودخل يوشعُ أريحا بعد موته بثلاثة أشهر ، ولا يساعده ظاهرُ النظم الكريم ، فإنه تعالى بعد ما أقبل على بني إسرائيلَ وعذبهم بالتيه بعيدٌ أن ينجِّيَ بعضَ المدعوِّ عليهم أو ذراريهم ويقدّر وفاتَهما في محل العقوبة ظاهراً ، وإن كان ذلك لهما منزِلَ رَوْحٍ وراحةٍ وقد قيل : إنهما لم يكونا معهم في التيه وهو الأنسب بتفسير الفرق بالمباعدة ، ومن قال بأنهما كانا معهم فيه فقد فسر الفَرْقَ بما ذُكر من الحُكْمِ بما يستحقّه كلُّ فريق . { فَلاَ تَأْسَ } فلا تحزن { عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } روي أنه عليه السلام ندِم على دعائه عليهم فقيل : لا تندمْ ولا تحزَن فإنهم أحِقّاءُ بذلك لفسقهم .