Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 94-94)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ } جوابُ قسمٍ محذوفٍ أي والله ليُعامِلَّنكم معاملةَ مَنْ يختبركم ليتعرَّفَ أحوالَكم { بِشَىْء مّنَ ٱلصَّيْدِ } أي من صيدِ البَرّ مأكولاً أو غيرَ مأكول ما عدا المستثنياتِ من الفواسق ، فاللام للعَهْد ، نزلت عام الحُدَيْبـية . ابتلاهم الله تعالى بالصيد وهم مُحرِمون كانت الوحوش تغشاهم في رحالهم بحيث كانوا متمكنين من صيدِها أخذاً بأيديهم وطعناً برماحهم وذلك قوله تعالى : { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَـٰحُكُمْ } فهمُّوا بأخذها فنزلت ، ورُوي أنه عَنَّ لهم حمارُ وحشٍ فحمل عليه أبو اليَسَر بنُ عمرو فطعنه برمحه وقتله ، فقيل له : قتلته وأنت مُحرم ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن ذلك فأنزل الله تعالى الآية ، فالتأكيد القَسَميُّ في ( ليبلونكم ) إنما هو لتحقيق أن ما وقع من عدم توحُّش الصيد عنهم ليس إلا لابتلائهم لا لتحقيق وقوعِ المُبتلىٰ به كما لو كان النزول قبل الابتلاء ، وتنكير ( شيء ) للتحقير المُؤْذِن بأن ذلك ليس من الفِتن الهائلة التي تزِلُّ فيها أقدامُ الراسخين كالابتلاء بقتل الأنفس وإتلافِ الأموال ، وإنما هو من قبـيل ما ابتُليَ به أهلُ أَيْلَةَ من صيد البحر ، وفائدته التنبـيه على أن من لم يثبّتْ في مثل هذا كيف يثبتُ عند شدائد المحن ؟ ( فمن ) في قوله تعالى : { مّنَ ٱلصَّيْدِ } بـيانية قطعاً أي بشيء حقير هو الصيد ، وجعلُها تبعيضيةً يقتضي اعتبارَ قِلَّته وحقارته بالنسبة إلى كل الصيد لا بالنسبة إلى عظائم البلايا فيَعْرَى الكلامُ عن التنبـيه المذكور . { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ } أي ليتميز الخائفُ من عقابه الأخروي وهو غائبٌ مترقبٌ لقوة إيمانه ، فلا يتعرض للصيد ، ممن لا يخافه كذلك لضعف إيمانه فيُقدم عليه ، وإنما عبر عنْ ذلك بعلم الله تعالى اللازم له إيذاناً بمدار الجزاءِ ثواباً وعقاباً فإنه أدْخَلُ في حملهم على الخوف ، وقيل : المعنى ليتعلق علمه تعالى بمن يخافه بالفعل ، فإن علمه تعالى بأنه سيخافه وإن كان متعلقاً به قبل خوفه لكنّ تعلُّقَه بأنه خائف بالفعل وهو الذي يدور عليه أمرُ الجزاء إنما يكون عند تحقق الخوف بالفعل ، وقيل : هناك مضاف محذوف ، والتقدير ليعلم أولياءَ الله ، وقرىء ( ليُعلِمَ ) من الإعلام على حذف المفعول الأول أي ليُعْلِمَ الله عباده الخ ، والعلمُ على القراءتين متعدٍّ إلى واحد ، وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لتربـية المهابة وإدخال الروعة { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ } أي بعد بـيان أنّ ما وقع ابتلاءٌ من جهته تعالى لِما ذُكر من الحِكمة لا بعد تحريمِه أو النهي عنه كما قاله بعضهم ، إذ النهي والتحريم ليس أمراً حادثاً يترتب عليه الشرطية ، بالفاء ، ولا بعد الابتلاء كما اختاره آخرون ، لأن نفس الابتلاء لا يصلح مداراً لتشديد العذاب ، بل ربما يتوهم كونُه عذراً مسوِّغاً لتخفيفه ، وإنما الموجب للتشديد بـيانُ كونه ابتلاءً ، لأن الاعتداء بعد ذلك مكابرةٌ صريحة ، وعدمُ مبالاةٍ بتدبـير الله تعالى ، وخروجٌ عن طاعته ، وانخلاع عن خوفه وخشيته بالكلية . أي : فمن تعرض للصيد بعد ما بـينا أن ما وقع من كثرة الصيد وعدم توحُّشه منهم ابتلاءٌ مؤدَ إلى تميـيز المطيع من العاصي { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } لما ذكر من أنه مكابرة محضة ولأن من لا يملك زمام نفسه ولا يراعي حكم الله تعالى في أمثال هذه البلايا الهيِّنة لا يكاد يُراعيه في عظائم المداحض . والمراد بالعذاب الأليم عذاب الدارين ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : يُوسَعُ ظهرُه وبطنه جَلداً وينزع ثيابه .